ولد استاذ المقامات الكوردية علي مردان في مدينة كركوك عام 1904م، أسم والده هو قادر من قرية (كاني سارد) التابعة لمنطقة جوارتا(وتعود أصول عائلته وخاصة والده قادر مردان إلی سلسلة المشايخ البرزنجية، بدأ الفنان تعليمه في حجرة تكية شيخ علي طالباني وأستطاع ختم القرآن الكريم علی يد هذا الشيخ، وقد درس هذه الكتب في هذه المدرسة الدينية (كولستان، بوستان، ناكه هان، إسماعيل تامه وباغباني) وبضع كتيبات أولية باللغة الفارسية والتركية والعربية.
وقد تأثر علي مردان بتلاوة القرآن وأجاد قراءتها كما تأثر بقراءة الاناشيد الدينية والتي كانت تردد في المجالس الدينية والتجمعات التي كانت موضع إعجاب الفنان، والتي تركت أثراً كبيراً علی حنجرته وهو في سن مبكرة من حياته الفنية، وقد جاءت النقلة النوعية في حياته عندما كان يصاحب والده في تنقلاته بين القری الكوردية الجميلة وهو يشاهد المناظر الخلابة التي سلبت لبه وأغنت مخيلته الفنية بروائع المشاهد الطبيعية من جبال ووديان وسهول خضراء تأسر الالباب، هذه التنقلات قلبت موازين علي مردان وجعلته يترك المجال الديني وقراءة القرآن ويلجأ إلی الفلكلور الكوردي الاصيل وقد تعلم قراءة المقامات الكوردية لاول مرة علی يد مطرب المقام في مدينة كركوك آنذاك (خدر بارام جاوش) والذي علمه مقام (الله ويسي) الذي يعتبر من المقامات الكوردية الاصيلة كما تعلم اداء المقامات الاخری مع العزف علی آلة الطنبور، وهو أول مطرب كوردي قام بتسجيل أغانيه في الاذاعات العربية في لبنان والشام والاردن وحصل علی عدة جوائز تكريمية في المحافل الفنية، وقد قام بمهمة أحياء المقامات الكوردية من بين المقامات الشرقية وأثبت أصالتها من بين المقامات الفارسية والعربية والتركية كما بين بالادلة القاطعة بأن اكثر المقامات الشرقية المعروفة تعود إلی أصول كوردية كما أن واضعي هذه المقامات هم فنانون أكراد وضعوا لمسات ونوتات الاغنية الكوردية، ويعود الفضل الاكبر للفنان علي مردان في وضع النوتات الموسيقية لاكثر المقامات الكوردية التي أصحبت مرجعاً مهماً للاصوات الشابة التي تلمذت بعد ذلك علی يد خيرة مؤدي المقام الكوردية وعلی رأسهم علي مردان وقد أشاد بفضله فنانون كبار وأساتذه أمثال الفنان الكبير وأستاذ المقام العراقي محمد القبانجي الذي يعتبره أستاذاً يمتلك مميزات الاستاذية في وضع المقام الشرقي بشكل عام والاستقلالية في وضع البناء الموسيقي للمقام الكوردي، إن دور الفنان علي مردان في خدمة الفن الكوردي وبالاخص الغناء لايمكن تجاهله فقد نذر حياته لخدمة هذا المضمار المهم وكرس جل وقته في هذا الميدان المهم كما أن روحه الوطنية وأحساسه بالمسؤولية الملقاة علی عاتقه وحبه لشعبه ووطنه وتغزله بالطبيعة جاءت من خلال الاشعار الكلاسيكية والشعراء الكبار أمثال مولوي، وزيور و فائق بيكه س ونالي وكوردي، وغيرهم من الشعراء الكلاسيكيين الذين تغنی مطربنا بأشعارهم الغزلية، أما بخصوص ميدان التدريس الذي أضطلع الفنان بمهمة القيام به فقد قام بالتدريس في المعهد النموذجي للمكفوفين في العاصمة العراقية بغداد ودرس قواعد (الصولفيج) الموسيقي اي أسس الموسيقی وقواعدها الاساسية، أما من الناحية العملية فكانت له المقدرة في العزف علی عدة آلات موسيقية كالعود والكيتار والكمان إضافة إلی آلة البالبان الكوردية وهي آلة نفخية مشهورة في كوردستان لقد كانت الطبيعة، الساحرة لكوردستان الالهام الاول والاخير لمخيلة وصوت الفنان علي مردان فالاصوات الشجية لطيور القبج الذي يعتبر أحد الطيور المحبوبة لدی الكورد وأحد أهم رموز التراث والفلكلور الملهمة لفن علي مردان القبج الذي يشدو بصوته وهو يتنقل من موضع إلی آخر ومن سفح جبل أشم نحو الوديان والسهول الخضراء، وخرير المياه وقمم الجبال المكتنزة بالقبب البيضاء وأشجار الصنوبر البرية كل هذه المشاهد أغنت فؤاد الفنان المتألق علي مردان قتأديته للمقام خير معبر عن هذه التدرجات الجيلية والبيئة الكوردستانية التي تحمل في جعبتها كنوز الغناء الكوردي. فصوت علي مردان صوت قادر علی جذب الاهتمام للنفوس الذواقة للرصانة وحبه لشعبه جعله يحس بنبضات الحي والمدينة والازقة والاماكن التي كان ينتمي اليها هذا المطرب الاصيل، إبتداءاً بمدينته العزيزة إلی قلبه كركوك مدينة الاصوات الشجية ومدرسة المقامات والحناجر القوية في تأدية المقام الذي غداً مرتكزاً للغناء الكوردي حيث أصبح الفنان علي مردان علی قمة هذا الهرم وماسكاً لناصيته، ولقد أدی هذا المطرب المبدع جملة من المقامات الكوردية التي سجلت بعد ذلك في الاذاعة الكوردية لاول مرة في عام 1936 وكان اول مطرب كوردي يغني في هذه الاذاعة وهناك عدد من المقامات التي أداها مطربنا ويمكن ذكرها هنا (نوا، قتار، خاوكر، الله ويسي، هيجران، خورشيدي، ئاي ئاي، به يات، عجم، حيجاز، راست، ديوان، باوكي عةتا، غمكين، قزاز، بينج كا، أورفه، نصوري، صبا، ماهور، سيكا، شوور، أوشار، دشت، حسيني) والكثير الكثير من المقامات التي لايتسع المجال لذكرها جميعاً لقد تحلی الفنان علي مردان بأخلاق فنية عالية مكنته من أن يتبوأ مكانة مرموقة في حياته وجعلته في الصف الاول للفنانين الاكراد وموضع أحترام الخاصة والعامة من الناس لما تميز به من أداء رفيع وقدرة متميزة ومواقف وطنية يحتذی بها، ومن أهم المواقف الجديرة بالذكر هنا ذهابه إلی فلسطين عام 1948 ووقوفه إلی جانب فلسطين في الحرب ضد الامبريالية أضافة إلی كوكبة من المناضلين الاكراد الذين آزروا الثورة الفلسطينية، لقد عاش الفنان علي مردان حياة مريرة وعانی الفقر والعوز وكانت حياته سلسلة من المتاعب والمعاناة المريرة ولكنه لم يستكن وظل يواصل المسيرة لخدمة الفن والكورد وكوردستان، وجسد من خلال أغانيه الوطنية والعاطفية لوعة الاشتياق، إلی الوطن والحبيب وتغزل بمفاتن الحبيبة وبجمال الطبيعة الخلابة لكوردستان وعكست أغنياته بحق الحزن والفرح في نفس الوقت، والفراق والوصال وتعد أغنياته ومقاماته الشجية مونولوجاً جميلاً يصور الاحداث وفق هارمونية الصوت المعبر القادر علی التنغيم، كما ان مساحات صوته قادرة علی التغيير فتدريسه للموسيقی والصولفيج علی الاخص كان عوناً كبيراً في مسيرته الفنية المليئة بالانجازات، وقد كرمته وزارة الاعلام تقديراً لهذه الانجازات ففي عام 1977 كرم من قبل وزارة الاعلام بمناسبة اليوم العالمي للموسيقی وأهدته شهادة تقديرية مع ميدالية ذهبية وهذا ان دل علی شيء أنما يدل علی الدور الكبير الذي ساهم فيه خدمة للفن الكوردي، هذه بعض الجوانب من سيرة ومساهمات الفنان الكبير علي مردان صاحب الصوت الخالد ومؤسس المقام الكوردي الاصيل.)هيمن غمبار)[1]