عبدالوهاب بيراني[1]
دكاكين وحوانيت بأبواب خشبية كانت تصطف في جهة السوق الجنوبية في سري كانيه من زاوية الجامع الكبير شرقاً إلى الخان الذي عرف باسم صاحبه التركماني عبد القوي الشهابي -رحمه الله-
كان الخان يقوم على مساحة كبيرة بحدود الألف متر مربع ويحوي غرفاً مبنية من الطين والحجر و بأسقف من خشب الحور، أما الغرف فكانت مستودعات لتخزين الجلود والتبن والحبوب والمعادن والزجاج وغيرها من المواد البلاستيكية والمعدنية من نحاس ورصاص وألمنيوم والخبز اليابس أيضاً.
الجزارون والقصابون كانوا يطرحون جلود الأغنام والبقر في الخان، على أن يتم شحنها لمدينة حلب فتنبعث الروائح النتنة من الخان وغُرفه… الرجل كان يمارس البيع والشراء منذ الصباح وحتى غياب الشمس وفي المساء كان ثمة رجل أصابه شيء من “العته” لا يتكلم رغم إنه لم يكن أخرسا أو أبكما من قبل ويعاني الطرش ومشاكل في التواصل مع الآخرين، كان معروفا بلقبه “أحمد جرا” وعُرف بين أهل المدينة بالدروشة والبركة ولم يشاهد أبداً وهو يتسول أو يشحذ مالاً أو متاعاً أو غيره.
كان يدخل أي محل تجاري ويحمل حسب حاجته اليومية فقط ودون طمع بالمزيد فكنا نراه يحمل تفاحة او موزة او فليلفة حمراء حادة و حينما كان حذاءه يهترئ كان يبادر لأي محل يرمي حذاءه القديم و يخرج بحذاء اسود لميع و ثيابه هكذا و كل حاجاته و عندما يهبط الليل على المدينة كان يأخذ طريقه إلى إحدى غرف الخان وينام هناك في غرف الصوف شتاءً و في أرض الخان بالعراء صيفاً ولم يعرف له أهلاً أو عائلة، وقيل إنه بالأصل من عامودا أو قراها.
لا أعرف من أين أتي ومتى حل على المدينة، كان أهل المدينة يأخذونه إلى بيوتهم ويحممونه والحلاقون يحلقون شعره الأشيب وذقنه الخشونة.
اختفى أحمد جرا فجأة ولم يعد أحداً يراه في شوارع المدينة، ولا في خانها الوحيد الذي غادر صاحبه إلى مدينة الباب بريف حلب وأصبح باب الخان الخشبي كإحدى واجهات الشارع التجاري في المدينة. كان باب ضخماً و يفتح أمام الشاحنات المحمولة بالجلود والصوف والزجاج المكسر وبقايا المعادن التالفة وضمن الباب الكبير كان ثمة باب صغير للأفراد ضمن الباب الكبير.
لم يعد للخان وجود فقد تحول المكان الي بنايات ومحلات تجارية من الخرسانة والبيتون المسلح والبناء الطابقي.. ذاك المكان أعتقد إن الجيل الحالي لا يعلم عنه شيئاً. لكنه جزء من الذاكرة الجمعية لأبناء جيلنا والأجيال التي سبقتنا..