الحاج عمر عزيز رسول، من مواليد 1937 في قضاء مخمور. إلتحق بالجيش في أربيل في عهد الملك فيصل الثاني في العام 1957، ثم نقل إلى كركوك، وبعد الانقلاب على النظام الملكي نقل إلى بغداد لتسند إليه المسؤولية عن الحماية الخاصة لرئيس الوزراء، عبدالكريم قاسم. لازم الحاج عمر قاسماً حتى انقلاب القوميين عليه في العام 1963، لكنه بقي في بغداد بعد الانقلاب وحتى تقاعده من الخدمة، ليعود إلى كوردستان ويلتحق بقوات البيشمركة...
الحاج عمر عزيز رسول، من مواليد 1937 في قضاء مخمور. إلتحق بالجيش في أربيل في عهد الملك فيصل الثاني في العام 1957، ثم نقل إلى كركوك، وبعد الانقلاب على النظام الملكي نقل إلى بغداد لتسند إليه المسؤولية عن الحماية الخاصة لرئيس الوزراء، عبدالكريم قاسم. لازم الحاج عمر قاسماً حتى انقلاب القوميين عليه في العام 1963، لكنه بقي في بغداد بعد الانقلاب وحتى تقاعده من الخدمة، ليعود إلى كوردستان ويلتحق بقوات البيشمركة. يتحدث الحاج عمر عن فترة عمله مع قاسم، خلال هذا اللقاء معه في برنامج (بصمة) الذي يعرض على شاشة قناة رووداو، ونورد الترجمة العربية للقاء في ما يأتي:
رووداو: كيف انضممت إلى الجيش؟
الحاج عمر عزيز رسول: في العام 1957 إلتحقت بالخدمة الإلزامية، وفي العام 1959 نُقلت إلى لواء الملكة عالية الرابع في كركوك، بعدها تم نقلي إلى بغداد حيث تم اختيار مجموعة أشخاص لآمرية الانضباط العسكري.
رووداو: كان الجيش حينها يعد للانقلاب، هل كنتم تعلمون بذلك؟
الحاج عمر: لم نكن نعرف شيئاً حتى وقعت ثورة 14 تموز، لكن مع الثورة وزوال الحكم الملكي، كان عبدالكريم قاسم حينها آمر اللواء التاسع عشر، وعبدالسلام عارف آمر اللواء العشرين، كانت قد صدرت لهما أوامر بالتوجه للمشاركة في حرب فلسطين، لكنهما بدلاً عن ذلك هاجما قصر الزهور وقصر الرحاب وأسقطا النظام الملكي. لم يعين رئيس جمهورية للعراق، وكان عبدالكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع وكالة، وكان هناك مجلس سيادة حينها برئاسة نجيب الربيعي.
رووداو: كيف تم اختيارك في الحراسة الخاصة لعبدالكريم قاسم؟
الحاج عمر: تم اختيار مجموعة من حملة الشهادات والمتيقظين وذوي القامات المنتصبة، وكنت من بينهم. أخذونا إلى فصيل (التحريات)، كانت مهام الفصيل تشمل المواقع الحساسة. كان كنعان خليل حداد آمر الفصيل، فجمعنا وقال ستتولون حماية قاسم، وأدخلونا في دورة سريعة. هكذا أصبحت مسؤول الحماية الخاصة لقاسم، كانت هناك قاعة، ومع خروج قاسم كان يضاء ضوء أحمر، كان يخرج بسيارة كاديلاك ونتبعه في سيارة مارسيدس. وعند عوته كنت أبلغ الاستعلامات لاسلكياً وأقول: عاد الأسد إلى عرينه بعون الله وحفظه.
رووداو: يقال أن عبدالكريم قاسم كان يسكن في بيت مستأجر؟
الحاج عمر: هذا صحيح، كان مستأجراً، ويدفع 30 ديناراً في الشهر عن إيجار الدار. كان بيته في شارع السعدون. كان لديه حارس واحد في البيت، اسمه جاسم، من قرية خوران أو قلاسنج في منطقة خوشناوَتي، كان كوردياً أيضاً، وكان عنده كلب حراسة في البيت.
رووداو: لم يكن عبدالكريم قاسم متزوجاً...
الحاج عمر: كلا، لم يكن متزوجاً، كانت لديه غرفة خاص، شاهدتها مرة واحدة، فيها سرير مع مقتنياته. لكنه قلما كان يبيت في داره، وكان يلازم وزارة الدفاع أغلب الوقت. كانت له جولات ليلية، ويزور المدن والألوية. في ليلة مقمرة توجه إلى الحلة. هناك ذهب إلى مديرية الشرطة، فلم يجد أحداً، غير حارس واحد هو حسن أحمد مام قادر، من مخمور. قلت لحسن، هذا هو الزعيم، مَن هنا؟ فقال لا أحد هنا. ثم جاء مدير الشرطة ونائب المتصرف، وتحدث الزعيم معهما. ثم خرج وذهب إلى سوق الخضار، كان السوق قذراً جداً، فقرر ليلتها تنحية مسؤول المنطقة من منصبه. كان قاسم يحرص على سماع معاناة الناس منهم مباشرة. عاد إلى بغداد في نفس الليلة، وفي الفجر توجه إلى مدينة الثورة، وجد هنا مخبزاً يعمل، تقدم إلى المخبز ليجد فيها صورته وفي يده عصا، فتناول رغيفاً وقال أي بني الصورة كبيرة ورغيفك صغير.
رووداو: مع من كان عبدالكريم يرتبط بعلاقات متينة؟
الحاج عمر: خلال فترة عملي معه كان يزور وزير المعارف الكوردي إسماعيل عارف. كما كانت علاقاته جيدة مع عبدالكريم جدة ورشيد حداد.
رووداو: هل كان له أقارب عينهم في مناصب رفيعة؟
الحاج عمر: لا، كان له أخ يسكن في الكرخ، وكان الوحيد من أبناء الصويرة، مسقط رأس قاسم، الذي يعمل معه. ذات صباح زار الصويرة، وكانت له دار كبيرة هناك، حولها إلى مدرسة. إلتف أبناء المنطقة حوله، فحاولنا إبعادهم، لكن الزعيم قال أخلوا سبيلهم.
رووداو: هل زار عبدالكريم قاسم كوردستان قط؟
الحاج عمر: نعم، زار كركوك، ولم أكن معه، لكني رافقته في زيارته لخانقين. كما زار دربنديخان ولم أكن معه. ذات يوم استقل سيارته وكان يبحث عن شيء، فذهب إلى مدينة الثورة. اجتمع عليه الناس، فاضطرت سيارته للسير ببطء وكان علي أن أمسك ببابها لكي لا يفتحه الناس. جاء رجل مسن وأراد أن يفتح الباب من جهة قاسم، كنت حينها شاباً قوياً فلكمته لكمة أتبعتها بركلة ثم دفعته بعيداً. سجنني قاسم 15 يوماً بسبب ذلك، ولدى عودتنا ذهبت إلى آمرنا، عبدالكريم جدة، وأخبرته بأني معاقب بالسجن 15 يوماً، ولما قصصت عليه القصة، ضحك وقال ستحبس لكنك لن تدخل السجن.
رووداو: كيف كانت علاقته بالفن؟
الحاج عمر: في المهرجانات وعندما كان يدعى إلى حفل، كان يأتي بناظم الغزالي، هيفاء حسين، ومائدة نزهت للغناء.
رووداو: صوت أي المطربين كان يفضل؟
الحاج عمر: كان يعشق صوت ناظم الغزالي.
رووداو: وكيف كان في مجال النكتة والهزل؟
الحاج عمر: كان يحب الجد كثيراً وحتى إن ضحك لم يكن يصدر عنه صوت مرتفع.
رووداو: هل كان يعرف الكوردية، يقال إن والدته كانت كوردية فيلية؟
الحاج عمر: كان يتحدث كوردية هجينة يخلطها بالعربية، لكني لم أر أياً من والديه، ولم أعلم أن والدته كوردية.
رووداو: ومن أين تعلم اللغة الكوردية؟
الحاج عمر: كان فيما سبق آمر لواء في جلولاء، ومكث هناك طويلاً. لهذا كانت لغته الكوردية تشبه لغة منطقة جلولاء وبعقوبة. كان يفهم الكوردية لكنه يجيب بالعربية.
رووداو: هل قمت بالترجمة له؟
الحاج عمر: نعم فعلت.
رووداو: من هم الذين كان يصبحهم عند السفر إلى الخارج، هل كان الوزراء يرافقونه؟
الحاج عمر: لا، كان في أغلب الأحيان يسافر وحده، حتى أنه لم يكن يصحب سكرتيره.
رووداو: كم كان راتبه الشهري؟
الحاج عمر: لا أعرف، لكن سائقه، صلال، جاء ذات يوم بمبلغ ستمئة دينار لصرفه. عندما كان يتسلم راتبه في آخر الشهر، كان يقوم بجولة في زيه العسكري أو المدني، كان هناك فقراء على جسر الشهداء والجمهورية والأحرار، كان يترجل من السيارة ويناول كلاً منهم دينارين أو ثلاثة، ثم يعطيني 35 ديناراً، أحتفظ منها ب15 وأوزع الباقي على الحارسَين الآخرين.
رووداو: هل كانوا يطبخون له في البيت، أم يأتيه الطعام من خارج الدار؟
الحاج عمر: كان هناك كافتريا في وزارة الدفاع يطبخون له الطعام، وكنا نتاول الطعام هناك في أغلب الأحيان، وكان يأتيه الطعام إلى البيت، كما كانت أخته (نشوة) تأتيه بالطعام، أو يأتيه الطعام من بيت أخيه، حامد. كانت نشوة ترسل له حساء العدس في أغلب الأحيان فقد كان يحب تناوله في الصباح.
رووداو: هل كان يثق بمن حوله، أم يشك فيكم؟
الحاج عمر: كان المحيطون به مخلصين جداً له، كان هناك عدد من الضباط المقربين إليه، كان يصحبهم عند خروجه، وخاصة عبدالكريم جدة.
رووداو: يقولون إنه كان حسن التعامل مع أصدقائه، حتى مع عبدالسلام عارف الذي كان يريد قتله...
الحاج عمر: ذات ليلة، خرج قاسم إلى قناة الجيش، ثم إلى معسكر الرشيد، وعند وصوله إلى السجن رقم واحد ترجل من سيارته، فتوجهت إلى حارس السجن، وأبلغته بقدوم الزعيم، ففتح باب السجن، كان عبدالسلام عارف جالساً، فدخل عليه قاسم، وصافحه. ثم حمله معه في سيارته في جولة استغرقت نحو الساعة في أنحاء بغداد.
رووداو: ما سبب عدائهم لقاسم؟
الحاج عمر: هذه حال السياسة، لم يكن ثم خلاف بين الشيعة والسنة حينها، لكن القوميين كانوا دوماً يسعون للتفرقة ويحاولون إبراز السنة، وكان قاسم شيعياً.
رووداو: يقال إن قاسماً عندما كان في السلطة جاء بكثير من الشيعة إلى بغداد؟
الحاج عمر: مدينة الثورة، الشعلة والزهور، كانت أحياء يسكنها الشيعة. كنت في كثير من الأحيان أجوب الأحياء السنية وأسمع ما ينم عن الصراع بين الشيعة والسنة.
رووداو: هل كان قاسم يحمي نفسه بالدرجة المطلوبة؟
الحاج عمر: كلا، وإلا لوفر لنفسه ولداره الكثير من الحرس. كان له في البيت حارسان يتناوبان الواجب.
رووداو: أخرج قاسم عارفاً من السجن وأسكنه في داره ثلاثة أيام وتوليت أنت حراسته، لماذا؟
الحاج عمر: كانت لدينا واجبات مختلفة. كنا أحياناً ندخل السجون على أننا سجناء، أو يحبسوننا مع أحدهم للتعرف إلى توجهاته.
رووداو: من هم الذين كنتم تقومون بمراقبتهم في العادة؟
الحاج عمر: مثلاً عندما تكون هناك مظاهرة، أو اجتماعات كثيرة في أحد المقاهي.
رووداو: في العام 1959، كانت هناك محاولة لاغتيال قاسم نفذها صدام حسين ورفاقه، كيف حصل ذلك، هل كنت معه في ذلك اليوم؟
الحاج عمر: لا، لم أكن في الواجب في ذلك اليوم. كان قاسم في شارع الرشيد متجهاً إلى الحيدرخانة، وتعرض لإطلاق نار بالقرب من جسر الجمهورية. أصيب سلام في تلك العملية، كما أصيب قاسم بإطلاقة في كتفه. إلتحقنا بالواجب فوراً، وتولينا حراسة قاسم في مستشفى الكرامة.
رووداو: هل قتل أحد ممن كانوا رفقة قاسم؟
الحاج عمر: تعم، قتل سائقه، وكان فيلياً واسمه حبيب.
رووداو: كنتم معه في المشفى، من هم الذين زاروه في تلك الفترة؟
الحاج عمر: زاره كثيرون.
رووداو: هل زاره ملا مصطفى البارزاني؟
الحاج عمر: كان البارزاني في بغداد، لم أره هناك، لكن كان هناك حفل في السفارة البلغارية أو الهنغارية، وكان مدعواً. جاء ملا مصطفى إلى هناك، كان يستقل سيارة زرقاء اللون، ويرتدي بدلة زرقاء. كان يرافقه مسلحان يحمل كل منهما بندقية برنو. عندما دخل ملا مصطفى، كان قاسم واقفاً مع وزير الخارجية هاشم جواد والسفير، ولما التفت ورأى ملا مصطفى، ابتسم له وتقدم إليه ليستقبله، فتبعه هاشم والسفير. رحب بالبارزاني بحفاوة. كما رأيته مرات أخرى يزوره في وزارة الدفاع، كان يحترم ملا مصطفى كثيراً.
رووداو: وماذا عن موقفه من الشعب الكوردي؟
الحاج عمر: سمعت قاسماً يقول إن الكورد شركاء في هذا الوطن.
رووداو: يقال إنكم في تلك الفترة كنتم منشغلين بصدام حسين ولا تعرفون كيف تتصرفون معه، هل هذا صحيح؟
الحاج عمر: كان صدام كثير الحركة لا يفسح لنا مجالاً، تم اعتقاله مرة ثم أطلق سراحه، لا أدري لماذا. كان ذات يوم في مظاهرة، وكان صدام هو الذي يملي الهتافات على المتظاهرين. كان صدام متيقظاً، وجرت محاولات كثيرة للقبض عليه، لكنه كان ينجو.
رووداو: كيف كانت علاقة قاسم بالدين، وأداء الفرائض من صلاة وصوم؟
الحاج عمر: كثيراً ما كنت أخرج مرافقاً له، ولم أره يدخل مسجداً أو حسينية ليصلي. كما لم أره يحتسي الخمر، وكان يهوى عصير الطماطم.
رووداو: في العام 1961، انطلقت الثورة الكوردية، ماذا تعرف عن هذا؟ هل كان قاسم يريد تلك الحرب أم يرفضها؟
الحاج عمر: سمعت من سكرتيره وهو يتحدث إلى طه الشيخ أحمد، ويقول إن عبدالكريم قاسم يشعر بالأسف لتحركات بعض الكورد في الشمال. كنا كورداً، وكان هناك كثير من الكورد في وزارة الدفاع، ولم أجدهم ينتقدون أي كوردي في يوم من الأيام أو يبعدونه عن منصبه.
رووداو: من هم أكثر من كانوا يحاولون الإطاحة بعبدالكريم قاسم؟
الحاج عمر: جماعة عبدالسلام عارف وصدام حسين وأحمد حسن البكر، البعثيون.
رووداو: هل كان عبدالكريم قاسم يواجههم؟
الحاج عمر: كان عبدالكريم قاسم رئيس الوزراء، ووزير الدفاع بالوكالة، وكانت معه قوة كبيرة داخل وزارة الدفاع.
رووداو: ما هو الموقع الذي احتله الإنقلابيون أولاً؟
الحاج عمر: كان عبدالكريم قاسم في داره، بعد أن تجول في عدد من مناطق بغداد ليلاً. توقف في مكان ما، وأجرى اتصالاً لاسلكياً. ثم عاد إلى منزله. ثم خرج في الساعة السابعة والنصف. استقل سيارته وتبعناه. بمجرد دخولنا الوزارة ضربت طائرة سيارته من جهة الخلف. فقامت آمرية الانضباط بإطلاق النار على الطائرة المهاجمة واشتعلت فيها النيران وابتعدت. لكن لا أعلم أين سقطت. استمرت المعركة حتى اليوم التالي وتقدمت دبابات إلى بوابة وزارة الدفاع، وجوبهت بمقاومة عنيفة واحترق العديد من الدبابات. كان كل المسلحين داخل الوزارة يقاوم الهجوم. أما هو فكان يراقب الوضع من غرفة عبدالكريم جدة وباب الوزارة. دامت المقاومة يومين، وفي مساء اليوم الثالث حاولوا نصب إذاعة ليبث قاسم خطاباً من خلالها، لكنهم لم ينجحوا. كانوا يجتمعون كثيراً وفي فترات متقاربة في غرفة عبدالكريم جدة، ثم يخرجون. توقف إطلاق النار في مساء اليوم الثالث، تصورت أنهم تفاوضوا مع عبدالكريم قاسم لتجنب قتل المزيد من الناس، ليسلم نفسه ويذهب إلى دار عبدالسلام عارف. غاب منذ تلك اللحظة عن الأنظار وذهبوا إلى قاعة الشعب، وقال لي كنعان خليل حداد، انتهى الوقت، انصرفوا. لو أراد قاسم الخروج أو تجنب القتل، كان أمامه طريق للخروج وكانت هناك سيارات لتقله إلى الخارج، لكن ما الذي منعه من الخروج؟ كانت هناك مفاوضات، فأنا لم أر قاسماً يتم أسره.
رووداو: لكن صورة جثته نشرت فيما بعد!
الحاج عمر: لا أعرف، هل كان ذلك سيناريو صنعوه أم أنهم قتلوه بعد الاتفاق، لا أدري، فلم أره عند أسره ولا عندما قُتل.[1]