إعداد/ عبدالرحمن محمد
ما من شبر في أرض سوريا عامة والجزيرة بشكل خاص إلا ويحكي قصة تاريخ وحضارة غابرة تركت بصمتها في التاريخ الإنساني منذ أقدم العصور، وما كثرة التلال في المنطقة الا واحدة من الدلالات على عظيم شأن المنطقة وأهميتها.
يعد تل “شاغر بازار” من التلال الهامة في المنطقة الواقعة بين المدن الثلاث عامودا الحسكة وقامشلو، وعلى مسافة تكاد تكون متساوية، إذ يبعد 35كم جنوب غرب قامشلو وحوالي 45كم شمال شرق الحسكة، وعلى طريق “الحسكة- عامودا” ويتألف التل من كتلتين رئيسيتين تتصلان إحداهما بالأخرى وسط الجهة الغربية يفصل بينهما وادي، وتبلغ المساحة الكلية للتل قرابة 12 هكتاراً وبارتفاع 21 متراً عما يحيط به.
بدأت المرحلة الاولى من التنقيب في التل بين عامي 1935- 1937 من قِبل البريطاني ماكس مالوينmax malwin، وتوقفت لتبدأ المرحلة الثانية منها عام 1999 ببعثة سورية بريطانية بلجيكية مشتركة، وبعد انسحاب البعثة البريطانية تابعت البعثة البريطانية والسورية عملهما لتكشف المزيد من الحقائق والدلائل على اهمية الموقع ومعرفة المزيد عنه، حيث دلت أولى الاكتشافات أن المنطقة تم الاستيطان فيها منذ منتصف الألف الثامن قبل الميلاد.
لتل شاغر بازار أهمية كبيرة لكونه يقع على الطرق التجارية ما بين نهري دجلة والخابور ومن ثم وصولاً إلى الفرات، وقد أكدت الاكتشافات بأن الموقع احتل أهمية كبيرة وخاصة خلال الفترة البابلية القديمة.
الدراسات والنتائج في الحفريات الأولى:
أوضحت الحفريات التي تمت في الجهة الشمالية وضمن ثماني قطاعات عدة سويات أثرية تعود إلى الألف الخامس وحتى الألف الثاني ق.م، كما عثر فيها على أبنية مشادة من مادة اللبن تعود إلى القرن الثامن عشر ق.م، وعثر بداخلها على مئة وأربعين رقماً مسمارياً، والرقم محفوظة في المتحف البريطاني ومتحف حلب.
التنقيبات الحديثة وأهم النتائج:
عادت أعمال التنقيب في الموقع في عام 1999 من قبل بعثة سورية بريطانية- بلجيكية مشتركة، وكشفت من خلال أعمال التنقيب بأن الموقع مر بعدة مراحل تاريخيه وهي: “العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار النصف الثاني من الألف الثامن ق.م- فترة حسونة- فترة سامراء، فترة حلف، فترة عبيد، فترة أورك، العصر البرونزي القديم فترة السلالات الباكرة، الفترة ما بعد الأكادية، العصر البرونزي الوسيط، الفترة البابلية القديمة، ودلت حفرتان محروقتان كشف عنهما على أول دلائل للاستيطان في الموقع والتي تعود إلى النصف الثاني من الألف الثامن ق.م، وعن سويات حضارية تعود إلى فترة حسونة وسامراء، كما تم التعرف على بناء دائري الشكل بقطر خمسة أمتار، محفوظ بشكل جيد يعود إلى الفترة الحلفية.
كما دلت الجدران المكتشفة المبنية من اللبن أنها تعود إلى النصف الأول من الألف الثالث ق.م، أي أنها تعود إلى فترة أورك الحديث، كذلك عُثر على منشأة معمارية مبنية من اللبن وأبنية يفصل بينهما شارع بطول 35 متراً وعرض متر واحد تعود إلى الفترة البابلية القديمة، وهي عبارة عن جزء من مبنى إداري ضخم يعتبر من أهم الأبنية المكتشفة ويعود إلى عهد الملك شمشي ادو. بالإضافة إلى مجموعة دمى ذات أشكال آدمية أو حيوانات، ورقم طينية وصل عددها إلى مئتين وستة وعشرين رقيماً مسمارياً وعربات صغيرة، مصنوعة من الطين وأدوات معدنية وحجرية وفخارية، ومجموعة من طبعات الأختام أهمها طبعة ختم الملك البابلي شمشي أدو.
البناء في شاغر بازار:
أظهرت بعض التنقيبات وفي الطبقات التاسعة من البحث نموذج للبيوت “التنورية- ثولوس” وهي غرف دائرية الشكل على شكل قبه تضيق مع الارتفاع للأعلى حتى تصل إلى نقطة التقاء واحدة في السقف العلوي، بينما تحوي في أرضيتها على ممر طويل مستطيل الشكل، وهي مبنية من اللبن الطيني المجفف في الشمس، ويؤكد الباحثين أن طريقة البناء بالطين والبيوت التنورية متبعة في المنطقة وفي حوض الفرات منذ القدم مما يدل على إنها من ثقافة وابتكار المنطقة وليست دخيلة عليها.[1]