سامان ابوبكر فنان تلألأت موهبته من خلال عطاءاته في الرسم والنحت والجداريات التي طرّزت عدد من الابنية والجدران في مدينة هرمة عانت وماتزال التهميش والتقهقر الحضاري والمديني، بعكس المنتظر من مشوارها الاولي خلال العهد الملكي وبداية العهد الجمهوري في العراق...
حاوره: طارق كاريزي
انه احد فناني الصف الاول في حقل الفنون التشكيلية في كركوك، بل انه آية من آيات الاعجاز الفني في هذه المدينة التي يترعرع في رباها قامات فنية شامخة، ومن ثم اما ترحل وتترك المدينة تحت ضغط الظرف الطارئ المستدام الذي تعيشه المدينة بسبب الصراع على هويتها، او انها تديم العيش بين احضانها وتواصل مشوارها الفني من دون شهرة توازي عطائها الفني وقدراتها الابداعية الا ما ندر، بعكس الذين تركوا المدينة (اضطرارا وليس اختيارا) واستقروا في مدن كوردستانية اخرى او مدن المهاجر الموزعة بين قطبي العالم الجديد (الامريكيتين واستراليا)، فقد اكتسب الاخيرون بعضا من بهرج الشهرة ربما يجاري عطائهم الفني او هو ادنى منه.
سامان ابوبكر فنان تلألأت موهبته من خلال عطاءاته في الرسم والنحت والجداريات التي طرّزت عدد من الابنية والجدران في مدينة هرمة عانت وماتزال التهميش والتقهقر الحضاري والمديني، بعكس المنتظر من مشوارها الاولي خلال العهد الملكي وبداية العهد الجمهوري في العراق، اذ بعدها تلقت هذه المدينة الكثير من الضربات المؤلمة وعلى مستويات عدة، دفع الثمن الاعظم من ضريبتها السكان الاصليون للمدينة. موهبة سامان كانت بمثابة التحدي الاكبر للظرف القاسي الذي تعانيه المدينة، وبات كالبلسم الذي يبشر بشروق الجمال مع تطلع لغد افضل لكركوك وسكانها الذين يمتازون برسوخ روح الألفة والود والتعايش السلمي البنّاء، هذه الروح التي تعد سرّ ديمومة الحياة في المدينة التي تتلقى اللكمات والضربات من اياد تمتد اليها من خارج جغرافيتها وتنال (يا للاسف) الكثير من سموها وتهبط تطلعات ابناءها للتمتع بحياة كريمة تليق بهم والعصر.
بعيدا عن السياسة وقريبا من الفن، اغتنمنا فرصة زيارة الفنان المبدع سامان ابوبكر الى مكتبة كاريز ليدور معه حوار عن الفن وكيفية قضاءه الاسابيع الماضية في المنزل من باب الوقاية من تهديد وباء الكورونا الذي اجتاح العالم من شرقه الاقصى وصولا الى غربه الاقصى. سألته:
*التقطت خبر انجازك تمثال لاستاذ المقامات الكوردية الاكبر علي مردان؟
-نعم، حقيقة فترة مكوثي الطويل على مدى الاسابيع الماضية في المنزل، وفّرت لي الكثير من الوقت كي استغله في مشاريع مهمة. وعلي مردان هذه القامة الفنية الكبيرة تستحق الكثير الذي ربما نعجز نحن الاجيال التالية تقديمه له عرفانا منّا لما قدمه في عالم المقامات الكوردية، فهذا الفنان الفذ يعد فلتة من فلتات الزمان والعبقري الذي استأنست القلوب بما قدمه من ثروة فنية في مجال الغناء والمقامات. ومن اجل تسديد الدين الذي هو بذمة الاجيال حيال هذه القامة الفنية، باشرت خلال الاسابيع الماضية بانجاز تمثال نحتي كامل بارتفاع 175سم من الرخام للفنان الكبير علي مردان.
*ولم وقع اختيارك على الرخام من دونه من المواد الاخرى لانجاز هذا المشروع؟
-لقد كان الرخام (ويعرف بالكوردية بالمرمر) ومازال من المواد المفضلة لدى النحاتين طوال العصور، فهو مادة صلدة من حيث التكوين الفيزيائي ومطاوعة من حيث تجاوبها لبرنامج المشروع النحتي للفنانين وآلية التعامل الفني معه. علاوة على ذلك فان للرخام جمالياته الخاصة من حيث الملمس واللون الى جانب مقاومته العالية للطقس وتقلبات الطبيعة. ومن هنا فان اختيار الرخام لانجاز هذا التمثال كان بمثابة ان يجاري المنجز الفني هذا قامة الشخصية الفنية لاستاذ المقامات الاكبر علي مردان.
*وهل تم تحديد المكائن الملائم لنصب التمثال؟
-للتمثال علاقة جدلية كبرى مع المكان، ولابد من مراعاة هذه الجدلية من اجل ان يكتسب العمل الفني اهميته عبر بعدي الزمكان بالشكل الذي يكون لحضوره في المكان الوقع الاكبر من حيث تلبية المغزى والمطلوب من انجاز التمثال واستقراره في هذا المكان بالتحديد. هناك مكانين تم اقتراحهما لنصب التمثال فيهما. الاول هو تقاطع آزادي بالقرب من مستشفى آزادي باعتباره منطقة تمتلك فضاء واسعا يسمح بتأطير المكان بالجمال وخلق حالة من الانسجام في الرؤية البصرية والبعد الاسطوري لشخصية صاحب التمثال. والثاني هو حي (برتكية) الذي عاش علي مردان بدايات حياته ونشأته الفنية في هذا الحي، اضافة الى انه تلقى دروس فن المقامات في احضان التكية الطالبانية في هذا الحي، هذه التكية التي كانت منذ القرن الثامن عشر مكانا وملاذا لاحتضان كبار قرّاء المقامات في كركوك. اضافة الى ان المثوى الاخير للراحل الكبير علي مردان موجود في مقبرة شيخ محي الدين اقدم مقبرة في المدينة حيث يقع الحي الذي ترعرع فيه علي مردان عند طرفه الجنوبي الغربي. ومن المفيد الاشارة الى ان ارتفاع قاعدة التمثال ستكون 175سم، اي بنفس ارتفاع التمثال من اجل خلق التوازن البصري في فضاء المكان الذي سيستقرّ فيه التمثال.[1]