عبد المجيد محمد خلف[1]
تطور فن القصة كثيراً في الفترة الأخيرة، واستطاع أن يخطو خطوات قيّمة، وكبيرة في مجال الإبداع، وحقق نجاحاً باهراً لدى أغلب الكتّاب في وقتنا الراهن، وإن اختلفت اللغة المكتوبة بها، أو المجتمعات التي نتواصل معها، أو نمتلك مسارب تمكننا من الاطلاع عليها، وقراءتها، سواء كانت بلغتها الأصلية، أو عن طريق الترجمة من تلك اللغة.
ولا يكاد الأمر يخلو بطبيعة الحال عند كتّابها في أي مجتمع كان، وخاصةً في المجتمع الكردي من عوائق ومثالب وهموم لها، وحين نشير إلى العوائق فنحن نتحدث عن عوائق تتعلّق بالنص القصصي نفسه، أما الهموم فتختص الوضع الثقافي، أحوال الكتاب، الرؤى، الأدلجة، وأثرها في النص القصصي، وبنائه وطريقة وأسلوب ونمط كتابته؛ والذي يفرضه الواقع على الكتّاب، أو يخلق الكتّاب لهم من أنفسهم أفكاراً ورؤىً يدّعون أنها تمت إلى الواقع بِصلة، على الرغم من أنها بعكس ذلك تماماً ، وليست من الواقع في شيء، ولكن هم أنفسهم يلجؤون إلى توهيمات يسلّمونها زمام المبادرة في بناء عالمهم القصصي، ونصوصهم، لتعبّر كما هو مفترض عن واقع حال متغير، تكون المنطقية لديهم مجاراته، والتعبير عنه بوسائل وأدوات تناسبه.
ولكن، ورغم كل التغييرات الكبيرة التي حصلت في بنية المجتمع السوري عامةً، والكردي خاصةً، والمفاهيم الجديدة التي أخذت تطفو على السطح، وظهور أرضية خصبة ومناسبة، وبروز مواضيع شتى، بل وكثيرة أيضاً ؛ تشكّل مواد خامة للكتّاب، وتدفعهم إلى الخوض فيها، والكتابة عنها، بكل الأجناس والفنون الأدبية؛ وخاصةً القصة القصيرة؛ لِما لها من دورٍ كبير مساعد على ذلك، ليس كأي فن أدبي آخر، ومساعد للكتّاب أيضاً على التعبير عن الفكرة والموضوع في وقت أقل مما هو بالنسبة لفن أدبي آخر، ودقة وخصوصية أكثر.
إلا أننا لم نرَ حتى الآن تلك القصة الناضجة، ذات البنية المبدعة، والمراعية للشروط والقواعد التي تبنى عليها في الأدب الكردي، بل وتعاني من عواقب وهمومٍ كثيرة؛ على الصعيدين الشخصي والموضوعي معاً، وإن رأينا بعض الأقلام تستطيع كتابة قصةٍ جيدة؛ فهذه الأقلام ما هي إلا حالة نسبية من مجموع الأقلام الأخرى، العاجزة حتى الآن عن التمكّن من فن القصة، والقدرة على كتابتها وفق المطلوب.
وأغلب النصوص القصصية المكتوبة باللغة الكردية تتركز عيوبها بين (السرد الطويل الممل , الذي لا يخدم القص وبنيته في شيء- المزج بين الأجناس الأدبية في القصة- اعتماد الحوارات الطويلة غير الهادفة، والمساهمة في القصة- الخروج عن الفكرة- التنميط- استعمال لغة مدرسية بسيطة، ومشحونة بطاقات عاطفية مفرطة وانفعالية- صبّ اهتمام الكتّاب في كتابة القصة على إرضاء طرف وفئة من الناحية السياسية- الكتابة بلغة شعارتية وخطاباتية- غلبة التقرير على بنية القصة- التركيز على السجع والتهويل والمبالغة).
كل هذا يؤدي إلى قتل النص، ووأده قبل أن يبدأ به كاتبه، ويدفع به إلى عدم القدرة على كتابة نص قصصي ناجح، والحكم بالسطحية والفشل على تجربته القصصية، والانجرار إلى معضلة الانشغال بالمناسباتي؛ لتصبح القصة لاهثة خلف الجديد، وواقعة في مستنقع المباشرة والتعليمية والتقريرية.