بَهْمَن قُبادي.. التداخل بين التراجيدي والكوميدي في السينما الكُردية
يقول بَهْمَن قُبادي واصفاً السينما الكُردية؛ “السينما الكُردية هي مثل المرأة الحامل، ينبغي أن يساعدها أحد حتی تجتاز مرحلة المخاض…فليس بوسع أحدٍ أن يتركها تموت”.
الثقافة والفنون
حنان معمو
فرضت الأعمال السينمائية الكردية في الأعوام الأخيرة نفسها علی النقّاد والمهرجانات السينمائية العالمية علی حدٍّ سواء، نظراً للسّمات الجّمالية الخاصة بالفيلم الكردي التي تحملها تلك الأعمال. فإلی جانب واقعيتها الوصفية العالية، تقدّم أيضاً الجانب اڵاخر السحري، حيث تفعل القوی الخفية فعلها إلی جانب بطل الفيلم. تبدو المناظر الطبيعية في كردستان أمام عدسة الكاميرا غامضة ووحشية تفرز حياة غريبة خاصة بها.
ويعتبر بَهْمَن قُبادي أهمّ ممثّل للسينما الكُردية المعاصرة منذ أن حقق نجاحه العالمي في فيلمه “زمن الخيول السكری” (A Time For Drunken Horses). وفاز عمله سينمائي له “السّلاحف تستطيع الطيران” (Turtles Can Fly) بجائزة أفضل فيلم في مهرجان سان سباستيان السينمائي في أسبانيا لعام 2004، كما أنّ الفيلم فاز بجائزة السلام في مهرجان برلين السينمائي الدولي لعام 2005. أما فيلمه الأخير (موسم الكركدن) الذي حاز عدة جوائز عالمية، منها أفضل تصوير بمهرجان سان سيباستيان السادس بإسبانيا، وأفضل تصوير أيضا بمهرجان آسيا باسيفيك (APSA) الذي توصف جوائزه بأوسكارات آسيا، إلی جانب جائزة الضفدع البرونزي بالدورة العشرين لمهرجان (CAMERIMAGE) البولندي الدولي.
الطفولة والشباب
ولد بَهْمَن قُبادي عام 1968، في مدينة “بانه” الصغيرة في كُردستان إيران. كان والده شرطياً، شديداً في تربية أبنائه، مهووساً بالسيطرة عليهم، كان يطلب من ابنه علی الدوام أن يفسر تحركاته، فيسأله أين كان وماذا كان يفعل.
بعدما قصفت مدينة “بانه” بوحشية خلال الحرب العراقية-الإيرانية، لذا نزحت العائلة عام 1983 إلی حاضرة سنندج.
وبتشجيع من والده، الذي كان يحرص أن يبعد ابنه عن المخدرات، أصبح بَهْمَن البالغ من العمر خمسة عشر عاماً بطلاً في المصارعة. وفي هذا الأثناء نشأت علاقة صداقة بينه وبين مصوّر يملك محل تصويرٍ بالقرب من صالة المصارعة.
بدايات التعلق بالسينما
كان حسب قوله في حوار معه حول بداياته: “كلما ذهبت إلی صالة المصارعة، كنت أخرج من البيت قبل نصف ساعة من الموعد المحدّد لأزور صديقي المصوّر. وفي أحد الأيام قرّرنا أن نخرج معاً لتصوير مناظرٍ من الطبيعة. وبعد تحميض الصور، أخبرني بأنني اجترحت معجزة. سررت بهذا الثناء، وبدأت بعد ذلك أهتم بكتب التصوير. هذه كانت بدايتي، ولا بدّ أنكم تعرفون أن فنّ السينما يبدأ عادة بالرّسم أو التّصوير”.
عمل لصالح محطة راديو عندما كان طالباً، انضم بعدها، في بداية شبابه إلی نادٍ سينمائي للهواة في سنندج، فازداد تعلقه بسحر السينما، هذه المجموعة هاوية من المخرجين السينمائيين، أعانته في إخراج أفلامه القصيرة الأولی.
انتقل فيما بعد إلی طهران لمتابعة الدراسة السينمائية في الجامعة، ولكنه ترك الدراسة الأكاديمية قبل التخرج.
أخرج عشرة أفلام قصيرة بين عامي 1995 – 1999، والتي فازت بالعديد من الجوائز الوطنية والدولية في عدة مهرجانات. ومن بين الجوائز كانت جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كليمون فيرّاند Clemont-Ferrand عن فيلمه “الحياة في الضباب” “Life In The Fog”.
تجاربه مع اڵاخرين
جاءت فرصته الكبيرة عندما اقنع المخرج المشهور عَبّاس كيارُسْتَمي بأن يعمل عنده بأجر. عَلِم بَهْمَن بأن كيارُسْتَمي بصدد تصوير فيلم عن قرية غامضة، وأنه يبحث عن المكان المناسب لتصوير فيلمه. اتصل بَهْمَن قُبادي بالمخرج كيارُسْتَمي وأخبره بأنه يستطيع مساعدته في ذلك. وبعدئذٍ سافر الاثنان معاً إلی كُردستان إيران، حيث أصبح بَهْمَن قُبادي مساعداً لكيارُسْتَمي في فيلمه “ستحملنا الريح” (Wind Will Carry Us).
كانت هذه التجربة بالنسبة لبَهْمَن هي فرصة العمر. فقد أصبح الساعد الأيمن لمخرج كبير، وبدأ يتعلم كيف يتم صنع فيلمٍ جيّد.
ولاحقاً، التقی بمُحسن مَخْمَلْبَاف، النجم الصاعد في السينما الإيرانية، ووالد صديقته الشخصية سميرة مخملباف. لقد عمل بَهْمَن مع سميرة بوصفه مستشاراً تقنياً، ثم تابع مشواره معها حتی أصبح إحدی الشخصيتين الرئيسيتين أحد المدرسين، في فيلم سميرة مخملباف “السبورة السوداء” (The Black Board).
الفيلم الأول.. زمن الخيول السكری
اُعتبر فيلمه الأول “زمن الخيول السكری” (A Time For Drunken Horses) تحفة فنية. وحصل علی جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان “كان” السينمائي المعتبر لعام 2000. يروي الفيلم قصة شبابٍ كرد يكسبون معيشتهم من وراء التهريب عبر الحدود العراقية الإيرانية، رغم المخاطر الكبيرة التي تهدّد حياتهم. وفي نهاية الفيلم، يستعد المهرّبون ليجتازوا الجبال أثناء عاصفة ثلجية باردة، وقبل البدء برحلتهم يصبّون الويسكي في الماء كي تشربه خيولهم. يعدّ هذا المشهد من أغرب المشاهد التي شهدتها السينما في إيران حتی اڵان.
فيلم أغاني وطني الأمّ
كما أن فيلمه الثاني، “أغاني وطني الأمّ” (The Songs of My Mother’s Country)، الذي نال إعجاب النقاّد. ويروي قصة مغنٍّ عجوزٍ واثنين من أولاده، وهم في رحلة بحث عن زوجته العجوز الأولی، تمضي بهم الرحلة إلی كُردستان العراق التي دمرتها الحرب، وغادرها سكانها. وفي معرض ردّه يقول قُبادي: “إنها ليست قصة مخططة، كما في الفيلم الأول، بل إنها أكثر فنية. إنها رحلة عبر بلد يتواجد فيه السُّكر، والفرح، والحرب، والقتل…أردت أن أقول إن الكُرد ليسوا مستقرين، بل هم في حالة دائمة من عدم الاستقرار والانتقال”.
السّلاحف تستطيع الطيران
يحكي الفيلم قصة مجموعة من الأطفال الكُرد في شمال العراق بالقرب من الحدود الإيرانية – العراقية أثناء سقوط نظام صدّام في العراق في إبريل 2003. وهو الفيلم الأول الذي تمّ تصويره في العراق بعد سقوط صدام حسين.
تدور أحداث الفيلم حول أيتامٍ يكسبون قوت يومهم من إخراج الألغام من تحت الأرض، ويتناول الفيلم مأساة هؤلاء الأطفال أثناء الحرب، وخصوصا المصابين والجرحی الذين تأثروا من الحرب التي مرّت علی الكُرد في شمال العراق.
الشخصيات في هذا الفيلم، أيضاً تعبر الحدود عكما في فيلم “زمن الخيول السكری”، وهذه الفكرة حاضرة بقوّة في أفلام بَهْمَن قُبادي. الذي يقول عنها، إن “الزمن هو ألدّ أعداء الإنسان، أما بالنسبة لي فإن ألدّ أعداء الإنسان هي الحدود. لقد فرضتها القوی العظمی علی الكُرد. أكره الحدود. لا يمرّ يوم في كُردستان دون أن ينفجر لغم أرضي بأحد الأشخاص، وهو يحاول عبور الحدود”.
لقطة من فيلم السّلاحف تستطيع الطيران (انترنت)
فيلم موسم الكركدن
أما فيلمه الأخير (موسم الكركدن) الذي حاز عدة جوائز عالمية، يروي تراجيديا حدثت في منطقة الشرق الأوسط، وتنتهي قصته بمضيق البوسفور وهذا ما لفت الانتباه.
فيلم بهمن قبادي “موسم الكركدن” يعتبر تحفة سينمائية وإضاءة فنية مشرقة علی عوالم معتمة من شرقنا، يرصد مرحلة تاريخية هامة جدا في حياة إيران السياسية والاجتماعية والثقافية من حقبة ما قبل ثورة الشعوب الإيرانية وتسلق الخميني عليها، وركوب موجتها ربما مدعوما من الغرب الذي يخشی أي بارقة أمل بحياة ديمقراطية لشعوب المنطقة.
آفيش فيلم موسم الكركدن (انترنت)
ويقول المخرج إن عمله الأخير ليس مقتصراً علی السياسة، “يختلف هذا الفيلم عن أعمالي السابقة بشكل كبير، إنه فيلم شاعري عن حياة فنان الذي انقطع عن الحياة لمدة 30 عاماً، بسبب شخص اتهمه وزوجته بتهمة سياسية باطلة، ليودعهما في السجن لثأر شخصي”، وقد قام غوبادی بإهداء الفيلم إلی “سانی جالا” طالب المسرح في جامعة طهران، الذی فقد حياته خلال مظاهرات 2011، و”فرزاد كلمانغار” الذی أعدمته السلطات الإيرانية في 2010 بتهمة الإخلال بالأمن القومي، وإلی كل المعتقلين السياسيين في السجون الإيرانية.
نختم مع قوله واصفاً السينما الكُردية؛ “السينما الكُردية هي مثل المرأة الحامل، ينبغي أن يساعدها أحد حتی تجتاز مرحلة المخاض…فليس بوسع أحدٍ أن يتركها تموت”.[1]