إعداد/ هايستان أحمد [1]
لكل مدينة رمز من رموز تاريخها تشتهر بها وتتميز به عن باقي البلدان الأخرى، ولا أحد يدرك عناوين صفحات تاريخها إلا من مر في أزقة شوارعها وألتمس طبيعة وثقافة تلك المنطقة، وعبر التاريخ عرفت مدينة حلب السورية بإرثها وتاريخها العريق منذ آلاف السنين، وإلى جانب تاريخها وحضارتها القديمة كانت مدينة حلب القلب النابض للتجارة السورية واقتصادها المتين، وازدهرت بإنتاج صناعات مختلفة قديمة وحديثة ومختلفة، ولكن عند ذكر مدينة الشهباء نشعر برائحة صابون الغار الذي كان أكثر الحِرف قدماً وانتقلت عبر الأجيال وارتبطت بتراثها.
يُعرف صابون الغار أنّه من أقدم أنواع الصابون حيث يعود إلى ما قبل ألفي سنة قبل الميلاد، وتاريخ صنع هذا الصابون يرتبط بحلب ارتباطاً وثيقاً، واستعملت منذ القدم حول العالم، والذي يتميز بكونه من أنقى أنواع الصابون التي صنعها الإنسان، والمكون من عناصر طبيعيةٍ بحتة، حيث يتكون من زيت الزيتون وزيت ورق الغار، وهيدروكسيد الصوديوم والماء، وقد يتمّ أحياناً إضافة مكوّناتٍ طبيعيةٍ أخرى مثل العسل وبعض الزيوت الأساسية النقية وأملاح البحر الميت وبعض الزيوت العضوية والصلصال الأحمر، وعادةً يشكل زيت الزيتون نسبة أكثر من المكوّنات الأخرى في الصابون، وتشتهر حلب بصابون الغار والذي يتميز عن غيره بالمحافظة على طريقة صناعته التقليدية الشبه يدوية.
محاولة تقليد صناعة الصابون
ويُقال أن الرومان استخدموا الصابون الغار وكذلك الفينيقيون والغرب الأوروبي، وكانت ملكة مصر كليوباترا والملكة زنوبيا في وسوريا حريصتين على اقتناء صابون الغار، ولم يكن باستطاعة عامة الناس شرائه بسبب ارتفاع سعره آنذاك، وقام الأوروبيون بتقليد صناعته وأنتجت فرنسا صابوناً مشابهاً له سموه بصابون «مرسيليا»، ولكنه لم يكن بجودة الصابون الغار، ولعل سبب تفرد حلب بهذه الصناعة عن غيرها من المدن هو توفر أشجار الزيتون والغار بكثرة، فزيتهما هما المكونان الأساسيان للصابون، فضلاً عن ملائمة الظروف المناخية للإنتاج هناك، وتكاد لا تخلو بيوت سوريا بكل مناطقها من هذا الصابون بسبب ميل الناس إليه كثيراً، ولم يكن الصابون الغار فقط مجرد ثقافة يتمسك به أهله لقيمته التراثية وفوائده الطبيعية، بل تعتبر حِرفة تُشغل عدداً كبيراً من الأيادي العاملة سواء في المعامل التقليدية الصغيرة أو المعامل الكبيرة.
طقوس صناعة الصابون
في فصل الشتاء تبدأ صناعة الصابون الحلبي «الغار»، من بداية شهر كانون الأول لغاية شهر نيسان، وتتوقف في فصل الصيف.
يُغلي مزيج الصابون ليصل إلى درجة غليان معينة، ومن ثم يُضخ على أرضية مستوية، ويحتاج من ستة إلى تسعة أشهر حتى يجف الخليط وتصبح الألواح قاسية وجاهزة للتقطيع على شكل مكعبات، وأخيراً يتم ختم اسم المصنع على كل قطعة، وفي بعض الأحيان يحمل الختم صورة قلعة حلب، ليصبح جاهزاً للاستخدام ولو مضى على عمر تصنيعه سنوات عديدة، إذ تبقى محافظة على جودتها ورائحتها العبقة، ويكون الصابون باللون الأخضر المائل إلى الزيتي من الداخل، وله فوائد كثيرة للإنسان وصحة الجلد، وتجدر الإشارة إلى اهتمام باقي دول العالم باستخدام صابون الغار لرائحته الفريدة التي تجذب كل الأذواق، وانتقل الصابون الحلبي إلى العالم كله، وتطلق عليه تسميات عدة.