مصطفى زنكنة اسم لمع في اكثر من مجال. تربطه العديد من الوشائج الصميمية مع عالم الادب والفن معا. كتب وهو في ريعان شبابه قصيدة شعرية رثى فيها خطيبته التي فارقت الحياة بسبب نيران التهمت جسدها، تحولت هذه القصيدة الى احدى اشهر الاغاني في سبعينيات القرن الماضي وسط المجتمع الكوردستاني، حيث اداها المطرب الراحل قادر مردان...
حاوره: طارق كاريزي
مصطفى زنكنة اسم لمع في اكثر من مجال. تربطه العديد من الوشائج الصميمية مع عالم الادب والفن معا. كتب وهو في ريعان شبابه قصيدة شعرية رثى فيها خطيبته التي فارقت الحياة بسبب نيران التهمت جسدها، تحولت هذه القصيدة الى احدى اشهر الاغاني في سبعينيات القرن الماضي وسط المجتمع الكوردستاني، حيث اداها المطرب الراحل قادر مردان. مع انه طرق ابواب الادب واللغة في مجالات عدة ونال الدكتوراه في اللغة الكوردية، الا ان صلته لم تنقطع مع عالم الفن والشعر الغنائي، خصوصا وانه يمتلك مشاعر جيّاشة نحو عالم الرومانسية ويحب الاناقة بشكل يجاري الشباب في ولعهم بالهندام والطلة، سألناه في البداية:
*تردد الكثير حول فحوى اغنية قادر مردان الشهيرة ب(بي اوميدي)؟
-بالعربية يمكننا ترجمتها ب(فقدان الامل)، هي بالاصل قصيدة رثاء غنائية كتبتها من صميم قلبي الجريح بعد حادث مؤسف الم بخطيبتي بايام قلائل قبل موعد زفافنا. هذه القصيدة لحنها احد مشاهير الملحين في كركوك واداها المطرب القدير قادر مردان. لقد اجتمع في هذه الاغنية الكثير من عناصر التكامل من شعر رقيق ولحن شجي وصوت رخيم واداء عال تناغم مع الفحوى التراجيدي للقصيدة. وبذلك طافت شهرتها الآفاق ورددتها الالسن والحناجر في كل بقاع كوردستان.
*يقال بان لديك خزينا كبيرا عن النخب الثقافية والفنية في كركوك؟
-هذا السؤال يضرب في عمق الذاكرة والسنين الخوالي من العمر. سنين مراحل الدراسة الاولية التي قضيتها في مدارس كركوك، يسّرت لي معايشة الكثيرين من القامات الادبية والفنية، وحقيقة فان كركوك عاشت حالة غير طبيعية من حيث تكوينها السكاني بسبب الصراع المستمر على هويتها. ولعل الظروف القلقة التي المت بالمدينة طوال عمر الدولة العراقية كان السبب في ضياع الكثير من ابداعات نخبها الثقافية. وهنا اود الاشارة الى عدد من الاسماء اللامعة التي باتت مجهولة لا تعرف الاجيال الجديدة شيئا عنها. ولكون حديثنا قد بدأ بالشعر الغنائي، يهمني الاشارة الى شعراء متمكنين في كتابة القصائد الغنائية. فاغلب الاغاني التي اداها مطربو كركوك بالكوردية والتركمانية قد كتب نصوص قصائدها شعراء غنائيين متمكنين غير معروفين حاليا، منهم الشاعر محمد قورباني الذي تعرض للاعتقال وقامت اسرته بحرق مخطوطات دواوينه الشعرية خشية من بطش السلطات. وكذلك الشاعر الغنائي محمد اسعد صاليي والشاعر الرسام محمد عزت الذي درّسني في مرحلة الاعدادية.
*كيف تقوّم اوضاع كركوك الفنية والثقافية؟
-دفعت كركوك ومازالت ثمن ازمة سياسية مفتعلة منذ تأسيس الدولة العراقية. الحكومات العراقية المتعاقبة حاربت التطلعات الكوردستانية المشروعة ومطاليب شعبه بالحرية والانعتاق، وعبثت بالجغرافية والديموغرافيا بالشكل الذي عقّد الاوضاع بشكل متزايد. وقد كانت كركوك بحكم توسطها الجغرافية الكوردستانية التي لم تقرّ الحكومات العراقية بهويتها، وذلك انطلاقا من اطماع وطموحات شوفينية توسعية، محور التصادم السياسي والضغط الثقافي الذي استهدف تغيّر الواقع الاثني للمدينة. كل هذه الامور انعكست بشكل سلبي ما دفع النخب الثقافية في المحافظة لترك المدينة واجبارها على الرحيل بموجب سياسات قمع رسمية استهدفت تغيّر الواقع السكاني لغير صالح شعب كوردستان بجميع مكوناته. وبناء على ذلك فان الواقع الثقافي والفني للمدينة وعموم المحافظة قد شهد مع توالي الحكومات سلسلة من الانتكاسات الثقافية والفنية التي انهكت بل مزقت وشرذمت البنية الثقافية لكركوك. وهذا من الوجهة الانسانية خسارة لا تعوض وتجاوز ضد حق المواطنة وحقوق الانسان. ولا غرابة في كون المشهد يبدو الآن ضبابيا او حتى كالحا ومعتما.[1]