حاورها/ غاندي إسكندر
كوهر فتاح شاعرة كردية متألقة، هامت بالقلم عشقاً وبالحرف سحراً، لها حضورها الجميل في المشهد الشعري الكردي، ولديها لونها الشعري الخاص بها، لا تمل من الشعر ولا يمل الشعر منها، تكتب بلغتها الأم وتشجع عليها، في القصيدة تجد الفرح والحزن والعشق والملاذ الآمن، شاعرة مفعمة بالحب للحياة وللإنسانية.
ولمعرفة خلجات قلبها ونبض يراعها كان لصحيفتنا “روناهي” معها هذا الحوار.
كيف بدأت مسارات الشعر، والقصيدة عند كوهر فتاح؟
… ثمة مسارات ورؤى تُخلق في أذهاننا مذ لحظات وعينا لذواتنا، وعلى رغباتنا، ومع تشكل الوعي والإدراك، ومعهما التعمق داخل ذواتنا، والتمعن فيما حولنا، مع كل هذا نختار أي الكائنات سنكون، كيف ستكون ردات أفعالنا، ما هي آلياتنا لمجاراتها، مناجاتها، ومحاكاتها.
لطالما أحببت ذاك السرد العفوي الشفاف من أفواه جدي وأبي، أحببت قراهم الجبلية القابعة على تلك السفوح في قرى باكور كردستان، أحببت عنفوانهم وانسجامهم مع أحداث حكاياهم الموثقة عنهم، هم ذاتهم وكأنهم يعيدون ويكررون ذات الأحداث، كانوا يحضرون لي من خلال سردهم الألوان عينها، ذات العبق، تراني ساعة أتقمص إحدى الشخصيات، وساعة أقف متفرجة مذهولة حباً وشغفاً، أطمح إلى المزيد، وهكذا رموا بتلك البذور في وجداني إلى أن التحقت بالدراسة في كلية الآداب قسم اللغة الإنكليزية، أحببت الشعر والقصائد، أحببت شكسبير، وشيلي وأوسكار وإيليوت وغيرهم الكثير، قبل الجامعة أحببت الأدب العربي، رافقه هاجس قراءتي للجزري، وخانى وجكر خوين وبالو وتيريج، أحببت موسيقانا وفلكلورنا المتخم بالروعة والجمال.
ما هي رسالتك التي تسعين لتحقيقها من خلال الشعر؟
الشعر كباقي فروع الأدب متعددة الأشكال، ومختلفة الأساليب، يتصل بالحداثة، بدأت من قناعتي بأن الشعر يمتلك تلك القدرة الهائلة على تصوير الخارج، وفي ذات الوقت من الممكن أن يعكس داخل الشاعر كونه إنسان واع لديه الكم الكافي من الفهم والإدراك ليعكس داخله ويجاري ما يدور في محيطه من قضايا وأحداث مختلفة، الشعر وكما يقال كغيره من الفنون يعيش حالة الصراع مع الورقة، أن تحرر وتطلق العنان لتلك الأفكار، وتحولها إلى شعر مع حفاظك على ذاك الرونق الذي كان في عقولنا قبل أن يتحول على الورق، أن تجتهد لنقل ما استطعت تحصيله من معرفة بطريقة شعرية، كنوع من أنواع التعبير، والتواصل مع الآخرين عن قضايانا الوطنية والقومية المشتركة، عن المشاعر الخاصة.
هل تتخذ كوهر فتاح من القصيدة ملجأً لها للهروب من وضع ما، أم أنها تسبر أغوار الشعر للانفتاح على ما هو جميل؟
تبقى القصيدة ملاذاً جميلاً، تكون فيه قريباً من ذاتك حد الانصهار، أنا على الورق، ولا أحد سواي، أجمِّل الألم ما استطعت، أصقل تلك الهوة، وذاك الفراغ الفاصل بيني وبين ما هو كائن.
في رصيدك ثلاث مجموعات شعرية حبذا لو تحدثيننا عن ظروف إصدارهم وهل هناك مشروع لمجموعة قادمة؟
نعم، ثلاث مجموعات شعريه بعناوين stirana dawî ji tîpa helbesta min î yekem عن دار “سه ر سرا “طبعت في برلين، عبارة عن قصائد باللغة الكردية، يحتوي النتاج على ستين قصيدة نثرية، غير مقفاة، yazdehok عن دار “سه ر سرا” أيضا، هذا الكتاب هو أسلوب جديد في كتابة القصيدة، ونمط جديد أنا من بدأت بكتابته، هي قصيدة تتكون من إحدى عشرة كلمة موزعة على خمسة أسطر على التوالي/كلمة، كلمتين، ثلاثة، أربعة، واحدة/.
هي قصيدة مختزلة من الممكن أن تكون تعبيرية، أو تجريدية أو وصفية أو إيحائية، يعود هذا لرغبة الكاتب، هي ليست بالقصيدة السهلة، ولا الصعبة لكنها توحي بحرية، وأفق مطلق إن كان كاتبها متمكناً من حيث اللغة والفن، لا شروط لكتابتها إن كانت موزونة أم لا، ممكن أن تكون موزونة ومقفاة.
كتابي الثالث أيضا عنوانه “yazdehok” وهو صادرعن دار” آفيستا” آمد باكوركردستان، أطمح أن تصبح كتابة اليازدة هوك، نمطاً شعرياً شائعاً في كتابة القصيدة الكردية بين شعرائنا كنوع من التجديد مجارٍ للحداثة وللتغيير.
كيف تقيمين النشاطات الثقافية في “باشور كردستان” وماه ي مساهماتك الأدبية؟
كما نعرف منذ أكثر من عام تأثرت الحياة بمختلف جوانبها بما فعله فايروس كورونا، والحركة الأدبية كانت جيدة قبل هذا التغيير والركود، وقبل كورونا بأسوأ الاحوال كان هناك نشاط ضمن كل أسبوع، نأمل أن يعود الظرف إلى ما هو أفضل.
شخصياً لي مساهمات أدبية في مجالات عدة، منها أمسيات شعرية، ندوات أدبية، ومحاضرات، والآن أنا عضوة في لجنة تقييم في مجلة herd الأدبية، ونحن في صدد طبع العدد الثاني، أنشر قصائد في جريدة ريباز، وبيف، وفي إصدارات اتحاد الطلبة وغيرها.
كشاعرة ما موقع المرأة في شعرك؟
موقع المرأة ذاك الموقع اللبق اللائق بتلك الألفة، من خلال شعري أود أن أحيي مشاعر الأنوثة، والحب، وحجم الألم الذي تعانيه المرأة. في أشعاري المرأة هي المحاورة، هي من تعطي وهي من تختار لكل ذاك شريكاً، ألا وهو القارئ، النساء جديرات بأن يكنَّ في هكذا موضع لما سطرنه على صفحات التاريخ ولا زلن وفي كافة الميادين جنباً إلى جنب مع الرجل.
هل صحيح أن المرأة كشاعرة ما زال دورها ووجودها محدود أمام تسونامي الرجل الشاعر؟
يبرز دور المرأة الشاعرة أو غيرها في أي من المجتمعات مع نهضة المجتمع في مجالات التعليم، والسماح لها بالمشاركة في النشاطات الثقافية والاجتماعية والإنتاج الأدبي أسوة بالرجل، لربما دخلته متأخرة عن الرجل من حيث الكم لكن تصنيف جودة كتاباتها لا تقل عما يقدمه الرجل، مع انني لا أحبذ تصنيف الشعر أو الأدب تبعاً للجنس الإنساني.
كوهر فتاح ما وقع هذه الكلمات عليك وكيف تعبرين عنها “الحرب- الوطن- الغربة- الأم”؟
“الحرب”… تلك الآفة التي عاصرناها ولا نزال، إثم وخطيئة لا مبرر لها البتة.
“الوطن”… دونه وعداه كل آت هباء.
“الغربة”… أراني أسيرة كالحمام التواق للآفق اللامتناه، ألم يتسلل من بين أصابعي ليعود أدراجه ويستحوذ من روحي جل مساحتها.
“الأم” مطر… وحدها تروي روحي العطشى.
وكلمة أخيرة.. ماذا تقولين فيها؟
تحياتي لقراء روناهي، والشكر لكم لاستضافتي، مع دوام التألق في نتاجاتنا الأدبية، بالفكر وحده نرتقي.[1]