الاستاذ مدحي مندلاوي، الذي شغل منصب وزير الاقليم ووكيل وزارة الثقافة في احدى التشكيلات السابقة لحكومة اقليم كوردستان، جذّاب يأخذك نحو جدليات القضية الكوردية وتفاصيلها المؤلمة في وقائعها المشرقة في مسعاها وغاياتها. لا جدل في كون الحديث مع هكذا شخصية يتفرع نحو شؤون وشجون شتى. البداية كانت من مندلي وايلام...
حاوره: طارق كاريزي
يعرفه الوسط الكوردستاني كصحفي لامع من اسرة دأب افرادها على الولع بالفن والادب. وهو من قدامي البيشمركة المناضلين حيث خاض غمار ثورة كوردستان التحررية وعاش لسنين حياة المهجر ليستقرّ اخيرا في موطنه كوردستان. الحوار مع الاستاذ مدحي مندلاوي، الذي شغل منصب وزير الاقليم ووكيل وزارة الثقافة في احدى التشكيلات السابقة لحكومة اقليم كوردستان، جذّاب يأخذك نحو جدليات القضية الكوردية وتفاصيلها المؤلمة في وقائعها المشرقة في مسعاها وغاياتها. لا جدل في كون الحديث مع هكذا شخصية يتفرع نحو شؤون وشجون شتى. البداية كانت من مندلي وايلام، قال الاستاذ مدحي:
-انا ابن اسرة انحدرت من اجدادنا الرحل الذين كانوا يطفون جبال كوردستان خصوصا في مناطق محافظة ايلام، ومن ثم مارس الجيل التالي منه بعد انحسار السلطات العثمانية تجارة التهريب عبر الحدود العراقية الايرانية في المنطقة التي هي منتصف الخط الحدودي المتعرج الفاصل بين البلدين. اباؤنا حاصرتهم ظروف حياة قاسية اجبروا على اثرها امتهان المستحيل من اجل تأمين لقمة العيش لاسرهم. فالدول التي اقتسمت الجغرافية الكوردستانية مارست شتى الاساليب المجحفة ضد شعب كوردستان وارادته في الحياة، والحرب الاقتصادية وسياسات تدمير البنية الاقتصادية لمجتمع الريف الكوردستاني وتنفيذ سياسة الارض المحروقة، ضيّق خناق العيش على الكوردستانيين، لذلك اضطر سكان المناطق الحدودية تحدي شرطة الحدود وقوات الدرك التي وزعتها الحكومتان على جانبي الحدود الفاصلة بين العراق وايران والمقتسمة لارض لكوردستان، من اجل ضمان عيش اسرهم.
*بودنا ان تسرد لنا البدايات من مندلي؟
-لعله من الممتع الرجوع الى بدايات حياة الطفولة. مندلي تلك المدينة الكوردستانية الوديعة التي استقرّت فيها اسرتنا، تعد بدايات سفر حياتي، وبداياتي مع التعليم ايضا كانت في مندلي. لقد كنا ايام الطفولة لا نجيد غير لغتنا الكوردية، معلمو درس الحساب عندما كانوا يدرّسون الطلبة ويعلمونهم الارقام بالعربية، كانوا يكتبون اسم الرقم تحته بالكوردية، مثلا عندما كانوا يعلمون الطلبة العدد (1) و(2)، كانوا يكتبون اللفظ بالكوردية تحته، اي انهم كانوا يكتبون (يك) و(دو). ومن المهم هنا الاشارة الى ان الحدود السياسية التي تقطع كوردستان، لم تشكل عائقا نهائيا امام تواصل الكورد كامة ذات ثقافة موغلة في اعماق التأريخ وراسية في ضمير ابنائها.
*يقال بانك دوّنت شذرات من الادب الشفاهي الكوردي الخاص بمناطق الفيلية في شرطي كوردستان الملحقتين بالعراق وايران؟
-نعم من باب الاحساس بالمسؤولية الادبية والاخلاقية ازاء تراث شعبي، وجدت من الضروري وبحسب الفرص المتاحة ان ادون بعض النصوص الادبية من الادب الشفاهي الكوردي الخاصة بمناطق جنوب الوطن الكوردي، وبالتحديد الادب الشفاهي المتداول لدى الناطقين باللهجة الفيلية ونشرته في مطبوعات الثورة الكوردستانية ابان عقد الثمانينيات. ومن المهم هنا الاشارة الى نتاجاتي تلك باتت مقتطفات بسيطة تتراجع من حيث الاهمية بما يقوم به بعض الكتاب الكورد حاليا، خصوصا في محافظة ايلام ومن ثم كرماشان، فهناك ادباء وكتاب من كوردستان ايران استطاعوا اتحاف المكتبة الكوردية بالكثير من ذخائر نصوص الادب الشفاهي الكوردي المتداول في تلك الاقاليم الكوردستانية وخصوصا المرويّة باللهجتين الفيلية والكلهرية.
*لقد تنقلت بين المهجر والموطن، ما سرّ ذلك؟
-حقيقة اقولها بكل صراحة، فمع انني عشت الشطر الاعظم من حياتي في المدينة، لكن انا في اعماق دخيلتي رجل ذو روح قروية، اشعر بالراحة والطمأنينة والانشراح عندما اسكن الريف واتمتع بطبيعته الخلابة وبيئته البكرة. انظر، لدي قطعة ارض في منطقة وادي جافايتي شمال شرق مدينة السليمانية في الوادي العميق المحاذي للجهة الشرقية من جبل بيرمكرون الشاهق، لقد رتبت مكانا اشبه بالغرفة فوق شجرة بلوط عالية ومعمرة، يبلغ ارتفاع هذه الغرفة التي هي اشبه بعش طير هائل الحجم ستة امتار عن سطح المكان. هناك في تلك البقعة المعزولة المعلقة في السماء والمستندة الى جذع شجرة البلوط، اشعر بالطمأنينة التامة ومنتهى الراحة النفسيّة.[1]