عبدالوهاب بيرو بيراني [1]
القرية بعالمها الريفي وبمجمل تركيبها المكاني والتي لا تأخذ من جغرافية المكان، إلا بضع كيلومترات مربعة، إلا أنها بذاكرتها الجمعية وبمستوياتها النفسية تأخذ أبعاداً مكانية، ترتبط بأحداث وقصص لها أهميتها التوثيقية.. كما أن الشعر لا يتعاطى مع القرية أو المكان من وجهة نظر أو مستوى مادي أو اقتصادي أو هندسي وإنما الشعر يعبر فضاءات القرية مع عصافيرها ويتفاعل مع فراشاتها وأشجارها ويتغلغل في مسامات طينها وحجارتها ويشخصها المرأة أو روح لها نبض ولسان وتحمل من صفات البشر ما يمكن للشاعر أن يقنعنا بها عبر تركيب شعري مستخدماً المستويات اللفظية والدلالية بعمق تصويري وهسهسة موسيقية داخلية ثرية، وهذا ما فعله الشاعر “هوزان كوركندي” عبر مجموعته الشعرية الخامسة، والصادرة باللغة الكردية عن اتحاد الكتاب الكرد بسوريا، بعنوان لوحات من قريتي.
يمكننا القول أن هوزان بقي مخلصاً لعالمه الشعري، ومملكة الشعر وعبر خمسة إصدارات منذ أكثر من عقدين من الزمن فهو رغم قربه من تخوم حقول أخرى من الأدب إلا أنه أصر على كتابة الشعر دون غيره، حمل هموم القصيدة وهواجس الشعر باحثاً عن الأمل في عتمة الواقع الكردي بدءاً من تخوم قريته وأشجارها وعصافيرها وعشبها الندي متعمقا بدواخل نفسه وشخوص قريته.. بحيث تصبح قريته كامل الوطن.. ولا سيما أن قرانا المتناثرة فوق أرض الله الواسعة متشابهة بكل تفاصيلها ودقائقها.. فهو لم يغفل عن الحب ولم ينس المرأة ولا ليالي السمر هناك.. ثمة حنين وشوق وإسقاط على ما تشهده المنطقة وما عانت خلال السنوات التي مضت وحملت الكثير من الجراح والآلام فيكتب قصيدته عن الفرح وعن السعادة رغم كل الألم والتعاسة المريرة لهذا الزمن الصعب وهذه هي رسالة الشعر إلى العالم و إلى المتلقي..
لوحات جميلة زرعها الشاعر بحسه الشعري في حديقة الأدب الكردي والتي تعتبر إضافة حقيقية لمجمل أعماله الشعرية السابقة وإضافة للنتاج الأدبي الكردي الذي شهد في السنوات الأخيرة تراجعاُ في مستويات الإبداع والتأليف والنشر.. بل وعلى مستوى عد القراء ولا سيما مع توفر صفحات النشر المجانية عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي أصبحت بحاجة للوقوف عندها ودراسة هذه الظاهرة نقدياً ومن جميع جوانبها..
لوحات جميلة من قريتي.. من قرية كوركند التي اتخذ الشاعر هوزان من اسمها لقباً شعرياً له للحب والوفاء وللانتماء الذي يكنه للقرية التي هي الوطن كله.. في زمن الغربة والتغرب والهجرة والتهجير..