يرى الأديب والمترجم الكوردي عبدالله البرزنجي أن الهموم الإنسانية إحدى غايات الأدب، وينشغل دائماً بالعلاقة بين الإنسان والطبيعة، وقال في حوار إنه لا يميل إلى وضع كتبه في خانة النص المفتوح، كما أنه لا يجد أثراً مباشراً للصوفية في شعره، على الرغم من نشأته في بيئة دينية صوفية...
حاوره: أحمد الجمَّال
يرى الأديب والمترجم الكوردي عبدالله البرزنجي أن الهموم الإنسانية إحدى غايات الأدب، وينشغل دائماً بالعلاقة بين الإنسان والطبيعة، وقال في حوار إنه لا يميل إلى وضع كتبه في خانة النص المفتوح، كما أنه لا يجد أثراً مباشراً للصوفية في شعره، على الرغم من نشأته في بيئة دينية صوفية. كما تحدث البرزنجي، الذي يتنوع إبداعه بين الشعر والقصة، إلى جانب الترجمة والنقد، عن نقاط الالتقاء بين الأدبين العربي والكوردي، لافتاً إلى وجود قلة في نقل الأدب الكوردي إلى اللغات الحية ومنها العربية... وفيما يلي نص الحوار:
● إلى جانب تركيزك على الهموم الإنسانية، ما القضايا العامة التي تستهدف تسليط الضوء عليها في أعمالك؟
- التركيز على الهموم الإنسانية غاية من غايات الأدب، ولا يخلو أي أدب، أينما كان، من هذا الهم، إذا لم يكن الهم الإنساني ضمن مقاصد الأدب فلم يُكتب إذن؟ الإنسان وعلاقته بالأرض، والموضوعات الايكولوجية وأزمة العلاقات بين الإنسان والطبيعة تشغل بالي في الأدب بغية طرحها بلغة موحية، ويلمس القارئ نزعة شكلية وميتافيزيقية في شعري، ويلاحظ اهتمامي بالعلاقة القائمة بين السواد والبياض وكتابة النص التجسيدي البصري أيضا.
● دراستك للغة العربية، ونشأتك في بيئة دينية صوفية كيف انعكست على لغة الكتابة لديك؟
- كتاباتي باللغة العربية سبقت دراستي لها على مستوى أكاديمي، لكن الدراسة الأكاديمية وتعمقي فيها زادت من اطلاعي المتنوع على الأدب العربي، وأكملت المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية باللغة العربية أيضاً، وبالتأكيد يفرز واقع كهذا تأثيراً عميقاً في لغة الكتابة، غير أن هذا لم يقلل من أدائي التام للغتي الأم (الكوردية).
أما بصدد تأثيرات البيئة الصوفية فأقول إنها لم تنعكس على أدبي، رغم وجود بعض التقارب بين الأجواء الصوفية والتخييل الشعري الذي يؤثر إيجاباً في عملية تنشيط الوظيفة الشعرية، وربما يظهر أثر الصوفية بدون قصد أو وعي، قد تجد كاتباً ماركسياً يوظف عوالم التصوف وتراثه ومفرداته في أدبه ويلبسها ثوبا ثوريا معاصرا وحديثا، وبالنسبة إليّ لا أجد أثرا مباشراً ومقصوداً للصوفية في شعري، وربما يعرض قارئ رأيا معاكساً لرأيي.
أما في بعض كتاباتي النقدية فتجد اهتمامي بانعكاس الصوفية والأسطورة لدى بعض الشعراء والأدباء في قصصهم وأشعارهم، كتبتُ دراسة نقدية تأويلية حول شعر الشاعر الكوردي رفيق صابر، ومدى قدرته على استقدام معالم ورموز صوفية إلى نصه، ولمواجهة الأزمات الصعبة في بعض الأزمنة، يلجأ الشاعر أحيانا إلى توظيف الرموز والإشارات الصوفية والأسطورية، خاصة حين لا يجد حلولا واقعية لها، فيلوذ بأجواء الأسطورة والتصوف.
● تجاوز نتاج أعمالك الأدبية الأربعين كتابا، لكن يبدو مشروعك الخاص بترجمة الشعر العربي إلى الكوردية هو الأبرز، ما صحة ذلك؟
- لم يتركز مشروعي في الترجمة في نقل وترجمة الشعر فقط، بل تنوع كثيرا، فشمل ترجمة الأدب الفارسي أيضاً إلى العربية والكوردية، إضافة إلى ترجمة نماذج من الأدب الأفغاني المكتوب أساساً بالفارسية، إضافة إلى جهودي النقدية، عُرِفتُ في الوسط الكوردي والعربي في العراق بأنني أحد المترجمين الكورد الذين ألقوا على عاتقهم نقل الشعر الكوردي إلى اللغة العربية.
إن معظم الأدباء الكورد، بخاصة من الأجيال السابقة يتقنون اللغة العربية، ليس لدينا نقص في هذا المجال، النقص يكمن في قلة من يضطلع بترجمة الأدب الكوردي إلى العربية، من هنا جاء اهتمامي الأكثر بالمشاركة في سد هذا النقص، هذا مطلب في وسطنا الثقافي يلح عليه القراء والأدباء. حركة الترجمة من العربية إلى الكوردية تنشط ولا غبار عليها، بيد أننا نعاني نقل أدبنا الكوردي إلى اللغات الحية، ومنها العربية، فهناك إبداع كثير، نصوص ثرية رائعة، وفي مقابل ذلك نجد قلة من يُعنى بهذا الموضوع.
● على أي أساس تختار نصاً شعرياً لترجمته؟
- جمال الموضوع وعمق الرؤية والأجواء الغريبة واللغة الشعرية البعيدة عن المباشرة، هي التي تفرض عليَّ نصا شعريا لترجمته، ربما تجد شاعراً متمرساً ذا تجربة طويلة ولكن لا تتوافر هذه الشروط كلها في كل نصوصه، هنا ألجأ إلى المفاضلة، وأختار الأجمل من بين نصوصه.
في أدب كل الشعوب نصوص جميلة يمتاز بعضها ببساطة آسرة، لكن لا تروضها مهارات المترجمين في كل الأوقات، لأن هذه البساطة الشعرية تزول أحياناً عبر الترجمة، لا يبقى بهاء معظم هذا النوع من النصوص أثناء عملية النقل.
● إلى أي مدى تسعى إلى كسر الحواجز بين الأجناس الأدبية كونك تبدع في مجالات عِدّة كالشعر والقصة والترجمة؟
- سؤالك هذا يقودني إلى نظرية الأجناسية والنص المفتوح التي أكدها نخبة من نقاد الستينيات، أي تضاؤل الفوارق بين الأجناس الأدبية والتعويل على إبداع كتابة بعيدة عن تفرد جنس أدبي واحد وهيمنته على النص.
إذا كنتَ تقصد كتابة النص المفتوح المنفتح على الأجناس الأدبية والفنية الأخرى، الذي يحمل استعدادات كثيرة لِتَحَمُل ِقراءات متعددة وتأويلات مفتوحة، إذا كنت تقصد بهذا السؤال، النوعَ الذي ورد في كتابات أمبرتو إيكو ورولان بارت النقدية، فأنا لم أكتب نصاً مفتوحاً، رغم أنني كتبتُ نصوصاً أفادت من النثر والحوار والفنون واستوعبت قراءات متنوعة، لكنني لا أميل إلى وضعها في خانة النص المفتوح. باعتقادي أن كتابة النص المفتوح نادرة ولم يمارسها الشعراء بكثرة، وهي تجربة صعبة. النوع الشعري الغالب اليوم هو الشعر الحر غير الموزون وقصيدة النثر، لكنني كناقد تناولتُ النص المفتوح ودرستُ أمثلة منه.
● هذا التنوع في الفنون الإبداعية بالتأكيد له مزايا وعيوب... حدثنا عن ذلك؟
- بالتأكيد له مزاياه وعيوبه، ربما يبحث كل موضوع عندما يتبلور لديك، عن جنس ما، في لحظات يريد حِسك البحث عن جنس ما فيختار فن الشعر، وينمو موضوع آخر فيفرض عليك جنساً أدبياً آخر، في هذه الحالات يسعفك التنوع الأدبي وينتقي لك الجنس الأمثل لتلك اللحظة، المزايا كثيرة ويكمن بعض عيوب هذا التنوع في تشتيت وبعثرة طاقاتك وخلخلة تركيزك وخلق القلق فيك.
● من واقع تجربتك الثرية مع الترجمة، ما السمات المشتركة بين الأدبين العربي والكوردي؟
- ثمة سمات مشتركة كثيرة بين آداب الشعوب الشرقية الإسلامية، في هذه العجالة يمكننا الإشارة إلى هيمنة الأغراض الفنية: المدح والغزل والوصف والفخر والغزل بالمذكر (في الشعرين العربي والكوردي) في مراحلهما القديمة، سلطة العروض وتأثير الدين وتجلياته في نصوص كوردية وعربية.
وفي المرحلة الحديثة نجد تزامنا في تحرر هذين الشعرين من تلك الأغراض القديمة والابتعاد عن سلطة العروض، والإفادة من النثر لكتابة الشعر، مثلا، نشأت وظهرت بوادر الحداثة الشعرية في الأدبين الكوردي والعربي في العقد الأول أو الثاني أو الثالث من القرن العشرين، محاولات بدائية تطورت لاحقاً، وظهر الشعر المنثور وقصيدة النثر في فترة زمنية متقاربة.
أظن أن الحداثة في الشعر الكوردي والعربي والفارسي، حسب علمي واطلاعي على آداب هذه الشعوب، ظهرت في زمن متقارب، ولها سمات وإشكاليات متشابهة. درستُ هذا الموضوع بالتفصيل في كتابي قصيدة النثر، النشأة والإشكالية والتحول، الشعر الكوردي والعربي والفارسي أنموذجاً.[1]