شفق نيوز/ احلام عسكر من مواليد بغداد، من أبوين كورديين فيليين، هي واشقاؤها وشقيقاتها ولدوا في بغداد ايضا، لكن صدام حسين كان يعتقد بأن العراق جمهورية عربية ويتوجب ان يكون جميع سكان العراق من العرب والا فلابد من ان يموتوا أو أن يخرجوا من العراق العربي، والكورد الفيليون هم اقلية معظمهم من الاغنياء والمتعلمين ونشطاء سياسيا واجتماعيا وثقافيا في بغداد، وكانوا في مقدمة الشبهات، بميزان صدام العنصري.
العراق وعاصمته بغداد التي كانت مظهرا لاساطير الف ليلة وليلة المليئة بالأسرار والرموز والعشق والمحبة وحتى مارد المصباح السحري الذي لم يكن يخرج من مصباحه الا لعمل الخير ومساعدة بني البشر.
وبغداد ملاذ للتعامل التجاري والثقافي ومهد العلم والفن والتصوف في الشرق، والتي عاش فيها الكورد والعرب والأعاجم والسنة والشيعة واليهود والمسيحيون الصابئة قرونا والاف السنين معا في تعايش، سواء في العهد البابلي القديم والاشوري ما قبل التاريخ والتي كانت عاصمة للساسانيين لخمسة قرون وهي اكبر امبراطورية في عهدها او في زمان كانت فيه عاصمة للخلافة الاسلامية العباسية التي كانت ايضا واحدة من اعظم دول الخلافة في العالم.
وحطم صدام هذه الشبكة الرقيقة لدرجة أن (أحلام)، وهي فتاة بريئة سماها والداها (بنت الأحلام) وهما محملان بألف أمل وحلم، فنزحت عن الوطن عن عمر يناهز 24 عاماً.
وكان ابوها من أقدم التجار في سوق الصفارين (الصفافير) في بغداد ويملك الجنسية العراقية، ولكن النظام سجن وغيب ابنه البالغ من العمر 17 عاما فقط مثل الاف الشباب من الكورد الفيليين الذين كان ذنبهم الوحيد انهم كورد فيليون ومن دون ان يكون لهم اي نشاط سياسي او ثوري او مسلح، وقد اختطفوا وقتلوا على يد المخابرات وما زال مصيرهم مجهولا.
اب صادروا امواله التي تشمل عددا من المحال في سوق الصفارين في بغداد وبيت كان في شارع فلسطين قريبا من ساحة بيروت وكان عليه أن يبقى من دون علم بمصير ابنه الذي أسر، مع زوجته المعذبة، بينما بقيت بناته المتزوجات في بغداد في العراق، وبينما أُلغيت جنسيته العراقية، تم تسفيره الى ايران خالي الوفاض.
وهكذا كانت الشابة احلام التي بجريرة كونها كوردية فيلية، وهكذا أصبحت أحلام الشابة بغداد بانتظار مستقبل ملؤه انتظار أن ترى أخاها وأختها وابناء اخواتها، ومدرستها الابتدائية وحيها الذي ولدت فيه ووطنها الأم، وجعلت من حياتها سرداً مؤلماً لمأساة إنسانية، سمته (جينوسايد الكورد الفيليين)، الذي كانت نتيجته بعد نصف قرن من بداية الجينوسايد الشامل في البلاد، 22 ألف شاب من الضحايا. مصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة، وضياع الطفولة والأحلام والمستقبل، وحياة مدمرة. لم تدخل قضيتهم في برامج عمل ومهام كل هؤلاء المطالبين بحقوق الإنسان، في العهد الحاضر الذي يدعي التحضر في العراق الحديث.
وحسرات والد أحلام المتوفى، الذي دمرت أحلامه بالسعادة والبقاء معاً من أجل أسرته، بما اقترفته الديكتاتورية العنصرية، وهو أب كان يحلم، مع زوجته، بلقاء ابنه وبناته وبيته، ومتاجره ومحاله التي بناها من رزقه الحلال، وكذلك الحي الذي كان يعيش فيه، ومات في المنفى وهو مشتاق وبعيد عن الوطن.
بهذه المقدمة تحاول شفق نيوز ان تبدأ بحوار ذي شجون مع أحلام وما تريد أن تقوله..
شفق نيوز – بداية، من هي أحلام عسكر؟
أحلام: أنا ولدت في بغداد، دخلت الجامعة هناك ودرست فيها الإحصاء وحصلت على شهادة البكالوريوس.
شفق نيوز- أنت واحدة من الناشطات ومشاركة في المراسم السنوية لاحياء ذكرى الشهداء الفيليين، لماذا؟
احلام: جميع الشهداء هم اخواني وخصوصا شهداء الكورد الفيليين واخي الشهيد المظلوم اركان عسكر، وانا ارى ما أقوم به هو من واجبي اذ يتوجب علينا استذكار الشهداء وان ننقل هذا الاستذكار الى الاجيال اللاحقة.
شفق نيوز- أنت ناشطة في أي مجال ثقافي وأدبي؟
احلام: انا اكتب المذكرات والشعر والمقالات وسابقا كنت منشغلة في مجال تهجير الكورد الفيليين وعن الشهداء، حاليا، من خلال جمع من الأخوات الكورديات الفيليات في مجموعة الفيسبوك، سيما أنه بعد تهجيرنا من العراق، المجموعة انتشرت الآن إلى العالم واصبح من الممكن أن يكون لها تواصل، ولكن بعيدا عن السياسة، لمجرد جمع الأخوات الكورديات الفيليات.
شفق نيوز- بأية لغة؟
احلام: حقيقة نحن نكتب باللغة العربية، انا لا اعرف الكتابة باللغة الكوردية! انا دائما اتكلم الكوردية مع عائلتي واصدقائي، ولكن التعبير والكتابة باللغة العربية أكثر سهولة بالنسبة لي.
شفق نيوز- بعد تهجير الكورد الفيليين من العراق، ماذا تتذكرين، كم كان عمرك حينها؟
احلام: لن يمحى من ذاكرتي اي شيء من ايام تهجيرها ظلما وجورا، واخي الذي اخذوه منا، لقد تم تهجيرنا عام 1980 وكنت في الرابعة والعشرين من عمري ومع والدي وأمي، رحمهما الله وأخي الصغير وزوجة مع اثنين من أبناء أخي، لكن اثنين من إخوتي انضموا إلينا لاحقاً عبر كوردستان، فيما بقيت شقيقتاي المتزوجتان في العراق.
شفق نيوز: هل كنتم تمتلكون الجنسية حينها؟
أحلام: نعم، كنا نمتلك الجنسية وشهادة الجنسية العراقية.
شفق نيوز: تحدثي لنا عن ذكريات التهجير من العراق والصعوبات التي لاقيتمونها.
احلام: في اليوم الذي جاء فيه البعثيون الى بيتنا قالوا لوالدي ان عندنا امرا بمصادرة داركم وكان اخي الشهيد في المدرسة ولم يكن في البيت وكان شقيقي الاخر في البصرة يدرس في الجامعة ولم يكن شقيقي الكبر موجودا في البيت وكان له طفل ذو اربعة اشهر، وجمعنا انفسنا على عجل وانا كنت ابكي وكان احد العناصر الامنيين يقول لأمي اذا لم تسكت فسوف اضربها! واركبونا جميعا في سيارة واحدة الى غرفة مهيأة لسجن العوائل وهناك جاء اخي الشهيد من المدرسة فجاء به الى السجن احد جيراننا الذي كان بعثيا ففرحنا نحن بمجيئه ولكن فرحتنا لم تدم فعندما جاء الليل اخذوا جميع الشباب ومنذ ذلك اليوم لم تقع عيني على اخي لحد الان.
وبعدها بيوم واحد اخذونا الى مكان خاص للعوائل ولكن كان المكان ضيقا لحد اننا لم نستطع ان ننام في الليل اذ كان ابي والرجال الاخرين يتجمعون في مكان واحد لكي تستطيع النساء ان يمددن ارجلهن قليلا. كان سلوك البعثيين معنا غليظا جدا وكان الطعام رديئا جدا بحيث لم نستطع تناول شيء منه.
وبعد مرور اسبوعين في صبيحة احد الايام جاء عدد كبير من البعثيين وهم يحملون الدفاتر وجمعوا العوائل ونادوا باسمائنا، صدق ان العوائل التي لم يتم قراءة اسمائها كانت تنزعج لان الذهاب كان افضل كثيرا من البقاء هذا السجن، اختصارا ، اخذونا يوما الى ملعب الشعب وهناك جاء برزان التكريتي اخو صدام حسين لرؤية العوائل ويطمئن على اننا سنذهب وكان هناك عندما اركبونا في سيارات واخذونا الى الحدود الايرانية في سربيل زهاب وهناك ايضا واجهنا المشكلات حيث توجب على جميع هذه العوائل ان تسير في منطقة حربية وقضينا يوما كاملا في الحدود ومن ثم تفرقنا، وكنت انا مع زوجة اخي مع طفلها واختي مع ابي وبيننا والدتي ولم اكن اعرف ما الذي حصل ولكن بعد فترة جاءت امي مع سيدات اخريات خلفنا ووصلنا ليلا يعني تقريبا في الساعة السادسة مساء وقد توفيت عدد من السيدات في الطريق وعندما وصلنا الى المخيم (اوردگاه) كرماشان ولم تصل والدتي وكنا نظن انها توفيت في الطريق لانها لم تكن مع السيدات وبعد ان تحركنا مرة اخرى تجاه مخيم (جهرم) وبعد ثلاثة ايام وصلت والدتي الى جهرم وتعرضنا للتعب والاهوال الى ان وصلنا الى طهران.
شفق نيوز: اذا عاد بك الزمان، وكان لك حرية الاختيار، ماذا كنت ستفعلين؟ من اجل الا تتكرر هذه الحوادث؟
احلام: حتما الزمان لا يعود الى الوراء، ولكن اذا حدث ذلك فحينها كنا سنقوم بشيء من اجل اخراج اخوتي من العراق والذي كان من ضمنهم شقيقي الاصغر الذي غيبوه في السجن واصبح شهيدا ومفقود الاثر.
شفق نيوز-هل ترين ان التعريب والابادة الجماعية الثقافية هي الاصعب ام الانفال والمقابر الجماعية او الحرمان من الجنسية؟
احلام: بشأن التعريب انا لدي وجهة نظر ترتبط بنا نحن الذين يتوجب على العوائل ان تسعى للحفاظ على اصالة اللغة الكوردية والتي يتوجب ان يكون التخاطب داخل العائلة وبين افرادها والاقرباء هي اللغة الكوردية، وانا اعرف الكثيرين ممن اصلا لا يتقنون اللغة الكوردية وهم من قاموا بتعريب انفسهم بايديهم ونحن نسميهم المستعربين، وكذلك على الادباء والمثقفين السعي للكتابة في التاريخ الكوردي الفيلي والتحقيق بشأنه، في الحقيقة ان الناس وخصوصا الكورد الفيليين مقصرون وخصوصا الذين يعيشون حاليا في العراق ، لا ادري ما هو هاجسهم وخوفهم من تاريخهم واصولهم ولا يرضون بالواقع.
وحتما الاصعب منها كان الانفال، فمن دون ادنى رحمة تم سجن شبابنا واستشهدوا في سجون صدام. باي ذنب قتل هؤلاء؟ مع الاسف لا يوجد اي خبر عن هؤلاء لحد الان وعن استشهادهم بل حتى لا نعلم عن مكان دفنهم شيئا.
شفق نيوز- ما اسم شقيقك الشهيد وكم كان عمره اثناء اعتقاله؟
احلام : اسمه الشهيد اركان محمود عسكر وكان في 17 من العمر اثناء اعتقاله. ولم يكن قد مارس اي عمل سياسي او مسلح ضد الدولة.
ونحن لا نعلم متى استشهد ولكن شقيقاتي يؤكدن ان زيارته في المعتقل انقطعت عام 1986 م ولم يرينه بعدها ابدا.
شفق نيوز- ماذا عن مكانة الكورد الفيليين في القانون وفي العمل في العراق عهد صدام والعهد الجديد الحالي؟
احلام : في عهد صدام الذي كان أسوأ العهود وانتهى بتهجير الفيليين من العراق ومصادرة جميع اموالهم المنقولة وغير المنقولة وقتل الاف الشباب الفيليين. وفي هذا العهد ايضا لدينا مشكلات والكورد الفيليون الذي لايملك الكثير منهم الجنسية العراقية لحد الان وحتى انهم لا يملكون الجنسية الايرانية ايضا ولم تتم اعادة املاكهم بشكل كامل لحد الان.
شفق نيوز- كيف كان اللقاء الاول مع الاقارب والاخوات في العراق بعد سقوط صدام؟
احلام: عندما سقط صدام وبعد عدة اشهر اجتمعنا نحن العوائل وقررنا العودة الى العراق ودخلنا ارض العراق عن طريق اقليم كوردستان لاول مرة كلنا بدأنا بالبكاء لاول لقاء في الوطن بعد مضي 23 عام وبالتأكيد عندما رأتني شقيقتاي لم تصدقا لانهما لم تكونا تعرفان بعودتي وغمرتنا السعادة ولم نصدق اننا اجتمعنا معا مرة اخرى وفي اول فرصة قمنا بزيارة امير المؤمنين، فرأيت ان شقيقتاي في وادي السلام صنعتا قبرا لاخي الشهيد وهو حتما قبر فارغ ولكن كان يشكل ذكرى من اخي وهو امر صعب جدا، ذلك اليوم بكيت كثيرا كما لو كان يوم تبليغنا باستشهاده.[1]