أعداد/ مصطفى الخليل [1]
مدينة تل أبيض هي إحدى المدن السوريّة التابعة لمحافظة الرقة تبعد عن مركز المدينة نحو مئة كيلومتر إلى الشمال، على بعد بضعة كيلومترات عن الحدود السورية التركية في أرضٍ سهلةٍ خصبة، تشتهر بكثرة الينابيع فيها وتصب تلك الينابيع بنهر البليخ ومنها نبع صلولع وعين حصان، وأطلق عليها هذا الاسم نسبةً لتلٍ أثري صخوره جصيّة يقع إلى جهة الشرق من المدينة.
تاريخ مدينة تل أبيض:
تتميّز مدينة تل أبيض بإعمارها القديم والتلال الأثريّة المحيطة بها، وقد استوطنها البشر منذ العصور الغابرة بسبب خصوبة تربتها ووفرة المياه فيها، وموقعها المتميّز على طريق القوافل التجاريّة، وبعد تغيير طرق القوافل التجاريّة تراجع وضعها وتحولت إلى قريةٍ زراعيةٍ صغيرة، لكنّها عادت في وقتٍ لاحق لمجدها إبان إنشاء الخطّ الحديدي لقطار الشرق السريع، وقد شطر هذا الخط المدينة إلى قسمين، القسم الشمالي أصبح تابعاً لتركية، أما النصف الجنوبي فهو نواة المدينة في الوقت الحالي، والتي أخذت بالتوسّع بشكلٍ تدريجي باتجاه الغرب خلال النصف الأوّل من هذا القرن.
وفي بداية العقد السادس من القرن المنصرم تمّ إنشاء الحي الذي أطلق عليه اسم (حي التوسّع باتجاه الجنوب)، أمّا في الوقت الراهن فإنّ المدينة تشهد تطوّراً عمرانيّاً حديثاً، حتى إنّه قد فاق أضعاف ما كان عليه في عام ألفٍ وتسعمئةٍ وسبعين للميلاد، وقد امتدّ هذا التوسّع باتجاه طريق الرقّة تلّ أبيض، إضافةً إلى جانبي الطريق.
سكانها والأعمال التي يزاولونها:
يبلغ عدد سكان المدينة وفق إحصاءات عام 2004م، حوالي أربعة عشر ألفاً، مُعظمهم من العرب والتركمان والكرد والآشوريين والمسيحيين، يعيشون جنباً إلى جنب بسلام ووئام، يعمل عددٌ من سكان مدينة تلّ أبيض في مجال الزراعة المسقيّة بطريقة البستنة، ويتمّ مد تلك المساحات الزراعيّة بالماء من عين الحصان ونبع صلولع، ويسعى سكّان المدينة إلى توسيع رقعة المساحة الزراعيّة فيها، ومن أهمّ المحاصيل الزراعيّة في المدينة الرمان والمشمش والجوز إضافةً للخضار.
وهناك فئة من سكّان المدينة يعملون في مجال التجارةِ الداخليّة، وذلك في السوق التي تقطع المدينة من كافة جهاتها، إضافةً لعملهم في الورشات الكهربائيّة والميكانيكيّة في سبيل خدمة العمل الزراعي، وتعتبر المدينة عقدة مواصلات في الشمال السوري تربطها ببقية المدن الشمالية شبكة من الطرق المعبدة، كما تعتبر مدينة تلّ أبيض مركزاً مهماً لوقوعها بين تركيّا وسوريا، وتَشهد المَدينة نَشاطاً شبه دائم دوليّاً وتجاريّاً.
تل أبيض بعد عام 2011م:
سيطر على المدينة فصائل من الجيش الحر في عام 2012م، عقب خروج قوات النظام السوري من المنطقة بعد اشتباكات مع تلك الفصائل وسيطرتها على المدينة والبوابة الحدودية التي تربطها مع تركيا وشهدت خلال سيطرة الفصائل على المدينة تناحر وخلافات بين تلك الفصائل ومنها ما يُسمى بجبهة النصرة وأحرار الشام وكتائب الفاروق إلى عام 2014م، بعد اشتباكات دامية بين فصائل الجيش الحر المتطرف في المنطقة ومرتزقة داعش التي انتهت بسيطرة الأخير عليها وعلى البوابة الحدودية التي أصبحت بوابة عبور ودعم لوجستي من تركيا إلى الأراضي السورية التي لم تحرك في تلك الفترة تركيا ساكناً بل كان مرتزقة داعش أمام مرمى عيون الجيش التركية ولم يسمع العالم أنها وصفتهم بالإرهابيين، وخلال فترة سيطرة مرتزقة داعش على المنطقة مارست على الأهالي كافة أشكال العنف والقتل والسجن والاختفاء القسري كبقية المدن التي سيطر عليها المرتزقة إلى حين تحريرها من قبل قوات سوريا الديمقراطية في صيف عام 2015م.
وبعد تحريرها تم تأسيس إدارة مدنية ديمقراطية بتشاركية من جميع أبناء شعوبها لإدارة مدينتهم وتنظّم كافّة جوانب حياة المواطنين من الحماية والاقتصاد والتربية والتعليم والشؤون الاجتماعيّة والعمل والمرأة والطاقة والشبيبة والثقافة والفن والعدالة الاجتماعيّة، ووفي ذلك التوقيت عادت المدينة شيئاً فشيئاً لتستعيد عافيتها بعد سنوات طويلة من الحرب وإعادة الرونق إلى كافّة جوانب الحياة فيها وتعايش الأهالي بسلام وأمان بتطبيق عملي لمفهوم الأمة الديمقراطية، التي لطالما اعتبرت رمز التعايش المشترك والأخوّة بين شعوبها من عرب وكرد وتركمان ومسحيين، حيث يعيش فيها العرب إلى جانب الكرد والتركمان، والمسلمون جنباً إلى جنب مع المسيحيّين.
لم يرق لتركيا ذلك الاستقرار والتأخي، فبدأت بالعدوان الهمجي على المدينة بكافة شعوبها عصر يوم التاسع من تشرين الأول في عملية اسماها المجرمين الأتراك “نبع السلام”، وكانت في حقيقتها نبع الإرهاب مدعومة بقطعان من مرتزقة فصائل الجيش الحر، وبمسمى الجيش الوطني السوري، وقد سيطر المرتزقة على المدينة لتعود فصول الإرهاب والفوضى والقتل من جديد إلى مدينة السلام، حيث تشير التقارير أن مرتزقة الفصائل طردوا السكان الأصليين وسيطروا على منازلهم وبدأت في الوقت الحالي بتغيير التركيبة السكانية للمدينة على ضوء حديث دولة الاحتلال توطين اللاجئين في تركيا في هذه المنطقة.