تقرير/ هايستان أحمد [1]
يُعدُّ الغناء من أبرز أدوات التعبير النقي للنفس العميقة في الإنسان بشكل عام والكرد بشكل خاص، حيث كانت الأغاني تصاحب المقاتل في ساحات النضال، والعامل في ساحات العمل الشاق والطفل لينام بهدوء، والكهل الذي تجذبه الأغاني الفلكلورية، فالغناء عند الكردي كالغذاء لروحه يلازمه دائماً ولا يستطيع الابتعاد عنه نهائياً، وتتميز الأغاني الكردية في أغلب الأحيان بالحس الوطني والانتماء القومي والثوري، فقد غنى الكردي عن الثورات والنضال والشهداء والظلم والاستبداد ليعبر عن ما كان يمر به المجتمع الكردي على مر العصور فكل أغنية لها حكاية وألف قصة، وفي كل أداة موسيقية تقلب الحياة من الهزيمة إلى النصر من الضعف إلى القوة من الانكسار إلى الاستمرار، وفي الوقت الراهن وتزامناً بما يجري من هجوم همجي من قبل الاحتلال التركي على سري كانيه وكري سبي، أُلِّفت العديد من الأغاني الثورية والوطنية التي تشبع العنفوان وتزيد العزم والقوة، فهي بمثابة جرعات أمل للناس.
الأغنية الثورية مُحفزٌ معنوي لا مثيل له:
ومن بين تلك الأغاني أغنية ” أف ولات هذا الوطن”، وهي من إنتاج اتحاد فناني الجزيرة في قامشلو ومن كلمات أحمد أبو آلان، وألحان دانيش بوطان، والتي عبرت عن الوطن بكل معانيه من نضال وحب وحس وطني، والأغنية تبدأ ب “هذا وطني ووطنك فلنحيا معاً… سننمو من هذه الأرض من جديد” وركزت الأغنية على تعدد المكونات التي تتميز بها مناطق شمال وشرق سوريا منذ آلاف السنين، وقد شارك بهذا العمل الفني الجميل أكثر من عشرين فناناً من أبناء قامشلو وكان من بينهم الفنانين المغتربين “بهاء شيخو كريم شيخو”، لتكتمل اللوحة الفنية بفناني الجزيرة الذين لم تفرقهم بعد المسافات قط، وفي هذا السياق حدثنا الرئيس المشترك لاتحاد فناني الجزيرة “علي عبدالله” الذي بدأ حديثه بالقول:
(الفن يولد مع الإحساس بمجريات الأحداث التي تمر على الفنان وقد جهزنا لهذه الأغنية منذ فترة وجيزة وهجوم الاحتلال التركي على مدينتي سري كانيه وكري سبي حثنا على إطلاق الأغنية، فالأغنية إحساس صامت داخل النفس لا يستطيع الإنسان البوح به ألا عن طريق الأغاني، ولأن مقاتلينا يهوون سماع الأغاني في الجبهة فهذه الأغاني ترفع معنوياتهم ولهذا السبب نقوم بإنتاج الأغاني لندعم مقاتلينا).
كريم شيخو.. بالاتحاد سننتصر:
وعن أصداء الأغنية وانتشارها قال علي عبدالله: (عن طريق مواقعنا الإلكترونية استطعنا أن نلتمس نجاح هذه الأغنية وصداها على روج آفا وخارجها أيضاً، وأريد أن أقول أننا متألمون لما حصل في سري كانيه وكري سبي، وثابتون في ذات الوقت، ونواسي أهالينا المهجرين من أرضهم بالقوة والقسر ولكن سيعودون إلى ديارهم لا محال)، كذلك كان لنا حديث مع الفنان الكردي ابن قامشلو المغترب عنها “كريم شيخو” الذي حدثنا عن الأغنية ومشاركته فيها قائلاً: (بداية عند التحضير لهذه الأغنية والموافقة عليها لم أكن على دراية بالأمر وفي زيارتي للوطن عُرض عليّ أن أكون ضمن الفنانين بهذا العمل الفني الجميل، وقد كنت سعيداً جداً بمشاركتي لأنه لم يكن هناك من قبل كهذهِ الأعمال الفنية المشتركة، وكانت كلمات الأغنية مميزة وجميلة وكلها تعبر عن الوطن المشترك، والفن بحد ذاته ثورة لا حدود لها فالشيء المهم هو سيرورة الفن بالشكل الطبيعي مهما كانت الظروف، وبالحقيقة في فترة وجيزة أُنتجت أغانٍ قوية ولاقت نجاح كبير على الصعيد الفني والوطني وأغنية “شرفانو” خير دليل على هذا، والفن لا يتقيد بمكان أو زمان بل يفرض نفسه على الواقع ويرصد الأحداث). وأخيراً اختتم كريم حديثه بالقول: (بالنسبة إلى المهجرين من إخواننا الذين تعرضوا للتهجير، ونحن هنا نحاول بكل ما نستطيع لمساندة المهجرين، وقلبنا مليءٌ بالحزن على ما يجري في منطقتنا، وأتمنى أن يتحد الكرد وأن نكون قوة واحدة بوجه العدو لننتصر)، والشيء الذي أضفى اللمسات الجميلة على الأغنية هو اتحاد صوت الفنانين بالأغنية والغناء بصوت موحد، والأغنية عبرت عن تنوع الجغرافية والمكونات فقد أخذت صور لمختلف الأماكن من مدينة قامشلو من “جوامع وكنائس وأسواق وأحياء…” الشيء الذي يثبت أن التنوع الثقافي والعيش المشترك يعطي بهاءً وقوة لا مثيل لهما.