صناعة الفخار من المهن الإنسانية القديمة توارثتها الأجيال حتى يومنا الراهن، مسياك أنتونيك بدروس ورث المهنة من أبيه وأجداده ولا يزال يمارسها إلى اليوم.
يمتد تاريخ اكتشاف الفخار وصناعته إلى آلاف السنين قبل الميلاد، حيث تم استخدام الطين وتشكيله بأشكال مختلفة على يد الإنسان على مر التاريخ، فتارة اُستخدِم الطين في صناعة الجدران وتارة في صناعة التماثيل، وقبل اكتشاف الكتابة، شكلت بقايا الفخاريات مصدراً لمعرفة التاريخ. ولكن؛ مع الأسف، فإن التطور التقني يكاد يقضي على هذه المهنة، إلا بعض الأشخاص قضوا حياتهم في الحفاظ على هذه المهنة، وميساك أنتونيك بدروس من أهالي مدينة قامشلو أحد الأشخاص الذين لا يزالون يمارسون المهنة منذ 65 عاماً.
مهنة توارثها الآباء والأجداد على مدى 450 عاماً
تعود أصول ميساك أنتونيك بدروس إلى ناحية نورشين في بتليس، هاجرت أسرته إلى مدينة قامشلو عام 1917، جراء الإبادة الجماعية التي ارتكبها العثمانيون ضد الشعب الأرمني في تركيا عام 1915، ويبلغ بدروس من العمر 83 عاماً، قضى منها 65 عاماً في صناعة جرار الفخار، بعدما ورث المهنة من والده، وعلمها أيضاً لأبنائه الثلاثة. بدروس تحدث لوكالة أنباء هاوار عن قصته مع صناعة الفخار، التي ورثها عن أجداده وحافظ عليها حتى يومنا.
بدأ بدروس العمل في مهنة صناعة الفخار حين بلغ من العمر 21 عاماً، وسرد لوكالة هاوار قصته مع المهنة كما لو أنه يسرد قصة طويلة: “والدي علمني إتقان هذه المهنة، وهو بدوره تعلم المهنة من والده، أسرتنا توارثت هذه المهنة منذ 450 عاماً ولا زلنا نحافظ عليها ونتوارثها، وهذا مُسجل أيضاً في شجرة الأسرة، وأنا بدوري نقلت المهنة إلى أبنائي، حيث تعلمها أحدهم بحرفية، أما البقية فإنهم يعدون الطينة ويساعدون في تسخين الفخار في الفرن، وهناك أيضاً أعمال لا يعرف أبنائي إنجازها أقوم بها أنا”.
كنا ننتقل في كل فصل إلى قرية جديدة
ويواصل بدروس سرد بقية قصته: “في السابق كنا نتجول في القرى، كنا ننقل معداتنا الخاصة بالعمل في كل فصل إلى إحدى القرى لنواصل عملنا هناك، لقد ذهبنا إلى قرى جكر بازار، أوزملر، خربي كوجك، مركي، برا باسل، سنجقي، ديكي، مريكس، وأيضاً في الداودية القريبة من سري كانيه. عملنا في كل هذه القرى، كما عملت في مهنة صناعة الفخار بمدينة البصيرة في دير الزور لمدة ثلاثة أعوام، قديماً كانت معظم أدواتنا نصنعها من الخشب، لم نكن نستخدم المعادن، سابقاً لم تكن الزيوت المعدنية التي ندهن بها ميل الصاج موجودة، كنا نستخدم بدلاً منها دهون الحيوانات، الآلة التي نعمل عليها قديمة جداً، قمنا بتعديلها قليلاً من أجل العمل عليها. سابقاً كنا نستخدم الأقدام في إدارة الدولاب، أما الآن فقد وضعنا عليه محركاً كهربائياً، لسهولة العمل.”
ويبيّن بدروس أن هناك أنواعاً مخصصة من التراب تصلح لصناعة الطين الخاصة بالفخار وهو التراب المعروف باسم “بيلون”، ولا يمكن استخدام أي نوع كان، يقول: “نجلب التراب الخاص بصناعة جرار الفخار، في البداية نقوم بغسل التراب ومن ثم نقوم بعجنه بالأقدام، وبعدها نعجنه بالأيدي، ومن ثم نضعه على الآلة ونقوم بصنع الأشكال التي نريد عن طريق دوران دولاب الآلة”.
أنتون ميساك أنتونيك بدروس هو ابن ميساك، يقول إنه تعلم مهنة صناعة الفخار من والده: “أنا ابن ميساك، تعلمت هذه المهنة من والدي، لقد هاجرنا من بلادنا جراء المجزرة التي ارتكبها العثمانيون ضد الأرمن، وأنا أمارس هذه المهنة منذ 25 عاماً مع اثنين من أشقائي، لقد ورثنا هذه المهنة من أجدادنا، حالياً تقدم والدي في العمر، لذلك نحن نعمل بدلاً عنه.”
وحول عمله اليومي يقول أنتون بدروس: “لا توجد ساعات معينة لعملنا، نعمل بحسب الحاجة، وبحسب الطلبات الموجودة، يأتي التجار ويطلبون كميات الفخاريات التي يريدونها، نقوم بصناعة الجرار الخاصة بالأعراس، جرار الماء، والمزهريات، والجرار تستخدم بشكل عام من أجل وضع الماء. هناك بعض الأشخاص الذين يطلبون جراراً كبيرة من أجل وضع الماء فيها؛ لأن الجرار الفخارية تحافظ على الماء نقياً وبارداً”.
نحنُ نتعب والتّجار يستفيدون
وتابع ميساك أنتونيك بدروس حديثه قائلاً: “قبل 40 عاماً كان هناك العديد ممن يمارسون هذه المهنة، أما حالياً لا يوجد غيرنا يعمل فيها في كامل مناطق شمال وشرق سوريا، ونحن نبيع بضاعتنا للتجار، وهم ينقلونها إلى المناطق الأخرى ويبيعونها، نحن نتعب في هذا العمل ولكن الربح الأكبر يحصل عليه التجار. نحن نشتري التراب بأثمان غالية، إضافة إلى أجور النقل، نحن ثلاثة أشخاص نعمل هنا، ومع ذلك لا نستطيع تأمين حياتنا اليومية. ولكنه؛ يبقى أفضل من أن نعمل عند الآخرين في العتالة وغيرها، نحن نستخدم الخشب في إشعال الفرن وصنع الفخار، ونحصل على الأخشاب غالباً من بقايا محال النجارة”.[1]