إعداد/ عبد الرحمن محمد
كم أجحف التاريخ ورواته بحق الكرد؛ وكم غيب من قادتهم وفلاسفتهم ومفكريهم!!، وكم من الأمم نسبت قادة وعلماء منهم إليها، المئات من الفلاسفة والشعراء والعباقرة نراهم مغيبين في التاريخ أو منسوبين لثقافات وشعوب أخرى ولَعلنا نعيد للبعض من هؤلاء جزءاً يسيراً من حقهم في التعريف بهم وتصحيح نسبهم.
عرف “اللك” في القسم الشرقي من كردستان “روج هلات” ككبرى القبائل، ومنها “الزند” الذين سكنوا مناطق من “ملاير” في شمال غرب إيران وعرفت كموطن أساسي لهم.
وعرف من “الزند” فيما بعد القائد الزعيم” كريم خان زند” الذي عرف لُقبَ ب “وكيل الرعايا”، وكريم خان بن ايناك من مواليد قرية “برية” عام 1705م. وظهرت بوادر نبوغه ومؤهلاته القتالية الفذة سريعاً عقب انخراطه في جيش “نادر شاه” الذي حرص على تعزيز قواته التي سيطرت على أراضي “اللور والبختيارية” بمقاتلي “اللك” وتألق نجمه وتدرج بالمناصب العسكرية إلى أعلى المراتب، وحكم إيران قرابة ثلاثين عاماً.
خاض “كريم خان” صراعاً صعباً وطويلاً مع خصومه الأقوياء على السلطة، واستفاد من حالة الفوضى التي سادت إيران، فتمكن بشجاعته وحنكته من السيطرة على تلك الأوضاع وإرساء دعائم حكم أسرته، مخلداً بهذا الإنجاز الكبير اسمه واسم الزند في ذاكرة التاريخ.
اعتمد كريم خان على المقربين منه والموثوقين من اللك وفيهم أخواه “صادق وزكي”، بالإضافة إلى شخصيته القيادية التي مكنته في النهاية من تحقيق مجد أسرته الحاكمة التي حظيت بالأعجاب والاهتمام على صعيد إيران والمنطقة، فأصبحت عاصمته “شيراز” مركزاً حضارياً وعمرانياً واقتصادياً مزدهراً استتبت فيها مظاهر الأمن والعدل والرخاء كثيراً.
لم يكتف “كريم خان” بالنجاحات والمكاسب الكبيرة التي حققها على صعيد بلاده إيران والمتمثلة بإخضاعه لأقاليم ومناطق هامة وشاسعة تحت سلطانه ومنها، شيراز وأصفهان وكيلان ومازندران وأرجاء واسعة من آذربيجان وغيرها، بل سعى أيضاً إلى ضم بعض مناطق نفوذ العثمانيين إلى حدود مملكته وتوسيعها على حسابهم، ولا سيما في أعقاب معاداة والي بغداد العثماني “عمر باشا” الصريحة له؛ مما دفع بكريم خان إلى إرسال جيش كبيرٍ بقيادة شقيقه “صادق خان” لاحتلال ولاية البصرة، وكان له ذلك عام 1776م بعد حصار طويل دام 13 شهراً، وظلت البصرة خاضعة لحكم الزند، إلى أن عاد صادق خان إلى بلاده بعد وفاة شقيقه وعادت السيطرة العثمانية على البصرة.
اتصف “كريم خان” إلى جانب شجاعته ومؤهلاته القيادية المعروفة ونبوغه ودهائه في تصريف شؤون بلاده، بورعه ونزاهته وعدالته، وكان الوصي على العرش، وهو المتصرف فيما يخص السلطة والنفوذ، وعاشت البلاد سنوات رخاء وأماناً وعيشاً رغيداً، ورفض أن يتلقب ب “الشاه” كغيره ومكتفياً بلقب “وكيل الرعايا” الذي عرف به.
كان كريم خان بالإضافة إلى شخصيته القيادية كريماً عطوفاً متسامحاً وقلما اجتمعت كل هذه الصفات في شخص واحد، وحكاية التاجر الذي سرقت أمواله وممتلكاته في إحدى الليالي بينما كان يغط هانئاً في نوم عميق!. فقصد في اليوم التالي مجلس “كريم خان” شاكياً إليه مصابه الكبير، ولما عنفه “كريم خان” جراء إهماله وغفلته، رد عليه بأنه أخطأ حقاً حينما نام مطمئن البال وواثقاً من أنه “أي كريم خان” متيقظ ومطلع على حال رعيته!. فتعجب الحاكم الشهم من ذلك الرد المعاتب البليغ وأمر بتعويض التاجر من خزينة الدولة والبحث عن السارق فوراً.
كما أغلب قصص الحكام والقادة العظام التي تنتهي بفواجع نتيجة الأطماع المادية والسيادية؛ انتهت أمجاد الزند وما حققه “وكيل الرعايا” الذي اقعده المرض في آخر سنين حياته وتوفي في عام 1779م.
قضت التناحرات العائلية على أبرز شخصيات الزند وقوضت من سلطتهم، ورغم أنَّ الأمير ” لطف علي خان بن جعفر خان بن صادق خان” تمكن من السيطرة على مقاليد الحكم وإعادة أمجاد أسرته لبعض الوقت، غير أنَّ مؤامرات ودسائس الأعداء والمتآمرين وبضمنهم وزيره الخائن “الحاج ابراهيم” لم تتوقف وانتهت بسقوط حكم الزند الذي دام قرابة خمسة وأربعين عاماً كانت ثلاثون عاماً منها في عهد كريم خان “فترة ذهبية” بامتياز.[1]