حاوره/ قاسم إبراهيم
روناهي/ الحسكة في حوار مع الباحث في التاريخ أحمد صالح أحمدو أكد بأن المؤرخ يجب أن يتمتع بصفة الموضوعية والمحايدة، وأشار بأنه من الصعوبات التي يتعرض لها المؤرخ هي المصادر الأساسية المترجمة والغير المترجمة والتي تُرجِمت حسب مصالح القوميات الحاكمة.
يُشكل الكُرد جزءاً هاماً من حضارة المنطقة ومن الأمم المجتهدة التي ساهمت في بناء الحضارة ومن “رأسمال البشرية” التراثي والثقافي والفني، ولأهمية جغرافية كردستان تعرضت إلى الطمس والتهميش والصهر والإبادة منذ العصور الإسلامية الأولى مروراً بالدولة العثمانية الاستعمارية التي صُنفت جرائمها بأنها من أفظع الجرائم بحق الإنسانية، والتي لم تُدمِّر الحضارة الكردية ونِتاجاتها فحسب إنما دمرت الحضارات الأخرى الآشورية والسريانية، وغُيبت ميزوبوتاميا وكردستان عن الدراسة التاريخية الحقيقية ولايزال هذا التعتيم مستمراً، وعن هذه القضايا والعديد من المواضيع الأخرى كان الحوار التالي مع الباحث في التاريخ أحمد صالح أحمدو:
التاريخ ذاكرة الشعوب والمؤرخ هو الذي يدرس ويدوِّن التاريخ، ما صفات المؤرخ ؟
إن صفات المؤرخ عديدة ولكن أهمها الموضوعية والمحايدة, فالموضوعية؛ على المؤرخ عدم الخروج عن المصادر والمراجع الموثّقة عالمياً، كذلك عدم دمج الميراث الإنساني بأهوائه الشخصية ومصالحه القومية. أما المحايدة فعلى كل باحث تاريخي أن يضع نفسه موضع المحاكمة الوجدانية هل يقبل أن يتعدى الآخرون على تاريخه؛ بالتأكيد الجواب كلا، يجب أن نكون محايدين في كتابة التاريخ حتى لو كان تاريخنا القومي والوطني لأن من يخرج من دائرة المحايدة سوف يقع في فخ الأدلجة, والمؤرخ المؤدلج هذا النوع من أخطر أنواع الباحثين والمؤرخين لأن من مهامه الأساسية تزوير وتشويه كل شيء وتفصيل وتصنيع الحقائق بما يلائم رغباته ورغبات أسياده، ولابد من الإشارة إلى أن هؤلاء المؤدلجون مشكوك في انتمائهم، أو دخلاء على المنطقة والذين شكلوا حاشية من أنصاف المثقفين والمطبِلين من أجل تشويه تاريخ المنطقة، وجعله تاريخهم القومي، مثال كل شيء يُكتشف من عمليات التنقيب كان ينسب للقومية الحاكمة، والسؤال أين هم من سكنوا هذه المنطقة قبل آلاف السنين؟؟.
ما هي الصعوبات التي تواجه المؤرخ أو الدارس للتاريخ؟
من أهم الصعوبات المصادر الأساسية غير المترجمة والمترجمة والتي تُرجمت حسب مصالح القوميات الحاكمة، وبأقلام مأجورة وصعوبة الوصول إلى الوثائق، وضعف في الكادر الذي يعمل في مجال البحث الأثري. رغم أن هناك محاولات من قلة قليلة من أبناء الشعب الكردي لدراسة التاريخ بشكل أكاديمي، في حين أن الأكثرية تتوجه لدراسة الطب والهندسة والصيدلة وفروع أخرى وخلال السنوات العشر الماضية شهدنا حالة الاهتمام بالتاريخ والتراث الكردي والتعرف والتعريف بالمكونات الأخرى.
ما الأسباب وراء إهمال الدراسات التاريخية برأيكم؟
التأثر الجماهيري بالتشويه الإعلامي الذي حصل في أواسط القرن العشرين، ولايزال حتى الآن، وعدم قدرة الأحزاب الكردية في توصيل فكرة الانتماء الوطني الشعب الكردي، ومن الأسباب الأخرى أن القوى السياسية الحاكمة لأجزاء كردستان كانت تمارس أشد وأشرس وأقسى أنواع الظلم والتهميش والصهر بدءاً من التاريخ والتراث وانتهاءً بالفن.
ما قيمة ما يكتبه المؤرخ ذو النظرة “المؤدلجة” ولماذا الخروج من الحقيقة التاريخية؟
هذا الموقف أو هذه النظرة تدخل ضمن صفات المؤرخ المؤدلج، وبالتالي لا يمكن أن تتسم كتابات هؤلاء بالموضوعية لأنها غير مدعومة بالمصادر اللازمة والمعايير المعينة المهنية، ودون أن تعبّر عن الحقيقة التاريخية لأنها تحت تأثير مذهبي أو عقائدي أو سياسي فلا قيمة تاريخية لها، ولا صوت يعلو فوق صوت حقيقة اللقى والشواهد الأثرية فهي الدليل القاطع والجازم على صحة إنجازات حضارات هذه الشعوب.
يا ترى ما أهم فترة زمنية لتاريخ تواجد الكُرد؟
بداية قبل ظهور الحضارات المعروفة ما بعد التاريخ أو ما بعد سومر، فقد كان هناك ثقافات في المنطقة كثقافة تل حلف وحسونة وغيرها فقد ذكر الكثير من المؤرخين إن من قام بتأسيس هذه الثقافات هم من سكان زاغروس وسوبارتو والأرجح سوبارتيون. إذن نستطيع القول إن الشعوب الزاغروسية ومنهم الكُرد قد بدأوا ببناء المعالم الأولى للاستقرار البشري في الشرق القديم وكان من أهم إنجازات الشعوب الزاغروسية والسوبارتية بناء المعابد الأولى قبل حوالي عشرة آلاف عام في خراب رشكي وكوبلكي تبه التابعة لولاية أورفه في باكور كردستان ومن ثم في بداية الألف الثالث ق. م ونهاية الألف الرابع بدأت ملامح الحضارة تتوضح بعد اختراع سومر للكتابة، ومن ثمّ ظهر على مسرح التاريخ شعوب زاغروسية تُعدُّ من الأجداد الأوائل للكرد وهم “كاش، كوت، ميتان، هوريين، ميديين…” وغيرهم.
نعود إلى أهم مشاريعكم المستقبلية في ميدان البحث التاريخي؟
مشاريعي ما هي إلا محاولات متواضعة في إعادة صياغة تاريخ المنطقة بشكل عام، وشمال ميزوبوتاميا بشكل خاص، وبشكل علمي وموضوعي تاريخي وممنهج بطريقة أكاديمية، وتحت عنوان التاريخ بين الحقيقة والإنكار، فالتاريخ حالة أخلاقية وجدانية نعيشها بكل تفاصيلها فلا يمكن تجريد أي شخص أو أي مجموعة بشرية من تأثيرات التاريخ لذلك علينا أن نخلق البنية الأساسية لدراسة التاريخ بشكل أكاديمي، ولدي مخطوطات متواضعة في دراسة التاريخ وخاصة الفترة البرونزية من تاريخ المنطقة أي من منتصف الألف الثالث إلى بداية الألف الأول ق. م.
لماذا اخترت الفترة البرونزية دون غيرها من الفترات؟
لأن الفترة البرونزية والحديدية هما من أصدق الفترات من حيث الدراسة والبحث، كونهما تعتمدان على الُلقى الأثرية، وفي الفترات اللاحقة تدخلت واختلطت أقلام المؤرخين والجغرافيين من الإغريق، وغيرهم وحتى الفترة الإسلامية.
كلمتكم الأخيرة ماذا تقولون فيها؟
إن حضارات المنطقة هي جهد جماعي إنساني لكل الشعوب من كرد وعرب وسريان وآشور وكلدان وإيزيديين وغيرهم، ولا يمكن التعتيم على إنجازات هذه الشعوب وهناك جهود للباحثين الموضوعين والأكاديميين بإعادة صياغة وقراءة وتصحيح تاريخ المنطقة ووضع حد لجشع التجار وناهبي التاريخ وكفى للعنصرية الثقافية.[1]