عبدالرحمن محمد [1]
رجال الحقيقة وفرسان الكلمة لا يموتون، بل يسجلون أسماءهم في قلوب الشعوب ويخلدونها في تاريخ الأمم، وكذلك كان الشيخ الشهيد محمد معشوق الخزنوي، الذي أبى إلا أن يصرخ في وجه الظلم والاستبداد فكانت يد الغدر والخديعة سباقة إليه لكنها بدل أن تحجب نور الحقيقة وتسكت الصوت الصارخ في وجهها، حولته إلى منبر للكلمة ونوراً يهتدى به.
ولد الشيخ الشهيد في في25 كانون الأول 1958م في تل معروف جنوب شرق قامشلو30 كم، تلقى علومه الدينية في المعهد الشرعي في تل معروف، وأنهى الدراسة الثانوية عام 1977م، وكان من أوائل الطلاب المتخرجين في معهد الأمينية بدمشق عام 1978م. أوفد إلى الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة وحصل على درجة الليسانس فيها عام 1984م وعلى ماجستير في الدراسات الإسلامية عام 2001م من كلية الإمام الأوزاعي بلبنان، ونال درجة الدكتوراة في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية بكراتشي بباكستان.
درّس الشيخ في المعهد الشرعي بتل معروف مدة اثنتي عشرة سنة بين عامي /1977 و 1989م/ وغادر إلى إدلب بعد بعض الخلافات حول طرائق ومناهج التعليم في المعهد، وعاد إلى قامشلو بعد وفاة والده عام 1992م.
عرف عن الشيخ الشهيد اعتداله، ونقده الشديد للتطرف وانكار الآخر، وفي نقاشاته وطروحاته الدينية والعلمية كان واسع المعرفة عميق التجربة، وكان يروم تنقية الدين مما علق به من عادات وبدع لا تمت إلى الدين الحنيف، وكان رافضاً لتسيس الدين، ومحارباً لاغتصاب حقوق القوميات داعياً لإعطاء الحرية للمجتمع وإشراكه في العملية السياسية السلمية بعيداً عن القمع والظلم الذي اعتادت الدولة بواسطة أجهزتها الأمنية على ممارسته، وكان من الشخصيات البارزة في عامي 2004-2005 الداعين إلى منح الكرد حقوقهم وإتاحة أجواء أوسع من الديمقراطية والحرية بعيداً عن الاستبداد والتمنن على القوميات بما هو حق طبيعي لها، وقولته الخالدة في ذلك معروفة “إن الحقوق لا يتصدق بها أحداً إنما الحقوق تؤخذ غلاباً”.
لم يرق للكثيرين وبخاصة من كانوا في دهاليز النظام القمعي ما كان ينادي به الشيخ الشهيد، فكان القرار بالتخلص منه، ودارت فصول مسرحية فاشلة في أروقة النظام كعادته، فاعتقل الشيخ في العاشر من أيار عام2005م. ومارست معه أساليب وحشية في سبيل ثنيه عن دعوته ومطالبته بأجواء من المساواة والحرية، وكنتيجة للتعذيب الوحشي وبعد تمثيليات فاشلة، بين سجن صيدنايا وفروع الأمن المختلفة، كان الشهيد ممن ارتقوا إلى مراتب القديسين والشهداء الخالدين يوم 13-5-2005م. وأعلن عن استشهاده وتشييعه في مظاهرات هزت الوجدان وشوارع قامشلو يوم 1-6-2005م.
ترك الشيخ الشهيد الكثير من الآراء الحرة والمواقف النبيلة والصادقة، وفي يوم وداعة كانت صرخات الجماهير ورفضها خير رسالة للنظام القمعي بالرفض والمقاومة، أوصلت صداها للعشرات من المنظمات الإنسانية والحقوقية العالمية.