منذ ايام شبابنا الفنا وجها مشرقا يطل علينا من الشاشة الوحيدة التي كانت تلتقطها اجهزة التلفاز في المنازل. فقد كان صوته شجيّا وتقديمه لنشرات الاخبار وفقرات برامج القناة الكوردية الوحيدة بلغته الكوردية السلسة، حتى بات النجم الاعلامي الابرز عبر الشاشة الصغيرة. انه الاعلامي هاشم جباري شيخ المذيعين الكوردستانيين عبر الشاشة الصغيرة...
حاوره: طارق كاريزي
منذ ايام شبابنا الفنا وجها مشرقا يطل علينا من الشاشة الوحيدة التي كانت تلتقطها اجهزة التلفاز في المنازل. علاوة على طلته المشرقة كاعلامي انيق، فقد كان صوته شجيّا وتقديمه لنشرات الاخبار وفقرات برامج القناة الكوردية الوحيدة بلغته الكوردية السلسة، تبعث الحب والود في قلوب المشاهدين، حتى بات النجم الاعلامي الابرز عبر الشاشة الصغيرة. انه الاعلامي هاشم جباري شيخ المذيعين الكوردستانيين عبر الشاشة الصغيرة.
الجلوس والتحاور مع هذه الشخصية الاعلامية تظهر الكثير من متاعب مهنة الاعلام والصحافة، خصوصا وانه عمل في مؤسسة دولة فرضت رقابة صارمة على المواد الاعلامية، وكان كل كلمة تذاع عبر القناة يمكن ان تتحول الى قنبلة موقوتة او مادة للجدل ومن ثم التعقيب والمحاسبة. ضمن هذه الاجواء الملغومة عمل شيخ المذيعين عبر الشاشة الصغيرة الاستاذ هاشم جباري. وخلال زيارة له الى مكتبة كاريز، اغتنمنا الفرصة وطرحنا عليه عدد من الاسئلة، وكانت البداية بالسؤال التالي:
*يهمنا ويهم جمهور المتابعين ايضا معرفة حيثيات العمل في قناة تلفزيون كركوك، فهل من ايضاحات؟
-بدأت قناة تلفزيون كركوك بثها منذ عام 1967، وكان البث شبه تجريبي ولمدد قصيرة. ونظرا للخصوصية الثقافية لكركوك وعموم كوردستان، فقد تم تخصيص برامج هذه القناة للناطقين بغير العربية من العراقيين. وبذلك فقد شهدت القناة تقديم برامج باللغات الكوردية والتركمانية والسريانية علاوة على العربية. البداية كانت محدودة جدا، حدا يمكن ان نقول بانه كان بث رمزي، مع هذا فقد كان له وقعه لدى جمهور المشاهدين، لان برامج هذه القناة كانت الوحيدة التي تصل بيوت المواطنين. وبعد اعلان الحكم الذاتي لمنطقة كوردستان عام 1974 من قبل الحكومة العراقية ومن طرف واحد، سمي تلفزيون كركوك بقناة التلفزيون الكوردي وشهدت مدة البث زيادة كبيرة. وللتذكير نقول بان بث البرامج الكوردية بدأ يم 18/7/1968 ولمدة 15 دقيقة فقط، وتم زيادة البث الكوردي عام 1972 ليصبح 40 دقيقة في اليوم، فيما اعلن تلفزيون كركوك كقناة كوردية تبث برامجها يوميا لمدة 6 ساعات متواصلة منذ عام 1974، وبعد اندلاع الحرب العراقية الايرانية، اخذت البرامج باللغة التركمانية تبث من قناة كركوك الكوردية ولمدة ساعة واحدة في اليوم وكذلك يوميا 30 دقيقة باللغة السريانية. علاوة على ثلاث ساعات بث برامج باللغة الكوردية نهارا، ماعدا برامج فترة البث المسائي.
*كيف كانت آلية العمل في قناة تلفزيون كركوك؟
-من المعروف بان تلفزيون كركوك هو اول قناة بثت برامجها باللغة الكوردية قبل اكثر من خمسة عقود. وجاء بث هذه البرامج من خلال تعاطي الدولة العراقية مع مواطنيها من الناطقين باللغة الكوردية، ومن ثم فقد شهدت هذه القناة حالات من المد والجزر وفق الاوضاع السياسية وكيفية تعاطي الحكومة العراقية مع القضية الكوردية التي شهدت بدورها الكثير من التقلبات والتجاذبات وحالات من الشد والجذب والانفراج. وطبقا لهذه الاوضاع ومع ادراكنا لكون الاعلام كان حتى عام 2003 محصورا بيد الدولة ومؤسساته المعنية، عليه فان العمل فيها كان يخضع لآلية رقابية تتوافق مع سياسة الدولة، وبذلك كان العمل الاعلامي يخضع لشروط ومحددات لا يمكن تجاوزها ابدا. باعتقادي كانت الحرَية متاحة ضمن نطاق دائرة الحضر السياسي.
*باعتقادك، كيف تقوّم دور قناة كركوك الكوردية في مخاطبة جمهور المشاهدين في كوردستان العراق؟
-من دواعي سعادتي ان قناة تلفزيون كركوك كاول قناة تلفزيون ناطق بالكوردية في العراق، وربما على مستوى عموم اجزاء كوردستان، لقي المزيد من الترحاب في الوسط الجماهيري. ويجب ان لا يغرب عن البال بان هذه القناة كانت النافذة الوحيدة التي تطل على جمهور المشاهدين في كافة محافظات ومناطق كوردستان العراق والمناطق الكوردية الحدودية المجاورة في كوردستان ايران وتركيا، وبذلك فقد كانت القناة تتمتع بمتابعة جماهيرية واسعة، وقد استقطبت الطاقات الفنية والثقافية الكوردستانية وتوجهت كبريات الفرق الموسيقية الكوردستانية والمطربين الكوردستانيين الى تسجيل نتاجاتهم في هذه القناة او في بغداد لبثها تاليا عبر شاشة تلفزيون كركوك، علاوة على الكثير من الاعمال الدرامية لفرق المسرح والتمثيل والدراما الكوردستانية، حتى باتت هذه القناة المرجع الاكبر للارشيف الصوري الكوردي لمدة ربع قرن خصوصا في مشوار البداية. وهذا الامر من دواعي اعتزازنا الكبير.
*وما قصة الارشيف الذي تتحدث دوما عنه وفي كثير من المناسبات؟
-بالاشارة الى فحوى اجابتي على السؤال الماضي، نحن نعلم بان قناة تلفزيون كركوك كانت على مدى ربع قرن من الزمان المرجع الوحيد بالنسبة لبرامج ومحتويات البث الصوري باللغة الكوردية. وبذلك فقد استقطبت هذه القناة رغم محدودية الامكانيات آنذاك خيرة النتاجات الفنية بفرعيها الغنائي والدرامي، علاوة على سلسلة من البرامج المنوعة والثقافية بل وحتى العلمية. كل هذه النتاجات تعد الآن ارشيفا نادرا فيما يتعلق بالاعلام الكوردي المرئي. ويمكن تصنيف هذا الارشيف وفق الآتي: 1552 اغنية بثلاث لغات (الكوردية، التركمانية والسريانية) بالابيض والاسود و658 اغنية بالالوان وباللغات الثلاثة، اجمالي الاغاني الكوردية في هذا الارشيف هو 851 اغنية بالابيض والاسود مصورة ومسجلة على 476 شريطا بقياس 2 انج ابيض واسود، وكذلك 158 شريطا ملونا. ويضم الارشيف كذلك 107 تمثيلية وعملا دراميا باللغة الكوردية بالابيض والاسود و14 عملا دراميا كوردية بالالوان، اضافة الى 10 اعمال درامية بالابيض والاسوج باللغة التركمانية. لقد بذلت الكثير من الجهود من اجل حفظ وصيانة هذا الارشيف الفني، وفاتحت الكثير من الجهات الكوردستانية، لكن من دون جدوى حتى الآن. باعتقادي ان هذا الارشيف كنز فني ثمين يستحق كل العناية والاهتمام، وضياعه او تعرضه للتلف خسارة كبيرة لن تعوض. اقولها بكل اسف، رغم محاولاتي العديدة وعن طريق العديد من القنوات، ورغم الاستجابات العديدة والوعود المتنوعة، الا ان مشروع حفظ هذا الارشيف لم يتحقق حتى الآن.[1]