قامشلو/ دعاء يوسف
الفنان المغترب رحيمو، رسام اتخذ من معاناة ومُشكلات مجتمعه محوراً لأعماله الفنية، ورغم اغترابه لم ينس قضيته وأسلوبه في الرسم، فرسم وأبدع لوحات تحمل الطابع الكردي، تتزيّن بالألوان الكردية الزاهية.
العالِمُ يكتشف، أما الفنان فيبدع، يرسم عالماً تزينه الألوان، فتتراقص الريشة بين يديه؛ لتمتزج روحه مع الخطوط والمنحنيات التي أبدعتها أنامله، وإن بحثت في الأرجاء عن مجتمع حر، ستجد روح الفن، التي لا يمكن كبتها، متجلّية فيه، كما يُعد الفنان موثقاً للتاريخ بلوحاته، وقد برع الفنان رحيمو بفرشاة الإنسانية، فقدم أحداثاً من الواقع؛ ليشاهدها العالم من خلال لوحاته.
ولادة الشغف
عبد الرحيم حسن (رحيمو) من أبناء ناحية عامودا ولد عام 1962 ليترعرع فيها، وخلال لقائنا مع الفنان حدثنا عن طفولته وبداية ولادة الشغف لديه: “بدأ شغفي للفن منذ نعومة أظفاري، وذلك بسبب حادثة بقيت خالدة في ذاكرتي، وهي حصة رسم في الصف الأول، وقعت وتلوثت ملابسي، فعدت للمنزل، وفي ذلك اليوم، ظننت بعقلي الصغير أني خسرت الكثير، وبعد هذه الحادثة كنت أطيل النظر للألوان والستائر، ذات الأنماط الكردية في داخل المنازل، مفكّراً بثقافة وبطبيعة المدينة التي لفتت انتباهي، ومنها كونت مخزون بصري لفني، الذي بدأ يولد”.
ورغم صغر سنه، رسم اللوحات، ثم بيعها؛ لتكون بمثابة الممول لبناء عالمه الفني، وعن هذا الموضوع يخبرنا رحيمو: “في عمر الثانية عشر، صممت الإعلانات، وآرمات للدكاكين، ورسمت الخرائط للطلاب، وبالمال الذي كنت أجنيه من عملي هذا اشتري أدوات الرسم، وكبّرت صور الشعراء والفنانين بقلم الرصاص، هنا أذكر أنني رسمت لوحه للشاعر “جكرخوين” فبقيت هذه اللوحة تعلق في كل مناسبة لذكر للفنان”.
ملاحقة الحلم
لم يتوقف طموح الفنان هنا، فقد أصر على ملاحقة حلمه، والسعي خلف ما كان يصبو إليه، ويحدثنا عن جانب من ذلك في الكلية التي التحق بها بقوله: “بعد أن حصلت على شهادة البكلوريا، ذهبت لدمشق بهدف ملاحقة حلمي، فتقدمت إلى مسابقة أشترك فيها ثلاثة آلاف طالب من سوريا، للالتحاق بأكاديمية الفنون وفاز 80 طالباً فقط”.
توقف سقف الطموح رحيمو (قسراً) ولم يكتمل وقتها فقال: “تخرجت بترتيب الثاني على مستوى سوريا، ووجب على الأكاديمية إيفادي للدراسة خارج البلاد، ولكن لم يتم هذا؛ لمجرد كوني مثقفاً سياسيّاً محبّاً لقوميتي الكردية فعدت إلى عامودا”.
وفي هذا الموضوع أشار رحيمو إلى حياته السياسية: “في فترة شبابي أسست فرقاً كردية للرقص، ولكرة القدم، ومنها عندما كنت في الصف الثاني الثانوي، أسست فريق كرة قدم باسم (سرخبون) في الحسكة، وبعد ذهابي للعاصمة، عملت كأي شاب كردي وسوري متفتح ومثقف، وكنت أحد المشاركين بتأسيس أعياد النوروز”.
وبالنسبة لقرار الهجرة والسفر خارج البلاد، أطلعنا رحيمو على أسبابه: “بعد اعتقال 30 من أصدقائي من عامودا، وقامشلو، ودمشق، وحلب، من قبل النظام الحاكم، طلب مني رفاقي مغادرة البلاد، عارضت الفكرة في بادئ الأمر، ومع إصرارهم غادرت، وبقيت مرتحلاً بين تركيا ورومانيا، ودول أخرى لستة أشهر، فاقترح بعض أصدقائي أن أذهب إلى بلجيكا؛ لوجود معهد للغة الكردية هناك بهدف مساعدة الكرد، فأسست أتحاد مثقفي الكرد هناك، وفي 2015 تركت العمل السياسي، ولكني صورتُ الواقع بلوحاتي”.
رحلة الفن ببلجيكا
بلد غريب، وشعب مختلف، ومع ذلك انتصرت ريشة الفنان رحيمو؛ كي تكون أعماله شاهدة على عصرٍ، عُرِف فيه: “بعد وصولي لبلجيكا بستة أشهر، أجرت قناة التلفزيون البلجيكي مقابلة معي؛ معجبة بلوحاتي المتميزة، التي لاقت الكثير من الاهتمام”.
يختلف الفن ببلجيكا، فيتعلم الطفل الكثير عن الفن، كما أشار رحيمو: “يتعلم الطفل الفن من الصغر، فيكبر وهو يعرف أشهر فناني العالم كبيكاسو وليوناردو دافنشي وغيره، فتتبلور الفكرة لدى الفنان منذ نعومة أظفاره، ويكبر؛ ليملك مفتاح الفن، فيستطيع تذوق اللوحة وتقيمها”.
واشتهر رحيمو بالرسام الأمهر، والأقوى، ولم يغير من طابعه بعد مغادرة البلاد، فحافظت لوحاته على الطابع الكردي، ويشير رحيمو إلى ذلك بقوله: “العراقة الكردية وجمال الألوان الكردية، زيّنت لوحاتي جميعها”.
وبيّن رحيمو أن الشعب البلجيكي كان ينجذب للوحاته، فقد كانت تحمل زياً جديداً بألوان خلابة، اختلفت عما اعتاد الناس على رؤيته، فرسوماته كانت تحمل الثقافة والطبيعة الكردية.
وعمل الفنان خارج نطاق الرسم وبين لنا ذلك بقوله: “عملت لثماني سنوات بديكور التلفزيون، ومنها ديكورات للتلفزيون الكردي، وهذا واجب كنت أقوم به، إذ كان من المنطقي والمفضل أن يقوم بهذا الديكور/ كردي/ ليضفي الطابع الكردي”.
لوحات تحكي الآلام
حريق سينما عامودا، تلك الفاجعة التي يستحيل أن تُمحَى ليس من ذاكرة أهلها وحسب، بل من ذاكرة أبناء شمال وشرق سوريا، جسدها الفنان رحيمو بلوحاته لتصرخ تلك اللوحات بدل أفواه الأطفال، التي احترقت ذلك اليوم، فأقام معرضاً في 2020 لحريق سينما عامودا باسم “حرائق عامودا”.
وعن هذا الموضوع، نوه رحيمو عبر كتابة رسالة، قُرئت أمام الحضور في معرضه: “كتبتُ رسالة، شرحت فيها وقع هذه الفاجعة في قلوب أهالي ناحية عاموده، ووصفت الرسالة، كيف احترقت السينما، وانتشرت رائحة لحم الأطفال في أنحاء المدينة كلها عدة أيام”.
وأضاف رحيمو: “صُدِم المشاركون بالقصة المؤلمة، فنقل تلك الجريمة، التي حدثت في عامودا للمجتمع الأوروبي، كان واجباً عليّ، في بادئ الأمر لم تصدق اللجنة، التي حضرت المعرض أن هذه القصة حقيقية”.
وبعد انتهاء المعرض، طلبت اللجنة من رحيمو عرض اللوحات في متحف: “طُلب مني إقامة المعرض نفسه في المتحف؛ ولكن بسبب انتشار جائحة كورونا توقف المعرض، وسيُقام في المستقبل القريب بعد عودتي إلى بلجيكا”
أعمال وإنجازات خلدها الفن في دفاتر التاريخ، يوجزها لنا الفنان رحيمو بكلمات مختصرة: “كنت بين الأربعة الأوائل بمتحف أيبل ببلجيكا برسوماتي، كما نظمت العديد من المعارض في مناطق مختلفة كألمانيا”.
ورشة العمل التشكيلي في قامشلو
كان للورشة التي أقامها أتحاد مثقفي روج آفا، طابعٌ خاصٌّ بمشاركة الفنان رحيمو، الذي سُرَّ جداً لوجود فئة شاب تهوى الفن: “ذقنا ويلات الحروب، وعشنا الآلام، ووجود الفن في حياتنا، يضفي عليها الألوان، فهو كالأوكسجين لأجسادنا، وما أجمل وجود جيل من الفئة الشابة يهوى الفن كما عشقناه!”.
وأكد رحيمو على فرحته بلقاء أصدقائه بالأكاديمية، ومشاركتهم في المعرض معه، وتوافد الزوار على الورشة فقد ازدادت جماليتها بقوله: “عندما يرانا الناس، ونحن نرسم، تعرف معاناة الفنان وتعبه في كل لوحة يقوم بها”.
رسم رحيمو في الورشة لوحة باسم “فاطمة صالح آغا” أراد من خلالها إظهار العشق الكردي فقال: “فاطمة صالح آغا قصة من جغرافية وطني، من منا لا يعرف قصص العشق، التي خلدها التاريخ الكردي، كما خلد التاريخ الأوربي روميو وجولييت وغيرها وبالجانب الآخر توجد قصص عشق كردية مجهولة لدى الكثير، وأحب أن تخرج إلى النور عن طريق لوحاتي”.
وبين رحيمو: أنه يوجد تقليد محلي وعالمي لتوقيع كتاب، أو لإقامة أمسيات موسيقية لكن للأسف لا توجد فعاليات ونشاطات للتوقيع على لوحات فنية تحكي الكثير من القصص بل وتحكي روايات من وقع الحياة بكل ما فيها.[1]