تنقل بين المدن الكوردستانية وعاش شطرا من حياته في غربي كوردستان ومن ثم حمل جعبته الفنية ليطوف بلدانا عدة، ليستقرّ به المقام اخيرا في مدينة روزندال الهولندية. انه الفنان آشتي شيخاني...
حاوره: طارق كاريزي
قبل اربعة عقود عندما دخل معهد الفنون الجميلة في السليمانية، لم يكن اختياره الحرّ تماما، بل كان بدافع وتوصية من عمه الفنان الراحل غازي محمد. اجواء الفن في المعهد والحياة الساخنة آنذاك حيث كانت الحرب العراقية الايرانية في سنينها الاولى، خلقت اجواء ملؤها القلق والحيرة دفعت آشتي شيخاني، هذا الشاب القادم من كركوك الى الانخراط في عالم الفنون التشكيلية واستقر به المقام في قسم النحت. منذ تلك الايام القلقة تحدد مسار حياة هذا الشاب وباتت مقرونة بعالم الفن. تنقل بين المدن الكوردستانية وعاش شطرا من حياته في غربي كوردستان ومن ثم حمل جعبته الفنية ليطوف بلدانا عدة، ليستقرّ به المقام اخيرا في مدينة روزندال الهولندية. آشتي شيخاني دأب السفر ذهابا وايابا بين كوردستان الوطن وهولندا الملاذ حين اطبقت الحياة على انفاس شعبه المحاصر. زياراته تتكرر في العام الواحد لموطنه كوردستان. زار مكتبة كاريز في الآونة الاخيرة وكان لنا معه اللقاء التالي:
*انت في علاقة جدلية مع الفن، هل يمكن ان نشهد انفراط عقد هذه العلاقة؟
-الفن التشكيلي بات جزءا صميميا من حياتي، عشق عميق يجمعنا وهو الملاذ والاداة للتعبير وتفريغ الشحنات الانفالية ومخاضات المخيال الجامح. باعتقادي من المؤكد لا انفراط في عقد علاقتنا التي رابطها الجمال مع الفن.
*لقد تنقلت بين اساليب عدة وتقنيات متباينة خلال مشوارك الفني، ما سبب ذلك؟
-الفن نتاج البيئة البشرية والطبيعية التي يعيش فيهما الفنان. ولكل بيئة معطياتها ومدخلاتها التي تترك آثارا كبيرة على ذات الفنان ككائن يفكر ويتفاعل مع البيئة واحداثها، اضافة الى الاجواء الحياتية العامة ومقتضيات الحرفة الفنية، وكل هذه الامور هي من المتغيّرات بحسب ظرف الزمكان الذي يعيشه الفنان. لذلك قدمت معرض المنحوتات المحترقة وانا في كوردستان اعيش تداعيات حرب الثمان سنوات بين العراق وايران، وبعد عام 1991 حين توضحت لنا مآسي حملات الانفال، باتت نتاجاتي رهن تلك المأساة الرهيبة التي افنت ربع مليون كوردستاني من خلال تصفيات وحملات ابادة جماعية قادتها السلطات العراقية البعثية عام 1988 ضد الكورد العراقيين. اما في الشام فقد انفتحت قريحتي على مواضيع مستنبطة من الموروث الشعبي الكوردي ومختارات من نتاجات الحضارة الكوردستانية. واخيرا في هولندا عشت تجربة حفلت باسلوبين من النتاجات الفنية بالتوازي، اعمالا عبرت عن انتمائي الوطني الاصيل وتراث شعبي، واعمالا اخرى كانت نتاج الحياة الهادئة في غربي اوربا.
*انت بالاصل نحات، نراك تقدم اعمالا في الرسم اكثر من النحت؟
-يقال بان للضرورة احكام، فن النحت يحتاج فسحة اكبر من الوقت والمساحة ومواد صلدة عديدة تستلزم توفر ورشة عمل او محترف فني، اضافة الى توفر حالة من الاستقرار في المكان، هذه الامور ليست متوفرة بالنسبة لشخص مثلي تنقل بين مدن وبلدان عديدة، مع انني لم اعش القطيعة مع فن النحت، بل قدمت دوما وحسب توفر الفرصة، اعمالا نحتية او اعمالا هي خليط من الرسم والنحت، الا ان اغلبية نتاجاتي كانت في الرسم، كون العدة لانجاز اللوحات اقل عبأ من النحت.
*انت من الفنان القلائل الذين يكتبون النقد التشكيلي والمتابعات الفنية. هل من رسالة تود توصيلها؟
-احدى معاناة الوسط الفني التشكيلي هو ندرة نقاد الفن. الوسط الفني الكوردستاني بات من السعة والعرض بحيث تشهد المدن الكوردستانية معارض تشكيلية طوال ايام العام، اضافة الى المعارض التي يقيمها الفنانون الكوردستانيون المغتربون. كل هذه المنجزات الفنية تفتقر غالبا للمتابعة النقدية. من هذا المنطلق تجرأت ومارست الكتابة حول الفن التشكيلي، ولم انقطع عن الكتابة كجزء من مهامي الفنية. [1]