غياب النقد الأدبي الكردي[1]
لقمان بولات[2]
الترجمة عن الكرديّة أحمد قطو[3]
يستمدُّ الأدب الحقيقي قوّته من النقد، فهو يمهّد الطريق أمامه و يطوّره، و به تنشط الحركة الأدبية و تصبح أكثر غنىً.
للنقد أنواع مختلفة منها ما هو هدّام و غير ذي فائدة للأدب و الفن، و منها ما هو موضوعي وعلمي بنّاء يستفيد كتّاب الأدب من فوائده الجمة.
فالنقد البنّاء ضروري جداً لخلق أدب حداثوي متطور، ويلعب دوراً هاماً في تقدم الثقافة و الفن بشكل عام، و الجانب الأكثر غياباً في الأدب الكردي هو الجانب النقدي.
وغياب النقد من الساحة الأدبية الكرديّة خلق الكثير من الصعوبات، فمن دونه لا يمكن للأدب و الفن و الثقافة ايجاد الحلول لمعضلاته.
لقد صدر العديد من المجموعات الشعرية و القصصية و الروايات الكرديّة، و كلّ عام تنشر أعمال جديدة، و لا ناقد يتحدّث عنها من حيث قيمتها الأدبيّة و مضمونها و اللغة الأدبية فيها، سلبياتها و ايجابياتها و تقييمها.
لو تمّ تناول تلك الأعمال برؤية نقديّة موضوعية وعلمية بناءة فإنّ كتّابها سيستخلصون الدروس و العبر من ذلك، و سيتجنّبون الأخطاء التي وقعوا فيهاو بالتالي سيقدمون أعمالاً أفضل.
لا تعود ملكيّة الكتاب لكاتبه فقط، فصاحب الكتاب هو كاتبه و قارؤه و ناقده، و كما يقول محمد أوزون: ” للكتاب الأدبي ثلاثة أصحاب، الكاتب و القارئ و الناقد، الكاتب يبدع عمله و ينشره، و بعد نشر الكتاب يصبح القارئ هو صاحبه من خلال قراءته له و ذكر آرائه حوله و جعله خالداً على مر الدهر، و الناقد هو جسر يتواصل عبره الكاتب و القارئ و هو يساعد الكاتب و القارئ على حدًّ سواء، فهو من جهة يعين الكاتب كي يبدع بشكل أفضل، و من جهة أخرىيعين القارئ كي يقرأ بأسلوب أفضل، و هكذا يلعب دوره في الحياة الأدبيّة و يجعلها أكثر جمالاً و إشراقاً و تقدّماً و عمقاً”
العمل النقدي ليس سهلاً أبداً، فهو صعب و شائك، و مع ذلك ينبغي القيام به لأنّه مقدّس و يخدم الحياة الأدبيّة و يطوّرها.
الصحف و المجلات الكرديةّ بمعظمها سياسيّة و غالباً تنشر المقالات السياسيّة و النظرية باللغة التركية، في تلك الصحف و المجلات بعض الصفحات تكون باللغة الكردية، و هذه الصفحات تكون إمّا قصائد أو قصص أو بعض الكتابات الأخرى و المقالات التي تتناول النقد الأدبي قلّما تنشر، و كذلك لا يتم التعريف بالصحف و المجلات و الكتب الكردية، و من المؤسف أن نرى في بعض الصحف و المجلات الكرديّة أن يتم التعريف بالمجلات و الكتب التركيّة، و تنشر في الأقسام الثقافية و الأدبية المقالات التي تتناول الأدب التركي و باللغة التركيّة، و أثناء كتابتي لهذا المقال وصلني بعض المجلات و الصحف الكرديّة ( أنا مشترك في معظم المجلات و الصحف الكردية، سواء أ كانت كرديّة خالصة أم التي قسم منها بالكردية و القسم الآخر بالتركية، عادة أقرأ كل أعدادها)
في هذه الأعداد من الصحف الكرديّة يتم التعريف بالشعراء الأجانب، و كذلك يتم التعريف بالمجلات الثقافية و الأدبية التركيّة.
لهذا استللتُ قلمي و بدأتُ أكتب تعريفاً بالمجلة الثقافية و الأدبيّة الكرديّة ” نودم” “Nûdem” العدد “12”
باعتقادي و حسب قناعتي يجب التعريف أولاً بالمجلات و الكتّاب و الشعراء الكرد.
درجت العادة عند كتّاب الأتراك و بين المهتمين بالأدب منهم، أن يصدر كاتب مشهور عملاً أدبياً ليسارع بعض النقّاد في كتابة مقالات و دراسات نقدية حوله
أمّا عندنا فهناك صمت مطبق حول الكتاب الكردي، فمهما يكن الكاتب معروفاً و مشهوراً لا نجد دراسات نقدية تتناول أعماله باستثناء مقال أو مقالين على الأكثر
من أشهر الأدباء الذين يكتبون بالكردية في ( كردستان الشماليّة) ك” محمد أوزون” و ” فرات جَوَري”( هناك غيرهما و لكن أوردهما كمثالين)
لنتساءل: كم دراسةً نقدية تناولت أعمال هذين الكاتبين؟ كتاب” فرات جَوَري” الأخير ” الحمامة البيضاء” “” Kevokaspî كم مقالاً نقدياً أو تعريفياً تناول هذا الكتاب؟.
أصدرتُ أربع مجموعات قصصية حتى الآن، ما عدا كاتبين من صحيفة ” ولات ” “Welat” ( و هما: س. بربانك و مراد يركين ) و أشكرهما، لم يكتب أحد عنها شيئاً سلباً أو ايجاباً، لم يذكر أحد مواضع القوّة و الضعف فيها، لم يقم أحد بدراسة المضمون و اللغة الأدبية و الحبكة القصصية فيها.
النقد البنّاء يساعد العمل الأدبي بأن يتخلّص من نقاط ضعفه، و النشاط الأدبي عادة يرتبط بالحركة النقدية، و الناقد هو عيننا لمراقبة الحياة الأدبية.[1]
[1]– هذا المقال نشر في مجلة ” هلوست” “Helwest” العدد” 1″ عام 1995 بعنوان: “Rexnênedebî û valahiyarexnegiriyê “باللغة الكردية.
[2]– كاتب كردي، ولد في قرية” لجه” التابعة لمدينة آمد عام 1956م، اعتقل لمرات عدة في تركيا، غادرها إلى أوربا عام 1979م، استقر في السويد منذ عام 1984م، و هو الآن عضو اتحاد كتّاب السويد، كتب في مختلف الأجناس الأدبية كالقصة القصيرة و الرواية و النقد الأدبي.
[3]– ولد في كوباني عام 1973م، حصل على الإجازة في اللغة العربيّة و آدابها من جامعة تشرين باللاذقية، بدأ بالنشر في الصحف و المجلات الكردية منذ أواسط التسعينيات من القرن الماضي، يكتب باللغتين العربية و الكردية.