آرين شنكالي
الحكم والأمثال الشعبية وعاء التراث والثقافة المجتمعية للشعوب أينما كانت، وقد يمتد التاريخ بعمق هذه الثقافة وأصالة هذا الموروث لآلاف السنين كما في حكم وأمثال الكرد الشعبية، بخاصة وأنَّ أجيالاً وأجيالاً تناقلت هذه الحكم والأمثال شفاهاً في أغلب الأحيان وطالها الكثير من التحريف والنسيان، لولا أن انبرى كتاب ومثقفون وغيارى على الموروث الشعبي فدوَّنوا بعضاً منها وجمعوا وترجموا القسم الآخر، لتكون جزءاً يسيراً من إرث شعبي وموروثٍ مجتمعيٍّ نقل وينقل الكثير من الحِكم والعقلانية والتجربة إلى جانب ما يحمله من تفاصيل صغيرة هامة عن العادات والتقاليد والمثل والأخلاق والميثولوجيا والدين والفلسفة.
في كتاب “الحكم والأمثال الشعبية الكردية” ألفا مثلٍ شعبي وحكمة ومقولة شهيرة، وضعت باللغة الكردية، وقد جمعها الكاتب لسنوات من خلال تواصله وبحثه المستمر عن مبتغاه، ليأخذ ما يريد من مصادره المتعددة من كبار السن والأمهات ومن ذوي التجربة والخبرة، وفيها يحاول أن يورد المثل في صيغته الأصلية والطريقة التي يُنطق بها، ويضيف إليه المعنى المماثل بالعربية، وما المغزى من المثل وفيمَ يُقال ولِمَ؟ وفي ذلك خطوة رائدة لإيصال جانب هام من جوانب الحياة المجتمعية بكلِّ تفاصيلها وبخاصة فيما يتعلق بالترجمة إلى اللغة العربية، حيث يتمكن القارئ من معرفة الكثير من جوانب الأدب والثقافة والأديان والعادات والتقاليد في المجتمع الكردي، وقد يقارِن بينها وبين جوانب مماثلة من المجتمع العربي الذي يماثله ويشابهه في العديد من الجوانب، إضافة إلى ذلك فإن ترجمة المثل أو الحكمة تدخل في نطاق آخر – قد يغفل عنه البعض – وهو أنها تدخل في نطاق من تعلم شيء من اللغة الكردية عبر مقارنة الكلمات والمعاني في المثل باللغتين العربية والكردية.
في الذاكرة الشعبية الكردية المختزنة بالكثير الكثير في مجال الأدب والثقافة الروحية والآثار والأوابد التي تروي ملاحم الزمن الغابر نقرأ الكثير، ومن خلال الوصول إلى تلك الذاكرة نتعرف على الأُسطورة والتاريخ والقصص القصيرة والأحاجي والألغاز، وكذلك إلى تكوين فكرة ما عن المراحل التي بهر بها المجتمع الكردي، فكل مثل شعبي يحمل في مضمونة عبرة وإشارة ما نحو دلالة اجتماعية أو روحية أو فلسفية، وقد يكون للمثل أو الحكمة قصة ورواية تحمل الكثير من الدلالات والمعاني، وإشارات إلى الابتعاد أو الإقبال على مفاهيم وثقافات محمودة أو مرفوضة تكون في مجملها قراءة للمجتمع وجولة في أغوار ثقافته وفلسفته وموروثة الاجتماعي والفلسفي.
في الكتاب نماذج ودلالات وإشاراتٌ كثيرة لقضايا ومثل اجتماعية وأخلاقية، تحض على الخير والحب والجمال والمعرفة، والذهن والفكر النير وعدم العصبية والمزاجية والادعاء بالكمال، وبين الألفي مثل وحكمة نرى الكثير من الثقافة والدراية وحب الخير والجمال وعشق الطبيعة بسحرها وعظمتها وحب الإنسان للإنسان، رسائل محبة وسلام وحض على العلم والمعرفة، ربما كان السبيل الوحيد والأنجع والأمثل قراءة الكتاب والغوص في بحوره والاطلاع عليه؛ ففيه متعة في القراءة والمعرفة والأجمل أنَّ الكتاب وما فيه يمكن أن يُقرأ بالعربية والكردية على حدٍّ سواء، والكتاب من إصدارات اتحاد المثقفين في الجزيرة ويقع في 362 صفحةً من القطع المتوسط.
الكاتب خليل كالو ولد في «ديرونا قلنكا» بإقليم الجزيرة سنة 1958م من الشخصيات التي أثارت جدلاً فلسفياً وفكرياً فيما حولها، بسبب أفكاره وآرائه المتميزة عن الكردايتية والوطنية والديمقراطية، تخرج من جامعة دمشق قسم الجيولوجية التطبيقية 1980م كتب كالو في أغلب شؤون المجتمع الكردي، ودافع عنها بعيداً عن الشوفينية والتعصب القومي الأعمى، ألف كتاب “الحكم والأمثال الشعبية الكردية” وكتاب “الكردايتي ومسألة الشخصية” وكتاب مترجم مطبوع في هولير “مذكرات شاهد عيان” للكاتب «ملا حسني كرد» إضافة إلى ترجمة وإعداد ستة كتب من كتب أدبيات حزب العمال الكردستاني بالعربية، وترجمة كتاب ترجمة “حقيقة القيادة في حزب العمال الكردستاني”، وترجمة كتاب “من مذكرات مقاتل” لحسن هوشيار ومدونته التي تتضمن 538 مقالةً كردية وعربية، بالإضافة إلى مقالات منشورة في عدة صحف ومجلات كردية، كما نشر ولفترة متواصلة في صحيفة روناهي.
توفي في 15/9/2015م بعد معاناة مع مرض عضال ووري الثرى في قريته “ديرونا قلنكا”.[1]