شخصية طريفة لها باع طويل مع الحرف والكلمة والمطبعة باعتبارها محترفا لانتاج الكلمة والنصوص. انه خليل عزيز خضر (اربيل-1943)، وسيرته وضاءة مع الحرف والكلمة والمطبعة...
أجرى اللقاء : طارق كاريزي
كشك صغير يقع في قلب سوق شيخ الله، وهو اشهر سوق في المدينة ويقع في قلب عاصمة اقليم كوردستان. هذا الكشك يحمل عنوان (دار آشتي)، وآشتي بالكوردية تعني السلام وسميت الدار باسم مالكها ومؤسسا آشتي الذي يمنتهن بيع الصحف والمطبوعات منذ حوالي 27 عاما، حيث انخرط منذ نعومة اضفاره في عالم الكلمة ومتابعيها، وتحول هذا الكشك الصغير منذ سنين الى ملتقى كبير لمشاهير وكبار الادباء والكتاب والصحفيين في اربيل وعدد غير قليل من القادمين من خارجها.
ان تزور كشك آشتي، او مثلما يفصح عنوانها (دار آشتي) على مدار اليوم وفي اي لحظة كانت، لابد وانك ستلتقي احد ادباء اربيل وكتابها او صحيفا من صحفييها، او انك تلتقي بقراء ومتابعي الكلمة وعشّاق الحرف وخليلو النصوص المدونة في الصحف او الكتب، انهم عشاق من طراز خاص. وفي آخر زيارة لي الى دار آشتي، التقيت بشخصية طريفة لها باع طويل مع الحرف والكلمة والمطبعة باعتبارها محترفا لانتاج الكلمة والنصوص. انه السيد خليل عزيز خضر (اربيل-1943)، ونظرا لسيرته الوضاءة مع الحرف والكلمة والمطبعة، بادرناه بالسؤال التالي:
*يقال انك عملت في مطبعة كوردستان لدى المنور الكبير الاستاذ كيوي موكرياني؟
-لقد ضربت في الوتر الاكثر حيوية وحساسية في عمري المديد. نعم كنت بعمر الفتوة حينما طرقت باب مطبعة كوردستان وطلبت من الاستاذ القدير والمربي الاكبر، كيو موكرياني بان يمنحني فرصة عمل في مطبعته.
*هل استجاب لك ومتى باشرت العمل؟
-لقد حالفني الحظ وقبلني الاستاذ موكرياني كعامل مطبعة في مطبعته الشهيرة، مطبعة كوردستان. وقد عملت للفترة من عام 1957- 1959 في المطبعة. وكنت اتقاضى في البداية يوميا 50 فلسا عراقيا كاجرة عملي، حيث اوضح لي الاستاذ موكرياني بانني لا اجيد مهنة العمل في المطبعة، لذلك فان مستحقاتي اليومية لا تتجاوز هذا السقف، ومن جهتي قبلت العرض وباشرت العمل. لكن خلال اشهر قليلة استطعت ان اتعلم عدد من فنون الطباعة واصبحت طباعا ومصححا، وتقديرا لتطور مستوى الحرفية لدي، رفع الاستاذ اجرتي اليومية الى اربعة دراهم (200 فلس عراقي)، وكان هذا المبلغ يكفي لتغطية المصاريف اليومية لاسرة كاملة.
*انت وصفت الاستاذ كيو موكرياني بالمربي الكبير، هل توضح لنا شذرات عن دوره التربوي؟
-بغض النظر عن الدور الكبير لمطبعة كوردستان والاخوين حسين حزني موكرياني وكيو موكرياني في الصحافة الكوردية وطبع وانقاذ دواوين كبار الشعراء الكرد الكلاسيكيين، فقد كان الاستاذ كيو موكرياني مربيا بالنسبة لكل الذين عملوا في مطبعته. لقد كان يسدي لنا النصح يوميا، ويحثنا على الالتزام بالقيم والاخلاق الرفيعة، وثلاثة اشياء كانت ممنوعة بالنسبة للعاملين في المطبعة، ركوب الدراجة الهوائية واطلاق شعر الرأس والذهاب الى دور السينما. ارشادات استاذنا الكبير موكرياني كانت يومية، وبذلك فقد نشأنا نحن الفتية الذين عملنا لديه على الالتزام بالاخلاق الحميدة وحب الوطن وخدمة ابناء الشعب والكثير من القيم العالية التي زرعها الاستاذ في ضمائرنا.
*هل تتذكر مطبوعات آنذاك؟
-لقد تركز جهدي الحرفي على المساهمة في اصدار مجلة (هتاو) التي كان الاستاذ يرأس تحريرها ويصدرها في مطبعته. لقد كان يمتهن الاستاذ موكرياني العديد من الحرف الفنية والادبية، كالتصوير والطبع وادارة المطبعة اضافة الى مشاغله الادبية والكتابية في الادب والشعر وتأليف القواميس. وكانت مجلة (هتاو) تصدر بشكل اسبوعي او كل عشرة ايام واحيانا كانت تصدر شهريا.
*طيب، وما مآل الارشيف الغني للاستاذ والمنور الراحل كيو موكرياني؟
-الارشيف الغني للاستاذ المنور موكرياني هو بعهدة نجله آزاد موكرياني الذي مازال يسكن نفس منزل والده في حي (تيراوا) وسط مدينة اربيل.
*هل واصلت العمل في حرفة الطباعة؟
-عام 1963 وبعد انقطاعي عن الدراسة، كان امامي خياران لا غير. اما الذهاب الى العسكرية والانخراط في صفوف الجيش العراقي، او الالتحاق بصفوف الثورة والبيشمركة. وتماشيا مع القيم والمثل الوطنية العليا التي زرعها الاستاذ كيو موكرياني في ضمائرنا، اخترت الانخراط في صفوف البيشمركة. وهنا سنحت لي الفرصة للعمل في مطبعة (خبات)، مطبعة الثورة الكوردستانية.
*متى حصل ذلك؟
-بعد التحاقي بصفوف الثورة الكوردستانية عام 1963، تلقيت دورات في التأهيل الثوري وكيفية استخدام السلاح والانضباط الحزبي، وامضيت سنين في مقرات البيشمركة واداء الواجب في مناطق محررة تقع في سهل اربيل. وبعد سلسلة هجمات عسكرية شنتها القوات الحكومية، انسحبت قوات البيشمركة من مناطق سهل اربيل واستقر بنا المطاف وفق آوامر القيادة في وادي قرى سماقولي، وبعد مدة زارنا وتفقدنا الاستاذ الراحل علي عبدالله الذي كان آنذاك عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني، واعلن دعم وتضامن قيادة الثورة مع القوات المنسحبة من سهل اربيل. ومن جهتي قدمت له طلبا بنقلي الى مطبعة خبات، مطبعة ثورة ايلول. وقبل ان يوافق الاستاذ الراحل علي عبدالله على طلبي، استشار رفاقي البيشمركة وقال لهم هل انتم موافقون على نقله؟ اجابوا بالاجماع بالايجاب. عندها زودني بكتاب نقلي الى مطبعة خبات التي كانت آنذاك موجودة في منطقة تقع بين بلدة جومان وقرية ممي خلان. وتعرفت هناك على الكثيرين من الادباء والشعراء والشخصيات الثقافية الكوردية، وعلى رأسهم العلامة الراحل هزار والشاعر هيمن، وكان الاستاذ الكبير هزار موكرياني مشرفا على المطبعة.[1]