إعداد/ هايستان أحمد
ارتكبت دولة الاحتلال التركي وعلى مدى تاريخها جرائم جمة بحق شعوب الشرق الأوسط ومنهم الشعب الأرمني والسريان، والآشوري، والكردي؛ بهدف إبادة تلك الشعوب وتغيير ديمغرافية المنطقة، والقضاء على هويتهم التاريخية وأصالتهم ووجودهم.. وبالرغم من بطشها ودمويتها، إلا أنها لم تستطع النيل من إرادة هذه الشعوب التي استمرت في الحفاظ على وجودها..
اختلفت طرق القتل الجماعي التي تعرف بالمذابح، حيث كانت المذابح إما شنقاً أو رمياً بالرصاص أو حرقاً أو تخديرًا بجرعات مميتة أو دفنهم أحياء، فمع تعدد طرق القتل.. تظل جرائم ارتكبت بحق البشرية. ومن هذه المذابح مذبحة الدولة العثمانية المحتلة للشعب السرياني، والأرمني، والآشوري بمذابح عرفت باسم “سيفو”؛ المذابح التي ارتكبت في حقّ السريان، أي أبناء الكنائس السريانية من الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى على يد الدولة العثمانية. تعد مذبحة سيفو مقدمة لمذابح الأرمن على يد الأتراك في نهاية عهد الدولة العثمانية والتي تأتي قبل نحو ثلاثة أشهر من مذابح الأرمن، وتعتبر مجزرة سيفو، التي نفذتها السلطنة العثمانية في حقّ السريان، من أكثر المجازر التي حدثت في القرن العشرين وحشية ودموية، وقد أطلق على هذه المجزرة اسم «مذبحة سيفو» نسبة إلى الطريقة التي قتل بها السريان، والجدير بالذكر أنّ أكثر من نصف ضحايا المجازر التي ارتكبت في حقّ السريان والأرمن لم يكونوا من الشعب الأرمني، بل كانوا سوريين، من طور عابدين وأورفا والعديد من المدن السوريا الأخرى، بالإضافة إلى السريان الساكنين في بلاد الرافدين.
ومن أهم المجازر التي تندرج تحت اسم «مذبحة سيفو» بين عامي 1914 و1923، مجزرة آمد ومجزرة طور عابدين ومجزرة دير الزور التي هاجر إليها عدد كبير من السريان والأرمن؛ هرباً من القتل، وكانت حملة الإبادة متعمّدة ومقصودة من أجل تطهير عرقي ضدّ المسيحيين، وقد تمّ التخطيط والإعداد لهذه الإبادة من قبل، فهذه المجازر قتلت الملايين من السريان والأرمن، كما تنفي الحكومة التركية إلى الآن وقوع هذه المجزرة من دون أن تقدّم تفسيراً منطقياً لاختفاء كلّ هؤلاء البشر بين ليلة وضحاها.
والحكومات العالمية تتصرّف وكأنها لا تعلم أنّ شعباً بأكمله قد تم إبادته؛ ذلك لأنه لم يكن للسريان صوت يدافع عنهم أو وزن في المحافل الدولية في القرن العشرين، والأهمّ هو أن لا مكاسب سياسية للقوى العظمى في هذه القضية، حيث إنها كانت تحاول إرضاء تركيا لاتقاء دخولها في الحرب إلى جانب ألمانيا. لهذا؛ كان السريان ضحايا حرب إعدام واسعة.
طرق الإبادة
ذكرت المصادر التاريخية أن هذه الإبادة البشعة نُفذت بالقتل الجماعي للشباب، وترحيل النساء والأطفال والعجزة في مسيرة موت إلى الصحراء؛ إذ تم حرمانهم من الطعام والشراب، وتعرضوا خلال ذلك إلى السرقة والنساء للاغتصاب، ثم القتل. ومن بين الطرق البشعة التي استخدمها العثمانيون إحراق جماعي كامل لسكان قرية قرة باش أولى القرى السريانية. بعد أن نهبت المنازل وأحرقت، كما قام المهاجمون باغتصاب النسوة وقتلهن. ويذكر المؤرخون في ذلك أن رائحة جثث الموتى بقيت في الهواء أياماً عدة. وأغرقوا البعض في البحر وعروهم من ملابسهم.
طرق غير آدمية استعملها العثمانيون في إبادة الأرمن
وفي آمد لم يسلم منهم كهل ولا طفل ولا امرأة، نفذت الدولة العثمانية الدموية مجازر في ولاية آمد ضد المسيحيين عام 1895، فبدأت باستهداف الأرمن بتحريض من بعض رجال الدولة والدين العثمانيين بحجة أن الأرمن يريدون تفكيك الدولة، وتوسعت هذه المجازر لتشمل كل المسيحيين في المنطقة، وعلى رأسهم السريان، وبدأت من الجامع الرئيسي بالمدينة، ثم انتقلت إلى السوق الرئيسي، حيث تم قتل المسيحيين، تبعتها عمليات سلب ونهب واسعة. وفي اليوم التالي بدأت عمليات إبادة للمسيحيين عبر الهجوم على منازلهم، واستمرت ثلاثة أيام.
لقد أودت الحرب بحياة آلاف من السريان في مختلف الأبرشيات وتركت وراءها عدداً كبيراً من الأيتام والأرامل ودمّرت كنائس كثيرة وأديرة تاريخية في بلاد ما بين النهرين لعبت دوراً هاماً في سالف الأزمان بنشر الحضارة والمدنية، وتبعثرت المخطوطات الثمينة والذخائر النفيسة والمكتبات الشهيرة، وخلقت جوّاً كئيباً في حياة السريان.
عدد الضحايا
لا توجد إحصائيات دقيقة للعدد الكلي للضحايا، غير أن الدارسون يقدرون أعداد الضحايا السريان بين 500,000 إلى 750,000 ضحية. لقد كانت المذابح السريانية ذات أهمية توازي أهمية مذابح الأرمن ومذابح اليونانيين البونتيك. لكن؛ على عكسهما، لم يكن هناك أي رد فعلي وطني أو عالمي بشأنها، وتم تصنيف المذبحة السريانية كجزء من مذابح الأرمن.
الموقف الدولي للمذبحة.. وثقافة العثمانيين المتوحشة
لم تلق مجزرة “سيفو” اهتماماً دولياً مماثلاً للاهتمام الدولي بمذبحة الأرمن، والاعتراف بحقوقهم، واقتصر الاهتمام الدولي بعدة دول مثل السويد وفرنسا والولايات المتحدة، حيث أقر البرلمان السويدي في 11 آذار عام 2010، الجرائم التي ارتكبتها دولة الاحتلال التركي بحق أبناء الشعب السرياني الآشوري والأرمن التي حدثت في عام 1915، كجرائم “إبادة جماعية” ليعد أول برلمان أوروبي، وعالمي يقر بمجازر الأتراك ضد الآشوريين، إذ تم الاعتراف بتلك الجرائم سابقاً في فرنسا والولايات المتحدة لكن فقط باسم “الأرمن”.
وفي تلك الحالة؛ تمّ تصنيف المذبحة السريانية كجزء من مذابح الأرمن. لذا؛ لم تحظَ مذابح سيفو باهتمام رسمي كبير، على عكس ما حصل بعد وقوع مذابح الأرمن، مع أنّ ما حدث في سيفو عام 1915 ضدّ شعب السريان حسب قانون الأمم المتحدة هو عبارة عن إبادة جماعية. ولمّا كانت الإبادة الجماعية ضدّهم خلال وفي أعقاب الحرب العالمية الأولى تصوّر عادة على أنها حرب إبادة ضدّ الأرمن حصرياً، خلال غياب الاعتراف بجرائم الإبادة المتماثلة نوعياً ضدّ المسيحيين في الإمبراطورية العثمانية، حدّد الأتراك الشعب السرياني كجنس أرمني. ويعتبر يوم 24 نيسان من كلّ عام ذكرى لمجازر سيفو، وهو اليوم نفسه الذي يتمّ فيه إحياء ذكرى مجازر الأرمن أيضاً، مع العلم بأنّ الكثير من الصحف الصادرة آنذاك كانت تؤكد على وقوع هذه المجازر البشعة، ولا تكتفِ بدولة الاحتلال التركي بسفك الدماء منذ غابر الأزمان، بل تسعى دائماً وأبداً إلى إبادة الشعوب واضطهاد الأمم وسلب الحقوق الإنسانية واحتلال الأراضي على مختلف الجهات، فقد مثلت دولة الاحتلال التركي في سوريا وعلى وجه الخصوص تجاه الشعب الكردي المحتل والعدو الأكثر وحشية، فقد قامت بارتكاب جرائم وحشية لا حدود لها وسفكت دماء الأبرياء بمناطق مختلفة في سوريا، واحتلت عفرين وسري كانيه، وما زالت ترتكب الجرائم المتتالية في هذه المناطق، فقبل يومين لا أكثر قامت بتعذيب رجلٍ كرديٍ مسنٍ في عفرين وألحقت به الأذى حد الموت. إن تاريخ تركيا حافلٌ بالقتل والدمار والوحشية والعالم كله لا ينطق بحرفٍ فالإنسانية من تدفع الثمن من أجل المطامع والمصالح الدولية الكبرى.[1]