عبد الرحمن محمد [1]
عندما يتوفر الدافع والطموح إلى التميز، والإرادة الصادقة بضرورة الوصول إلى مستوى من العلم والمعرفة، فلا بد أن يتحقق ذلك وإن طال الانتظار لبعض الوقت، وفي إقليم الجزيرة مواهب وقامات أدبية لمعت اسماؤها والكثير من الأسماء باتت تخط طريقه نحو ساحات الأدب بتأني وخطى واثقة.
الشاب جوان زكي سلو من إقليم الجزيرة مواليد قامشلو 1982، تخرّج من معهد إعداد المدرسين قسم اللغة العربية سنة 2001، وعضو مركز “شوبدارن روجية” للثقافة، يكتب القصة القصيرة وطبعت له عدة مجموعات قصصية ” سحابة عطر، حفنة من تراب شنكال، صباح بلون الذكريات” ورواية بعنوان: تكوشين، صادرة عن دار أسكرايب في مصر، يكتب في عدد من المجلات والصحف العربية وحاصل على عدة جوائز محلية وعربية.
“القطة والإنترنت”
بتبجّحٍ، يمشي الهوينى، متبختراً بفروته الناعمة، ذات اللون الأبيض والأصفر، يموء، يقفز، يخرّ، يحرّك ذيله في تفاخر، وهو يسير ببطء نحو أنثاه، التي تتمدد على الجدار الفاصل، بين بيتنا وبيت جارنا، هناك كانا يموءان معاً، تبرق أعينهما العسليتان، في نشوة مائعة، فشباط لم ينتهِ، حتى ولو أصبحنا في حزيران.
يرفع قائميه بتواتر مُحبّب، يمسّد بإحداها على رأسها، ويقترب، لامسها بشاربيه، قابلته بالمثل، كانا يتحابان بعشقٍ، على سلك أصفر، يمتد على طول الجدار، ينتهي بعلبة الراوتر الرمادية، هناك، كان ودّهما يضغط على آلاف الاتصالات، والذبذبات الإلكترونية، التي مرتّ وتمرّ كل ثانية في هذا السلك، لا يدريان أنهما جعلا كل شيء يجري بسخونة داخل السلك، حتى تلك العواطف الباردة، بين القلوب المهاجرة، والآباء المقهورة، لقد تركا كل شيءٍ يموج في بعض، كبحر يغمر الشاطئ بزبدها، لقد أصبح الكلُّ واحداً، وتساوى الجبل بالوادي، الصرخات مع الصمت والقهقهات مع العويل.
هناك لم تبقَ للحقيقة قيمة، وللخيانة وزن، وللصدق أُذن، وللنميمة حدود، واختلطت الأديان معا، في زوبعة من الفوضى الخلاقة، هنا تجد الإمام يسجد في كنيسة، والقس يرتل في جامع، والحاخام يصلّي تحت الصليب، وكل المذاقات باتتْ واحدة، فلا فرق بين مالحٍ وحامض، وحلوٍ وحاذق، واللغات تحولت إلى إشارات بلا مشاعر، مثلما تبدلت الوجوه برموز الإيموجي الخبيثة، هناك، كانت الحيوات تنتهي، حين يرفع الأموات رؤوسهم من تحت التراب، آلاف المقاطع المصورة، امتزجت في عاصفة من الصور المتلاحقة، ساخنة تارة، وباهتة تارة أخرى، حيث تغوص كلها في شذوذ من ملذاتٍ شبقة لا تنتهي.
قطٌّ أسود آخر، يتجرّأ عليهما، أراد أن يغزو مخدع متعتهما تلك، يخطو نحوهما في تكبّر مبالغ فيه، اشرأبّت نحوه الأعين الماجنة، نهضتْ من تحته تموء، تخرّ بميوعة، تهرب من معركة وشيكة، بين المتنافسيَن العاشقيَن، هجم الغازي على العاشق، دافع الآخر عن عرينه، صعدتْ الصرخات من خلف الحناجر، اشتبكت المخالب، حتى انغرزتْ في كرات الفرو الحانقة، لحظات قليلة، وهربَ الأسود، يجري خلفه الأشقر، ابتعدا، بعد أن خلّفا دماراً في علبة الراوتر الرمادية، فما إن بدأت معركة البقاء للأقوى، والسيطرة على إناث الشارع البغيض، حتى سقط الراوتر ضحية حبّ ورغبات عارمة لشهوات عابرة، عندما علقَ سلك الراوتر بقائم أحدهما لحظة فرار مؤلمة، حينها، أسوّد كل شيء في عالمي، وظهرتْ جملة على شاشة هاتفي: فُقد الاتصال بالإنترنت.