حياة الأطفال تختلف من مكان، ومن جيل إلى آخر، ويعود هذا الاختلاف إلى البيئة، التي تنعكس على طفولتهم، وتجعل أطفال الريف اجتماعيين أكثر من أطفال المدن، فطريقة اللعب الجماعي تؤثر كثيراً في تكوين شخصياتهم، ففي وقت غزت فيه الهواتف الذكية حياة الأطفال في المدن لا يزال أطفال الريف يحافظون على طرق اللعب القديمة.
في قرى مدينة منبج بشمال وشرق سوريا يلعب الأطفال سوياً، فليس من الغريب أن تشاهد الأطفال يركضون خلف بعضهم في الساحات، يلعبون بقطعة من الحجر “المملكة”، ويلعبون “الصقلة” بخمس بحصات، ودائماً كرة القدم حاضرة في أي مكان، إضافةً للعبة الفولة، ولعبة الكلى، ولعبة (الحويدى) وهي أن يلحق أحد أفراد المجموعة بأصدقائه حتى يمسك بأحدهم فيتجنب الخسارة.
الطفلة ريماس الحسين أحد عشر عاماً من قرية المسطاحة والتي تقع جنوب شرق منبج بأربعين كم، في الصف الخامس الابتدائي، تخرج للعب مع صديقاتها، بعد أن تنهي واجباتها المدرسية “بعد عودتي من المدرسة وتناول الغداء، أقوم بحل واجباتي المدرسية، ثم انطلق للعب مع أطفال القرية، نلعب الكثير من الألعاب أنا وأصدقائي ككرة القدم، والدمية، ولعبة المملكة”، وتقول: إنها لا تحب اللعب على الأجهزة الذكية بل تفضل اللعب بشكل جماعي.
كذلك لا يستهوي الطفل عبد العزيز الحسين عشرة أعوام وهو من القرية نفسها ويدرس في الصف الرابع الابتدائي الألعاب الإلكترونية، “بعد عودتي من المدرسة والانتهاء من واجباتي المدرسية أذهب للعب مع أصدقائي، لعبة الصقلة، وكرة القدم، والفولة، والكلى، والحويدى”.
يفترش مجموعة من الأطفال الأرض، وبين أيديهم خمس حصوات، ليلعبوا الصقلة فيقوم من عليه الدور باختيار حصوة واحدة منها في اليد، ثم يقوم بقذفها في الهواء والتقاط الحصوات واحدة تلو الأخرى، وتكون اللعبة على شكل مراحل يتشارك فيها شخصان أو مجموعة من الأشخاص.
أما لعبة البلي أو الكلة أو كرات الزجاج، هي لعبة كروية صغيرة، عادة ما تصنع من الزجاج أو الصلصال أو الصلب، أو البلاستيك أو العقيق، وتختلف كرات البلي في حجمها، وهي لعبة من تراث أهل الريف، كما أن لدى جميع الأطفال لعبة الجطل، والتي تصنع من أغصان الشجر وتربط عليها قطعة من البلاستيك لقذف الحصوات الصغيرة.
“طفولتنا كانت مليئة باللعب والمرح”
خزنة تيفور تسعون عاماً من قرية العزر، شرق مدينة منبج بكيلوي متر قالت عن طفولتها والألعاب التي كانوا يلعبونها “نلعب الغميضة حيث كان أحد أفراد المجموعة يغمض عينيه حتى نختبئ، ومن ثم يبدأ بالبحث عنا، وكنا نلعب لعبة المملكة، وهي رسم مجموعة مربعات على الأرض ومحاولة إيصال قطعة صغيرة من الحجر إلى آخر مربع بقدم واحدة، وأيضاً كنا نلعب لعبة الذئب، والخاروف والراعي، فكان مجموعة من الأطفال يمثلون دور الخرفان ويمثل أحدهم دور الذئب ويهجم كي يخطفنا ونحن نحتمي منه”، مؤكدةً أن “طفولتنا كانت مليئة باللعب والمرح”.
وأضافت “كنا نجلس تحت الشجرة مع جدتي، وتبدأ بسرد الحكايات لنا، وكانت القصص مليئة بالحكم، حياتنا في الماضي أجمل من حياة هذا الجيل من حيث العلاقات الاجتماعية”.
عيوش العبد الله خمسون عاماً من القرية نفسها، تقول عن طفولة: جيلها “أكثر الألعاب الشائعة في طفولتنا كانت الجزق (المملكة) الكلة، كرة القدم وكنا نتشارك في هذه الألعاب مع أطفال جيراننا”، مؤكدةً أن “في جيلنا كانت الألفة متينة مع الجيران والأقرباء”.
كما لفتت إلى الفارق بين طفولة جيلها والجيل الحالي “لم يكن كل شيء متوفراًن فالحياة كانت بسيطة، وأغلب العائلات فقيرة، بينما يتوفر للأطفال الآن روضة ومدرسة، وألعاب ولكن العلاقات الاجتماعية ضعيفة جداً”، وترى أن ذلك يعود للهواتف التي يقضي الأطفال معظم وقتهم باللعب بها.
وأضافت: “في السهرات سابقاً كانوا يتحدثون عن الأساطير والحكايات، يتحدث شخص فينصت له الجميع، بينما ينشغل اليوم كل شخص بهاتفه ولا يلقي بالاً لمن حوله”.
دور الأمهات في توجيه الأطفال نحو ألعاب هادفة
معظم الأطفال في الوقت الحالي يستخدمون الهاتف بشكل كبير، لكن عدد من الأمهات استدركن هذه المشكلة، وبدأن بإبعاد أطفالهن عنها، تقول رابعة بكرو من مدينة منبج، وهي أم لأربعة أطفال “أغلب الأطفال في الوقت الحالي يستخدمون الهاتف بشكل كبير، وأطفالي من بين هذه الغالبية، وهذا أمر خاطئ، لذلك عملت على إبعادهم عن هذه الألعاب”.
وتضيف “واجهت صعوبة كبيرة في إبعاد أطفالي عن الهاتف، فحتى عندما يكون الهاتف موصول بالشاحن، يقومون باستخدامه دون إذن مني، ويتشاجرون من منهم سيلعب به”، مبينةً أنها جلبت لهم الألعاب اليدوية “احضرت لهم الدحل (الكلة)، والحبل، وكذلك الألعاب التي تطور من تفكيرهم، ومن ذكائهم كلعبة تركيب المكعبات وفق الأحرف أو الأرقام”.
رابعة بكرو انتبهت أيضاً لمشكلة يواجهها الأطفال، وهي الإعلانات الغير مناسبة “يمكن استخدام الهاتف بشكل إيجابي لكن الإعلانات التي ترد عبر الإنترنت غير مناسبة لسنهم، وتؤثر عليهم بشكل سلبي فالأطفال لديهم الفضول لمعرفة الأشياء لذا فاستخدامهم للهاتف دون مراقبة يشكل خطراً عليهم، وعلى الأهالي أن يكونوا حذرين من هذا الأمر”.
وأضافت “على كل عائلة إبعاد الأطفال عن الهاتف، والتوجه نحو البديل، الذي يعزز نمو تفكير الطفل وذكائه، والسماح للطفل باستخدام الهاتف بشكل دائم، سيكون له تداعيات سلبية، فهناك الكثير من الحالات في مجتمعنا نتجت عن استخدام الهاتف كمرض التوحد وضعف النظر”، مشددةً في ختام حديثها، إلى أن إعطاء الطفل كل ما يريد ليس دليل على حبه “الأهالي يسمحون لأطفالهم باستخدام الهاتف، لإرضائهم لكن يمكنهم إرضاء الطفل بوسائل وألعاب أخرى، لأن طريقة اللعب تنعكس على شخصية الطفل في المستقبل”.
وكالة أنباء المرأة[1]