للكاتب حسين حج (ممو سيدا) [1]
الكاتب : ديتر كريستنسن
(ألمانيا / الولايات المتحدة الأمريكية)
ترجمة وتعقيب: حسين حج
مقدمة المترجم :
أولاً : أتقدم بالشكر الجزيل إلى كلٍ من السيد سدات كاراكوچ الذي تحمّل مشقة البحث عن هذه المادة في مكاتب باكو/أذربيجان و إرسالها إلي ، و إلى العزيز محمد إبراهيم الذي كان صلة الوصل مع السيد سدات. كذلك أدين بالشكر لأستاذتي نيلگون دوغروسوز و زميلي ظافر أوزگلن على تزويدي بمصادر عن” مقام كردي” (الكرد) . كما اعبّر عن امتناني للصديق محسن سيدا على اهتمامه بترجمة هذه الورقة وحثي على إضافة مقدمة تعريفية لها و تعقيبها باستنتاجي الخاص.
ثانياً : هذه الورقة عبارة عن محاضرة قدمها الباحث الموسيقي الألماني ديتر كريستنسن (1932 – 2017) في ندوة “فضاء المقام” الموسيقية العالمية عام 2009 في باكو عاصمة أذربيجان. يعتبر كريستنسن أحد تلامذة الباحث الموسيقي الألماني كوورت راينهارد (1914 – 1979) الذي كان متخصصاً في البحث الموسيقي في تركيا ( المناطق الكردية ضمناً). سيراً على خطى راينهارد ، بدأ كريستنسن منذ خمسينيات القرن الماضي العمل في أبحاث ميدانية في تركيا ، في ولاية هكاري تحديداً. كما أنه بحث الموسيقى الكردية في كردستان إيران أيضاً. إلى جانب الموسيقى عند الكرد ، عمل كريستنسن أبحاثاً في موسيقى بعض دول البلقان و كذلك الموسيقى العربية (في سلطنة عُمان بالتحديد). قبل وفاته بسبع سنوات تقاعد و عاد من الولايات المتحدة (جامعة كولومبيا في نيويورك) و استقر في بلده ألمانيا لاستكمال أبحاثه الموسيقية بين الجالية الكردية في ألمانيا. على الرغم من ملاحظاتي الشخصية حول أبحاثه في افتقارها إلى التعمق و الإسهاب ، حيث أنها لا تتعدى مقالات صغيرة و أوراق محاضرات ، إلا أنها تظل مواد قيمة للبحث والاستفادة. و لكي أكون منصفاً و غير جائر في حكمي ، هناك أمر ربما علينا وضعه في الحسبان ألا وهو الخطر المحدق بأي بحث ميداني متعلق بالكرد سواء في تركيا أو في إيران في تلك الفترة ، حتى و لو كان فنياً موسيقياً. و علينا أيضاً أن لا ننسى بأنه أغنى البحث في الموسيقى الكردية بمواضيع هامة من قبيل : علاقة الموسيقى الكردية بالهوية الكردية ؛ الموسيقى الكردية ما بين الريف و المدينة ؛ بحث ميداني في احتفالية نوروز في ألمانيا يقارن فيها ما بين الموسيقى الكردية في الوطن قبل خمسين عام و في الوقت الحالي (2007) في المهجر. و أكثرها لفتاً للانتباه ، من وجهة نظري الشخصية ، المحاضرة التي نحن بصدد قراءتها.
أخيراً و ليس آخراً : عندما قرأت له أول مرة في عام 2015 سارعت إلى البحث عن كتاباته في الإنترنت. وقعت عيني على عنوان هذه المحاضرة التي بين أيدينا. لفت نظري تطرقه إلى موضوع علاقة الكرد بمقام الكرد. و لأن الأمر عينه كان يشغلني منذ سنوات طويلة حاولت الحصول على هذه المقالة وبدأت رحلة البحث إلى أن حالفني الحظ في الوصول إليها قبل سنة و نصف تقريباً. يعرض كريستنسن في هذه الورقة أفكاره و فرضياته حول العلاقة ما بين الشعب الكردي و اسم مقام الكرد. سنقوم بقراءتها و من ثم البناء عليها في تعقيب أو ربما يمكننا أن نسميه استنتاج و استكمال لما بدأه ديتر كريستنسن في بحثه.
لا يتوفر وصف.
ديتر كريستين في هكاري من موقع Osnabrücker Zeitung
محاضرة الكاتب ديتر كريستنسن (مترجمة من اللغة الإنكليزية إلى العربية):
في اجتماع أكاديمي في اسطنبول في ديسمبر (كانون الأول) 2008 ، طرح أحدهم هذا السؤال البسيط: ما علاقة الكرد بمقام كردي [الكرد][2]؟
يذهب كل من الخطاب العام و أدبيات الميوزيكولوجي [علم الموسيقى][3] إلى الاعتقاد بأن لهذا المقام خصائص موسيقية كردية ، أو حتى بأنه يمثل كيفية صنع الكرد للموسيقى. في هذا المقال الموجز ، أود اختبار هذه المسألة بالاعتماد على المادة التجريبية في الدرجة الأولى ، التسجيلات غير التجارية للموسيقى الكردية ، أي التسجيلات الميدانية التي قمت أنا وزوجتي ، نيرثوس كريستنسن ، بتسجيلها في كردستان التركية والإيرانية في أعوام 1950 و 1960.
تعتبر نظرية وممارسة [علم] المقام ، المفهومة على نطاق واسع و من ضمنها المُغام [في أذربيجان] و تراكيب الدستگاه [في إيران] والاختلافات الإقليمية ، تراثاً مشتركاً للحضارات المدنية في غرب آسيا – من إيران وأذربيجان إلى بلاد ما بين النهرين و إلى البوسفور و كذلك إلى دول شرق و جنوب البحر الأبيض المتوسط. كلهم يملكون مقاماً يسمى بال “كردي” أو ال “كرد”. كما أنه ثمة مقامات أخرى مشتقة من أسماء الشعوب ، “العجم” على سبيل المثال ؛ أو من أسماء البلدان ، كما في مثالي “العراق” و “الحجاز” ؛ أو من الأماكن و الدرجات النغمية.
ما يميز [مقام] الكرد ، على حد علمنا من المصادر المكتوبة ، هو مركزية رباعي [جنس] ال دو – سي بيمول – لا بيمول – صول في سير لحني هابط[4]. إنه ليس أسلوباً صوتياً أو آلياً معيناً للأداء أو إيقاعياً ، بل إنه هذا الهيكل المعين للأبعاد النغمية.
يحاول هذا العرض المقتضب استكشاف ما إذا كانت هناك بالفعل علاقة بين الخصائص البنيوية الموسيقية لمقام الكرد و التقاليد الموسيقية لل “كرد”.
من أين نشأت التسمية؟
حتى يومنا هذا ، لم يهتم الموسيقيون الكرد في كردستان بصياغة نظريات للأنساق الموسيقية مثل المقامات.
هناك نظريات شفهية واسعة – وصفية ومعيارية – في تسمية القوالب والأنواع الموسيقية والجوانب الأخرى للمفاهيم و الأساليب المتعلقة بالأداء ، ولكن لا توجد مفاهيم محددة للأبعاد أو الموازين أو الأنساق أو المقامات ، باستثناء ما تم اعتماده مؤخرًا. قد يكون لهذا علاقة بحقيقة أن التقاليد الموسيقية الكردية صوتية [غنائية] في الأساس وليست آلية ، على الرغم من أن الآلات الموسيقية مهمة لبعض المجموعات الكردية – الباغلمه للعلويين الكرد ، الطنبور ل أهل الحق. لذلك يمكننا أن نستنتج أن فكرة مقام الكرد لم تنشأ بين الكرد ، بل في مكان آخر.
السياق الأكثر ترجيحًا هو البلاط العثماني حيث ظهرت تسمية “مقام كردي” في وقت مبكر من القرن السابع عشر.
في الفترات التاريخية ذات الصلة باعتباراتنا ، على سبيل المثال منذ القرن السادس عشر ، عاش الأشخاص الذين تم تحديد هويتهم أو عرّفوا أنفسهم على أنهم “كرد” في منطقة مجاورة تشمل شرق الأناضول ، وشمال العراق في الغالب شرق نهر الفرات شمال بغداد ، وفي غرب إيران من بحيرة أورميا جنوباً إلى كرمنشاه. هناك أيضاً مقاطعات منعزلة في خراسان والقوقاز[5]. عاش الكرد ولا يزالون يعيشون في الغالب في المناطق الريفية. الاختلافات البارزة في اللغة / اللهجة ، الدين – باختصار ، الثقافة بين المجموعات الكردية في المناطق المختلفة التي نصادفها اليوم تعود على الأرجح إلى قرون خلت.
لا تزال معرفتنا بالموسيقى الكردية مجزأة. وهي مستمدة في الغالب من الدراسات الفولكلورية في الاتحاد السوفيتي السابق بين الكرد في القوقاز[6] ، ومن الأبحاث الأثنوميوزيكولوجية [علم موسيقى الشعوب/الأعراق] الريفية التي أجريت منذ خمسينيات القرن الماضي في شرق طوروس (تركيا) وجبال زاغروس[7] وخراسان (إيران)[8] من قبل باحثين غربيين ، وفي إيران من قبل باحثين إيرانيين ، ولكن هناك ما يكفي لمعالجة مشكلتنا. لذا فإن السؤال التالي هو: من هم الكرد الذين قد تشير إليهم هذه التسمية [مقام الكرد]؟ وأي من تقاليدهم الموسيقية – الأنواع – ربما اقترحت التسمية؟
البلاط العثماني ، حيث نفترضه مكان تسمية مقام الكرد لأول مرة ، جذب الموسيقيين إلى اسطنبول (أو أدرنة) من جميع أنحاء الإمبراطورية ، و كذلك من إيران و أماكن أخرى أيضاً. كما أوضح والتر فلدمان (1996: 53) ، كان هناك عدد كبير من الموسيقيين من شرق الأناضول الكردي – و خاصةً ، من ديار بكر و بدليس و أورفا و ماردين في البلاط العثماني. في يومنا هذا ، لا يوجد موسيقيون كرد محترفون في المجتمعات الريفية في شرق الأناضول – هناك موسيقيون محترفون يسمّون بال مِتِرْب (من مطرب العربية = الشخص الذي يُحْدث الطرب) ، لكن هؤلاء ليسوا كرداً بل غجر. هناك كرد يحظون بتقدير كبير لمهاراتهم الموسيقية كرواة ومغنين لأغاني ملحمية وكشعراء ، لكن هؤلاء ليسوا “موسيقيين محترفين” ، فهم لا يطلبون أو يقبلون أجرًا لقاء عملهم ، لكن قد يقبلون ب “أردية فخرية” أو هدايا من الحكام و رؤساء القبائل. يتم دعوة هؤلاء إلى الغناء عندما يكون هناك احتفاء بضيوف معتبرين. أرتأي أن هؤلاء – المعروفين بال دنگبيژ أو ال شاعر – هم الذين يعتبرهم غير الكرد ممثلين للموسيقى الكردية ، و لديهم الاستعداد لقبول الدعوات من المراكز الأعلى[9]. يتمتع فن ال دنگبيژ [دنگبيژي] بالكثير من الاستمرارية – و هو افتراض آخر – و يمكننا أن نتوقع بأن ما يبدو “نموذجياً” للغناء الملحمي الكردي سيظل جزءاً كبيراً على الأقل من التقاليد [الموسيقية] الريفية على مدى قرون ما لم يتعرض لتأثيرات خارجية. يشترك الدراويش الريفيون ، بشكل جزئي ، مع مخزون ال دنگبيژ [الغنائي].
تخبرنا مصادر القرن السابع عشر أن الكرد في نظرية الموسيقى العثمانية كان يشير إلى المقامات الرئيسية و الفرعية[10] ب رباعي [جنس] دو – سي بيمول – لا بيمول – صول ، في سير لحني تنازلي. هل هناك احتمال بأنه خضع لتغييرات جوهرية في الأداء الحضري/المدني للمقام؟ لحسن الحظ ، هناك مصادر مكتوبة تظهر أن هيكل الأبعاد بقي على حاله بشكل أساسي. لذلك ليس لدينا إلا أن نبحث عن الأمر في التقاليد الموسيقية الكردية.
من مجموعتي التي تقارب على 420 تسجيلًا ميدانيًا للموسيقى الكردية الريفية ، المنجزة بين عامي 1957 و 1965 ، قمت بتدوين موسيقى الأغاني الملحمية التي يؤديها دنگبيژ مميزين في هكاري (جنوب شرق تركيا) ومُكريان (شمال غرب إيران). يتبع هؤلاء المغنون الطريقة التقليدية للأداء من دون الآلات الموسيقية – لا طنبور ولا ساز – والدرويش فقط يغني مع آلة إيقاعية (عربانة أو دائرة). من المقامات المدونة ، يظهر أقل من 10٪ بنية أبعاد مقام الكرد. لا تستخدم أغاني الرقص الكردي وأغاني الزفاف التقليدية في منطقة هكاري في تركيا مقامات شبيهة بمقام الكرد[11].
[12] أمثلة موسيقية (مقامات ، [من] التسجيلات)
لا يتوفر وصف.
المدرج الأول يظهر جنس/رباعي مقام الكرد كما ذكره الكاتب في موضعين من بحثه. المدرج الثاني و الثالث يظهران أمثلة تحمل نفس أبعاد مقام الكرد من تسجيلات مدونة من قبل الباحث نفسه : الأولى من كردستان إيران و الثانية من هكاري. [المترجم]
هل تم اشتقاق توصيف كردي [مقام الكرد] من شيء آخر غير الأبعاد النغمية في بنية الموسيقى الكردية ؟ هل هناك احتمال بأن غناء موسيقي معين أدى إلى ظهور التسمية ؟ هل تغيرت الموسيقى الريفية الكردية بشكل جذري منذ القرن السابع عشر ؟ مهما كان الأمر ، فإن الغناء الريفي الكردي في القرن العشرين لا يتوافق مع نمط مقام الكرد سواء في أنواع السرد [الغناء السردي] الديني أو الدنيوي ، ولا في أنواع الرقص أو الطقوس [التقاليد/المراسيم].
تعقيب المترجم:
لم يعطنا كريستنسن الجواب الشافي عن سؤاله المطروح “من أين جاء الكردي (مقام الكرد) و ما علاقته بالكرد (الشعب الكردي) ؟”. لكن مما لاشك فيه بأنه أعطانا معلومات مفيدة و مراجع يمكن أن نبدأ من عندها. في معرض محاضرته ، يقارب كريستنسن ما بين كلمتي “العجم” كمقام و اسم شعب و “الكرد” أيضاً كمقام و اسم شعب ، ربما كردٍ على بعض الفرضيات التي تذهب بأن لا علاقة لكلمة “الكرد” كمقام (كردي مقام) بالكرد كشعب. أنا أيضاً قوبلت بنفس الرد أكثر من مرة لدى سؤالي لبعض المتخصصين في تركيا “هل لمقام كردي علاقة بالكرد ؟” كانت الإجابات دائماً من قبيل : “تسمية كردي لا تعني بالضرورة دلالة على الشعب الكردي. ربما الكلمة تدل على شيء آخر ، أو كانت كلمة أخرى تم تحريفها مع مرور الوقت إلى أن أصبحت ’كُردي‘.” قياساً على النظرية التي تقول بأن مقام “بوسليك” أصله من “أبو سليك” ؛ مقام “ماهور” أصله “ماخور”. و لكن ما الضير إذا كان مقام “كردي/كرد” نسبة إلى الكرد (أسوةً بالعجم ، كما ذكر كريستنسن) ؟
يوجهنا كريستنسن إلى نقطتين نقوم بالبحث من عندهما : بأن التسمية جاءت من “الآخر” و ليس الكرد أنفسهم هم من أطلقوا هذه التسمية/هذا المصطلح. أما النقطة الثانية : يقول بأن تسمية “مقام كردي” خرجت من البلاط العثماني في وقت مبكر من القرن السابع عشر ، حيث يعقبها ،عطفاً على كتاب وولتر فلدمان ، بحقيقة وجود موسيقيين كرد من ديار بكر و أورفا و بدليس و ماردين في البلاط العثماني. يرجح كريستنسن فكرة أنها ربما كانت النغمة الفارقة في موسيقى هؤلاء الموسيقيين الكرد في البلاط.
في كتابه “المقامات في الموسيقى التركية” ، يذكر يعقوب فكرت كوتلوغ بأن مقام كردي كان بالأساس يسمى ب “أبو سليك” أو “أبي سليك”. و تغير إلى “كردي” في عهد لاديكلي محمد جلبي (2000 ، ص : 160). إذا أخذنا تاريخ أعمال جلبي المكتوبة في ثمانينيات القرن الخامس عشر بعين الإعتبار يمكننا القول بأن ظهور مصطلح/اسم مقام الكرد/كردي يسبق التاريخ الذي يذكره كريستنسن بأكثر من قرن. علاوةً على ذلك ، من ضمن الأعمال الموسيقية التي وثقها ديميتري كانتمير (1673 – 1723) في “كتاب علم الموسيقي على وجه الحروفات” هناك تأليف موسيقي في قالب الپشرڤ باسم “پشرڤ كردي” لمؤلفه الشهزاده كوركوت ابن السلطان بيازيد الثاني (تورا ، 2000 : ص. 672). كما نعلم من كتب التاريخ فإن كوركوت قتل على يد أخيه الأصغر سليم الأول في عام 1513 ، و هذا التاريخ يتوافق تقريباً مع ما ذكره كوتلوغ سابقاً. أما بالنسبة ل “پشرڤ كردي” ، يعلق رؤوف يكتا بيك (1871 – 1935) على مقامها في كتابه “الموسيقى التركية” (1922) كالتالي : “هذا المقام لا يختلف عن مقام الحسيني بشيء. و لكن لأن الكرد يستخدمونه كثيراً ، فقد قلّدوا شكلهم الفريد [الأسلوب الخاص بالكرد] و أطلقوا عليه اسم كردي” (يكتا [الترجمة من الفرنسية إلى التركية أورهان نصوح أوغلو] ، 1986 : ص. 51). مثال آخر من وقت أقرب إلينا ، بالتحديد في نهايات القرن التاسع عشر و بدايات القرن العشرين: في تسجيل لجميل بيك الطنبوري (1872 – 1916) على آلة الطنبور العثمانية تحت اسم “كردي تقسيم” ، جميل بيك لا يعزف المقام المعروف حالياً باسم الكرد/كردي ، بل يعزف مقام الحسيني (بيات حسيني ، و تسمى بالحسيني لمركزية نغمة الحسيني في المقام [’مي‘ في الموسيقى التركية العثمانية/’لا‘ في الموسيقى العربية). هذان المثالان يؤكدان تغير مقام الكرد/كردي بين الماضي و الحاضر ، و هذا الأمر يدحض ما قاله كريستنسن بأنه “هناك مصادر مكتوبة تظهر أن هيكل الأبعاد [في مقام الكرد] بقي على حاله بشكل أساسي.” هذا الأمر صحيح فقط إذا اعتمدنا البوسليك و الكردي نفس المقام حسب ما يذهب كوتلوغ. و لكن عند الرجوع إلى المصادر المكتوبة و المسجلة عن مقام الكرد/كردي نجده مقامين مختلفين. أي أن مقام الكرد/كردي الذي نعرفه الآن ليس نفسه مقام الكرد/كردي الذي تتضمنه أدبيات الموسيقى العثمانية من القرن الخامس عشر حتى بداية القرن العشرين. و هذا يعني بأن معلومة كوتلوغ أيضاً غير صحيحة ضمن شكل المقام في سياق القرن الخامس عشر ، و لكنها صحيحة من جهة أن هكذا مقام كان موجوداً في تلك الفترة.
نتيجة لذلك يمكننا القول بأنه لو بحث كريستنسن عن مقام الكرد ضمن تسجيلاته بنيّة مقام الحسيني الحالي (و العكس صحيح) لوجد الكثير. لا يمكنني أن أعطي نسبة من دون دراسة و لكن يمكنني القول بأن مقام الحسيني ذو النكهة الكردية يشغل حيزاً كبيراً في المخزون الموسيقي الكردي . و ما يسميه عازف العود العراقي جميل بشير (1920 – 1977) بمقام اللاوك الكردي ليس إلا أسلوب خاص بالكرد في أداء مقام الحسيني. و هكذا نكون قد أجبنا على محاضرة ديتر كريستنسن بما يخص علاقة الشعب الكردي بمقام الكرد ، و لكن إجابتنا هذه أيضاً تفتح الباب أمام أسئلةٍ تبحث عن إجابات.
لا يتوفر وصف.
من موقع Osnabrücker Zeitung
أغلب أسماء المقامات في الموسيقى الشرقية هي أيضاً نفسها أسماء النغمات (العلامات الموسيقية) أو كما يسميها الفارابي بالدساتين (جمع دستان من الفارسية [دست دان ] ، أي موضع الإصبع أو اليد). بغض النظر عن أنه مقام بذاته فنغمة الكردي في الموسيقى التركية العثمانية يقابلها سي بيمول في الموسيقى الغربية ، و سمي المقام ب “الكردي” لأن هذه النغمة تحدد شخصيتها. و لكن في مقام “حسيني” ، بغض النظر عن أنّ نغمة الحسيني (علامة ال “مي” في الموسيقى الغربية) هي التي تحدد شخصيتها المقامية و لكن علامة ال “سي” في سيرها ليست “سي بيمول” بل “سي نصف بيمول” ، أي أنها نغمة ال”سيگاه” و ليست نغمة ال “كردي” ، و طبعاً يجب علينا أن لا ننسى بأن استقرار كلا المقامين (الكرد و الحسيني) يكون على نغمة ال “دوگاه” (علامة ال “لا” في الموسيقى الغربية). و بالتالي فإن أسألتنا هي كالتالي : هل كانت علامة ال “سي” الواردة ضمن سير و أداء مقام الحسيني في عزف و غناء الكرد أخفض صوتاً من الحسيني السائد عند الآخرين ؟ بعبارة أخرى ، هل كانت بين نغمتي ال”سيگاه” و ال “كردي” الحاليتين (بين سي نصف بيمول و سي بيمول) ، ربما النغمة المسماة حالياً بال “ديك كردي” في الموسيقى التركية ؟ و هكذا و مع مرور الزمن تماهت الحدود الجغرافية و الثقافية و تماهت معها النغمات و أصبح مقام كرد/كردي مقاماً آخر معروفاً بأخذ سي بيمول مقاماً له و ليس أسلوباً خاصاً عند الكرد في أداء مقام الحسيني مخفضين فيها من صوت نغمة ال”سيگاه” ؟ هل كان الكرد في أدائهم لأوكتاف\لديوان الجواب في مقام الحسيني يستخدمون نغمة السنبلة (جواب سي بيمول/كردي) بدلاً من نغمة السيگاه جواب (جواب سي نصف بيمول ) ؟ أم ربما كان الكرد يستخدمون في غنائهم للحسيني نغمة الأوج (فا دييز) بدلاً من نغمة العجم (فا) ، و بذلك يكون تشكيل رباعية مقام كرد بدل رباعية مقام العشاق في جنس فرع المقام (العقد حسيني و الجنس كردي بدلاً من العقد حسيني و الجنس عشاق)؟ ربّما يتطلب الأمر بحثاً أعمق في مسألة تحول مقام الكرد/كردي من إداءٍ معين لمقام الحسيني على الطريقة الكردية إلى مقامٍ بذاته باسم مقام الكرد/كردي الذي نعرفه حالياً. أو فيما إذا كان الطنبور الكردي الذي يعزفه أهل الحق و الذي يخلو من ربع العلامة له علاقة بهذا التحول أم لا (تعزف عليه نغمة الكردي/سي بيمول بدلاً من نغمة السيگاه/سي نصف بيمول)؟ هل للذخيرة الغنائية الثرية بنغمة الكردي في موسيقى كرد خراسان له علاقة بذلك (غلبة مقام عجم كردي في أغانيهم)؟ أو ربما بالإضافة إلى مقام الحسيني على الطريقة الكردية كان هناك أيضاً الكثير من الملاحم الشبيهة بأنغام “ممى آلان” التي تحتوي على التحرك بين الكردي (سي بيمول) و السيگاه (سي نصف بيمول) ؟ هل كان هناك مقامان باسم كرد/كردي (الحسيني الكردي و الكردي الحالي)؟
ختاماً أود القول بأن كل هذه الأسئلة و الفرضيات مفتوحة و تنتظر خبيراً في علم المقام و باحثاً مطّلعاً على تحولات المقامات عبر التاريخ للإجابة عليها و استكمال ما بدأه كريستنسن و ما حاولت إضافته. هناك بعض من الأسئلة تخطر على بال المرء حيث تبدو غير منطقية و علمية أو حتى مضحكة أيضاً للوهلة الأولى ، و لكن باعتقادي جميع الأسئلة مهمة. على سبيل المثال ، قبل فترة في ندوة عن الموسيقى الفولكلورية قال أحد المحاضرين بأن مقام الحسيني عند بعض الموسيقيين الفولكلوريين يسمى بالإبراهيمي نسبةً إلى إبراهيم الموصللي. بعد الندوة قلت لزميلٍ لي بأنني منذ فترة طويلة أفكر بأن مقام الحسيني له علاقة بالفترة العباسية و مرثيات الشيعة عن الإمام الحسين ، و بأنه اكتسب اسم الحسيني نسبةً إليه. فأجابني زميلي بالتالي : “إذاً يمكننا القول بأن العثمانيين السنة كانوا يفضلون اسم كردي للمقام على حسيني لأن الأول سني صديق و الآخر شيعي عدو” ثم ضحك على ما قاله معرباً بأنه قالها على سبيل المزاح. و لكن ما أود قوله : دخول الموسيقيين الكرد إلى البلاط العثماني و المصطلحات الموسيقية من قبيل “مقام كردي” إلى الأدبيات العثمانية يمكن ربطه بالعلاقة المذهبية و السياسية بين الكرد و العثمانيين في تلك الفترة التاريخية التي كان كلاهما يحاربان الصفويين فيها. قياساً على ذلك ، أسماء المصطلحات و المقامات الموسيقية تتأثر بالأوضاع و الظروف السياسية و الإجتماعية شأنها شأن أي قضية أخرى ، و أبلغ مثال على ذلك هو محاولة تركية الجمهورية تغيير اسم مقام “سلطاني يگاه” إلى “مللي يگاه”. و من القضايا الأخرى ذات الصلة مع مقام كردي/كرد ، هل يمكننا دراسة الطلاق الذي حصل بين مقامي حسيني و كردي و ربط استقلال كل منهما بمقام بذاته بالحداثة و الاتجاه نحو الغرب الذي حصل منذ عصر التنظيمات العثمانية في القرن التاسع عشر و من بعده الجمهورية في تركيا في بدايات القرن العشرين (حيث إن الموسيقى الغربية لا تحتوي أرباع الدرجات النغمية)؟ خلاصة الكلام ، لمعرفة الإجابات يجب علينا ربط جميع العناصر ببعضها البعض أو كما يقول علماء الاجتماع استخدام “الخيال السوسيولوجي”.
[1] (2009) What is kurdish about makam Kürdî? In: Proceedings of International Musicological Symposium “Space of Mugham”.Baku: Şarq-Qarb. Pp. 107-111.
[2] الكاتب يستخدم التسمية التركية للمقام (كردي), فضلنا التسمية العربية (الكرد) في ترجمتنا العربية. و لكن سنحاول أن نكتب الاثنين متجاورتين[المترجم].
[3] Reinhard 1969, During 1988. [الكاتب]
[4] هابط أو نازل يعني نحو القرار/ الأصوات الغليظة ، على عكس صاعد أو مرتفع حيث يكون نحو الجواب/ الأصوات الحادة [المترجم]
[5] العديد من المستوطنات الكردية في القوقاز – إن لم يكن معظمها – خاصة في أذربيجان وأرمينيا وجورجيا – تتكون من هاربين من الأناضول إبان الحروب العثمانية الروسية ويعود تاريخهم إلى 100 عام أو أقل [الكاتب].
[6] Dzalil 1965, 1973. [الكاتب]
[7] Christensen 1961, 1963, 1965, 1967, 1975. [الكاتب]
[8] Blum[الكاتب]
[9] جدير بالملاحظة أن المفهوم و المركز الاجتماعي يتغيران حالياً تحت تأثير كل من المدنية و الإعلام [الكاتب].
[10] مثل حجاز كردي[الكاتب]
[11] أنظر Christensen 1961, 1963, 1967, 1975. [الكاتب]
مراجع الكاتب:
1. Blum, Stephen and Dieter Christensen. 1997 Kurdishe Musik. Musik in Geschichte und Gegenwart, 2nd ed., vol.5, pp. 626-35.
2. Christensen, Dieter. 1961 Kurdishe Brautlieder aus dem Vilayet Hakkari. Süd-Ost Türkei. Journal of International Folk Music Council. 13:70-72.
3. 1963 Tanzlieder der Hakkari-Kurden. Jahrbuch für musikalische Volks – und völkerkunde 1:11-47.
4. 1965 Kurdish folk music from Western Iran (notes) New York: Ethnic Folkways Library FE 3103. 19 pp.
5. 1967 Zur Mehrstimmigkeit in kurdischen Wechselgesangen. In: Fetschrift walter Wiora. Kassel: Barenreiter. Pp.171-77.
6. 1975 Ein Tanzlied der Hakkari-Kurden und seine Varianten. Baessler-Archiv 23:195-215.
7. During, Jean. 1988 La Musique Traditionnelle de L’Azerbayjan et La Science des Muqams. Baden-Baden& Boxwiller
8. Dzalil, Dzalila. 1965 Kurdskie narodnye pesni [Kurdish folksongs]. Moscow: Izdatel’stvo Muzyka
9. Dzalil, Dzalila and Ordihane Dzalil. 1973 Kurdskie narodnye pesni i instrumental’nye melodii. Moskva: Izdatel’stvo Muzyka
10. Eyhok. 2004 Muzîka Gelêrî ya Hekariyê. Istanbul: Kalan. 164 pp, 2 CDs.
11. Feldman, Walter. 1966 Music of the Ottoman Court. Berlin: Verlag f. Wissenschaft und Bildung (= Intercultural Musica Studies 10)
12. Renhard, Kurt et Ursula. 1969 Turqie. Les traditions musicales. Paris. Buchet/Chastel (= Les Traditions Musicales, IV)
مراجع المترجم:
Christensen, Dieter. (2009). What is kurdish about makam Kürdî? In: Proceedings of International Musicological Symposium “Space of Mugham”.Baku: Şarq-Qarb. Pp. 107-111.
Kutluğ, Yakup Fikret. (2000). Türk Musikisinde Makamlar. Yapı Kredi Yayınları / İstanbul.
Tura, Yalçın. (2000).KantemiroğluKitabu İlmi’l-Musiki alâ vechi’l-Hurûfât. II. Cilt. Yapı Kredi Yayınları / İstanbul.
Yekta Bey, Rauf. (1986). Türk Musikisi. Fransızcadan Türkçeye çevirem: Orhan Nasuhoğlu. 1. Baskı – Pan Yayıncılık /İstanbul.
Uslu, Recep, “MEHMED ÇELEBİ, Lâdikli”, TDV İslâm Ansiklopedisi, https://islamansiklopedisi.org.tr/mehmed-celebi-ladikli (09.05.2021).
https://www.youtube.com/watch?v=YI4gq2v_Gs0&ab_channel=KalanM%C3%BCzik Tanburi Cemil Bey Kürdi Taksim (Külliyat Kalan Müzik, 2016).
https://www.youtube.com/watch?v=bqhcpcytank&ab_channel=KalanM%C3%BCzik Sultan Korkut Kürdi Peşrev (Sultan Bestekarlar Kalan Müzik, 1999).
https://www.youtube.com/watch?v=niLQp9isc4I&ab_channel=AlKoft جميل بشير مقام اللاوك حسيني