حوار: عبدالرحمن محمد[1]
المؤامرة الدوليّة التي استهدفت الكُرد في شخص القائد عبدالله أوجلان لم تنتهِ؛ بل إنها ما تزال تتجدّد في صور وآليات جديدة، وفي منحى آخر تستمر مقاومة القائد أوجلان الذي أضحى زعيماً وقائداً ومفكراً أممياً تراه الشعوب المُحِبّة للسلام رمزاً وقدوة لها.
في مصر وقبل أيام احتفل الكاتبان رجائي فايد، رئيس المركز المصري للبحوث والدراسات الكردية، والمهندس أحمد بهاء الدين شعبان رئيس الحزب الاشتراكي المصري، بمناقشة وتوقيع كتاب “أوجلان.. الزعيم والقضية”، الصادر عن دار نفرتيتي للنشر، والكتاب يتناول المؤامرة الدولية، التي تعاونت فيها قوى إقليمية ودولية ومؤسسات أمنية استخباراتية عالمية، ويرصد تفاصيل المؤامرة ويومياتها، ويطرح القضية الكردية باعتبارها حق مشروع في النضال من أجل الحرية، ومولد الحركة النضالية الكردية الحديثة في تركيا.
حول الكتاب وما يعني إعادة طبعه ونشره من جديد وبعض من جوانب الثقافة والفكر كان لنا هذا الحوار مع مدير مركز القاهرة للدراسات الكردية ومدير دار نفرتيتي للنشر والدراسات الكاتب والإعلامي المصري السيد عبدالفتاح علي:
لا تزال المؤامرة التي أفضت إلى اعتقال الزعيم عبد الله أوجلان قائمة في الكثير من حيثياتها. ككاتب ومثقف وإعلامي مُتابع كيف تنظر لهذه القضية؟
في البداية اسمح لي أن أوجه التحية للزعيم والمناضل الكردي عبد الله أوجلان الذي مر على اعتقاله حوالي 21 عامًا، ولا يزال معتقل ومسجون في جزيرة إيمرالي. والحقيقة أن قضية اعتقال عبد الله أوجلان هي نفسها قضية الشعب الكردي بعمومه في الأجزاء الأربعة لكردستان، وبالتالي فإن الحديث عنهما لايزال مستمرًا ويبدو أنه مع المؤامرة الدولية المتواصلة ضد الشعب الكردي فإنه لا يبدو في الأفق أي حل للقضية الكردية ولا بوادر أمل في الإفراج عن أوجلان وعودته حرًا طليقًا.
إن اعتقال عبد الله أوجلان والذي بحق كان نتيجة مؤامرة دولية وإقليمية تضافرت فيها جهود عدة أطراف وقوى دولية وإقليمية، سواء بالتخطيط والتنفيذ أو حتى بالصمت والسلبية. تكاتف هؤلاء جميعًا انطلاقًا من مواقفهم الظالمة للشعب الكردي، وبما أن الزعيم أوجلان كان يناضل بكافة الوسائل من أجل قضية شعبه، فإنهم نظروا إليه باعتباره خطرًا عليهم ومن ثم فلابد من التخلص منه والقضاء عليه، ظنًا منهم وهم بالطبع واهمون أن ذلك سيعني إسكات صوته وإيقاف نضاله ووأد القضية الكردية والتخلص منها. لكن الأيام أثبتت عكس ذلك تمامًا، فلا يزال أوجلان يناضل رغم سجنه ولا يزال تأثيره ودوره وزعامته راسخة في القلوب بل وتزيد شعبيته يومًا بعد يوم، ولا يزال تلاميذه وأبناؤه يسيرون على دربه ويحققون الانتصارات تلو الأخرى.
إلا أن مؤامرة اعتقال أوجلان المستمرة باستمرار تقييد حريته وسجنه، هي جريمة تلوث ثوب النظام العالمي، وتسيء إلى القيم والمبادئ الإنسانية التي ترفع الدول الكبرى لواء الدفاع عنها. فأوجلان ليس مجرمًا لكي يتعرض ولا يزال لهذا المصير، وعلى العالم الحر أن يتحرك ويحفظ ماء وجهه ويصحح خطأه، بالمطالبة القوية والمتواصلة للإفراج عن أوجلان، وبالضغط على النظام التركي بكافة الوسائل لتحقيق ذلك، إذا أردنا أن نقول أن هناك نظام دولي وهناك إنسانية.
عبد الله أوجلان الزعيم والقضية.. ما الجديد الذي يضيفه هذا الكتاب ويقدمه للقارئ العربي بين دفتيه؟
إن إعادة إصدار كتاب ” أوجلان الزعيم والقضية” يأتي كما ذكرنا في ذكرى اعتقال الزعيم أوجلان، كمحاولة لإعادة تركيز الأضواء على هذا الزعيم وقضيته وتعريف القارئ المصري والعربي به وبنضاله وبقضية وحقوق الشعب الكردي عامة. وهو محاولة كذلك لمواجهة حملات التشويه التي تعرض لها أوجلان وشعبه وقضيته على يد الأنظمة التركية المتعاقبة عن طريق الإعلام والصحافة وترويج الأكاذيب، بما أدى إلى أن تكون الصورة المرسومة عن أوجلان والشعب الكردي عند الرأي العام العربي والمصري في غالبيتها سلبية وغير واضحة بفعل ما ذكرناه، ولهذا تأتي أهمية صدور هذا الكتاب وغيره من الكتب التي تتناول أوجلان والشعب الكردي ونضالهم من أجل حقوقهم المشروعة. ويضاف إلى ذلك فالكتاب يعمل على تصحيح الصورة الذهنية عن القضية الكردية وأوجلان والشعب الكردي، وهو ما يمهد لتشكيل رأي عام فاهم ومدرك للقضية والنضال ومناصر لهما ومطالبًا بعد ذلك بأن ينال الشعب الكردي حقه وينال أوجلان حريته.
العديد من المثقفين والمحللين ينظرون إلى اعتقال أوجلان اعتقالًا للكُرد واستهدافًا لوجودهم. كيف يمكن أن تصبح قضية شعب قضية أمة؟
أتفق معك تمامًا فيما ذكرته، وكما قلت فلا انفصال بين اعتقال أوجلان وما تعرض ويتعرض له الشعب الكردي من جرائم وإنكار حقوق بل ووجود وتهميش وتشويه وإقصاء. ولأن الأنظمة المستبدة التي عاش الكرد في ظلها ومعها قوى إقليمية ودولية جميعهم قد حولوا الصراع إلى صراع وجود وبقاء، فإن هؤلاء جميعًا يعملون بكل جهدهم لإلغاء وجود الشعب الكردي. ومن هنا تحولت قضية أوجلان إلى قضية شعب وأمة، قضية بقاء ووجود.
ما الذي يعنيه صدور كتاب عبد الله أوجلان الزعيم والقضية.. وماذا عن تفاصيل الكتاب فنيًا… الناشر. المؤلف. عدد الصفحات.. الغلاف.. الطباعة.؟
صدور كتاب أوجلان الزعيم والقضية يعني أن قضية أوجلان والشعب الكردي لن تموت، وأن هذا الرجل يستحق منا تسليط الأضواء عليه والاقتراب منه ومن نضاله وأفكاره أكثر للتعرف عليه بما يستحقه. والكتاب من تأليف الأستاذين رجائي فايد وهو أحد أقدم وأهم المتخصصين في الشئون الكردية، وأحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكي المصري، وصاحب التجربة النضالية والسياسية الكبيرة والمرموقة . وصدر الكتاب عن دار نفرتيتي للنشر . وهو باكورة أعمالها وهو من القطع الكبير وعدد صفحاته 240 وغلافه مجلد.
العلاقات الثقافية والاجتماعية والمعرفية متأصِّلة بين الكرد ومصر كيف تسير هذه العلاقات اليوم؟
يمكن القول وفقًا لمصادر تاريخية عديدة وموثوقة أن العلاقات بين الشعبين المصري والكردي عريقة وتعود لآلاف السنين، وأن هذه العلاقات كانت واستمرت ولا تزال متميزة ووثيقة وقائمة على أسس وقيم الإنسانية والتعايش السلمي بين الشعوب. وفي القلب من هذه العلاقات كانت العلاقات الثقافية والاجتماعية والمعرفية، وقد ساعد على تقويتها وترسيخها أوجه الشبه العديدة بين الشعبين في تركيبتهما وطبيعتهما وحضارتهما العريقة. وقد تأثر كل طرف بالطرف الآخر وأثر فيه في نفس الوقت. وفي مصر لعب المصريون من أصول كردية دورًا بارزًا في النهضة المصرية الشاملة وترسيخها في مختلف المجالات الثقافية والفنية والأدبية والفكرية. وفي هذا الإطار نذكر على سبيل المثال لا الحصر كل من قاسم أمين ومحمد عبده والعقاد في المجال الفكري، وأحمد شوقي والعائلة التيمورية في الأدب والثقافة، وأحمد بدرخان وعلي بدرخان والأخوين أدهم وسيف وانلي في الفن. وهناك غيرهم كثيرون، ومن أجل هذا فإن علينا نحن الآن أن نعيد ضخ الدماء في شرايين هذه العلاقات بما يعود بالفائدة على الشعبين.
لمركز القاهرة للدراسات الكردية باع في المسألة الكردية ما هي خطوات المركز القادمة؟
الهدف الرئيسي الذي من أجله أُسِّس مركز القاهرة للدراسات الكردية في عام 2013 هو خدمة الشعب الكردي وقضيته العادلة والدفاع عن حقوقه المشروعة. ومركز القاهرة هو الأول والوحيد عربيًا ومصريًا الذي تخصص فقط في الشؤون الكردية، ويهدف إلى التعريف الصحيح بالشعب الكردي وحقوقه وقضيته وتاريخه وحضارته ومطالبه المشروعة، وتصحيح كل ما رسخته الأنظمة المستبدة التي عاش الكرد في ظلها، من أكاذيب وتشويه، وأن يسعى المركز لإعداد جيل من الباحثين والأكاديميين الشباب المتخصصين فقط في الشؤون الكردية، وإقامة جسور ثقافية وفكرية وسياسية وشعبية للعلاقة بين الشعبين، وكذلك العمل على تأسيس أكبر مكتبة متخصصة في الكرد وكردستان لتكون مرجعًا ومساعدًا لكل المهتمين والباحثين، وأيضًا نشر وترجمة الفكر والأدب والإبداع الكردي ونشر مؤلفات الكتّاب والمفكرين والأدباء الكرد في مصر ليتعرف المثقفون المصريون والعرب على الرصيد الفكري والثقافي الكردي.
وعن خطواتنا القادمة فإننا نطمح ونخطط للمزيد من الأنشطة المتنوعة سواء الندوات والمؤتمرات والحلقات النقاشية، أو نشر الكتب، وهناك مشروع نتمنى أن يرى النور قريبًا بإصدار مجلة بحثية وفكرية متخصصة في الشؤون الكردية، وأخرى ثقافية وشاملة.
ونسعى في الأيام القادمة لفتح فروع للمركز في عدد من المدن الكردية سواء في باشور أو روج آفا. ولهذا نتوجه للقيادات السياسية والحزبية والإدارية في روج آفا وباشور لمساعدتنا في هذا الإطار.
كما أنني أتوجه بالنداء لكل الوطنيين الكرد في الأجزاء الأربعة لكردستان أن يقفوا خلف مركز القاهرة ويدعموه بقوة ليكون قادرًا على القيام بدوره وتحقيقه أهدافه فالمركز الذي لا يعمل إلا لصالح الشعب والقضية. ونثق أننا سنجد آذانًا مصغية لهذا النداء.
أيّة رسالة يمكن لكاتب وإعلامي مصري أن يوجهها ولمن؟
أوجه رسالتي للأنظمة الحاكمة في تركيا وإيران وسوريا والعراق، أن ينفتحوا على الشعب الكردي وأن يغيّروا من مواقفهم المخجلة والاستبدادية والإقصائية للكرد، وأن يعيدوا للشعب الكردي حقوقه المشروعة المسلوبة، وكذلك أن ينسوا تمامًا ما رُسخ في أذهانهم من أن الكرد يعملون على هدم وتفتيت دولهم بالسعي للانفصال فهذه تهمة جائزة وظالمة ويفضحها الواقع الذي أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الكرد في العراق وسوريا هم رمانة الميزان وأنهم أكثر الأطراف حرصًا على وحدة وبقاء الدولة ولكن وفقًا للأسس الديمقراطية.
وأوجه رسالة أخرى لشعوب هذه الدول وشعوب المنطقة والعالم بأن ينظروا إلى الشعب الكردي نظرة منصفة بعيدة عن التحيز الأعمى. وقتها سيدركون عظمة هذا الشعب وحرصه الشديد على التعايش السلمي مع غيره من الشعوب.
لو نلقي بعض الضوء على دار نشر نفرتيتي التي أسستها مؤخرًا، وما أهدافها؟
أسست هذه الدار قبل شهور قليلة وذلك لاستكمال مشروعي الخاص بدعم الشعب الكردي وقضيته، وإذا كان مركز القاهرة للدراسات الكردية يحمل طابعًا بحثيًا وأكاديميًا، فإن دار نفرتيتي تحمل طابعًا فكريًا وثقافيًا، بما يعني أن تكامل جهودهما يصب في صالح الشعب الكردي وقضيته. وقد اخترت اسم نفرتيتي والذي يحمل دلالة تؤكد عمق العلاقات التاريخية القوية بين الشعبين المصري والكردي، حيث تأتي نفرتيتي الأميرة الكردية والملكة الفرعونية فيما بعد، كأحد أقدم النماذج الناجحة على قوة العلاقات بين المصريين والكرد، وهم ما نحاول أن نكرره في تجربتنا ومن خلال عمل الدار والمركز لتقوية العلاقات بين الطرفين الآن ومستقبلاً. وتهدف الدار لنشر الكتب للكتّاب والمفكرين والأدباء الكرد في مصر للتعريف بهم وبأفكارهم وإبداعاتهم، وهو ما يساعدنا على “تجسير” العلاقات الثقافية المصرية الكردية. [1]