نظيرة اسماعيل كريم/ ولد احمد علي قنبر الملقب بااحمد الكوردي او ( احمد المجبرجي ) في محلة باب الشيخ ببغداد عام 1879م. من ابوين كورديين فيليين من عشيرة موسي الكوردية الفيلية ، كبر وترعرع في أجواء وبيئة هذه المنطقة العراقية التاريخية التي تتميز بوجود الكورد الفيلية فيها بنسبة عالية جداً منذ تواجدها، ولم يغادرها ألى اي مكان آخر طوال حياته المثمرة بالعمل والعطاء رغم يسر احواله المادية وامتلاكه لعدة دور في مناطق مختلفة في بغداد لكنه كان يحب ان يعيش بين الناس الذين كان يحبهم وترعرع بينهم . وكان قد تعلم مهنة التجبير على يد خاله شكر والتي اصبحت فيما بعد مهنته الرسمية . كان لاحمد المجبرجي اخ وحيد اسمه محمود (والذي كان جد كنته زوجة ابنه شهاب) ولم يكن لهذين الاخوين اخوات .
تزوج احمد مجبرجي مرتين ، كانت زوجته الاولى تدعى كه وهر وتكنى ( كه وي ) ورزق منها عام 1920 بابنه عبد ومن ثم ولدت له بنت سماها تاوس . لكن القدر شاء ان تتوفى كه وي في شبابها ، وان يتزوج الحاج احمد من شقيقتها زينب ( زينه و ) لاعتقاده ان الخالة عادة تكون أحن من غيرها على اولاد اختها المتوفاة ، وعاش حياة طويلة ومثمرة مع زينه و حيث انجبت له ستة اولاد من البنين والبنات وهم : جه سي ، شهاب ، كميلة ، لميعة ، شوكت ومالك . وتعلم ثلاثة من اولاده مهنة والدهم وهم : جه سي وشهاب وشوكت. لكن عملياً امتهن مهنة الوالد ابنه شهاب فقط وهو نجله الاكبر من زوجته الثانية .
كان الحاج احمد قد تم تجنيده في اوائل شبابه بالجيش العثماني ، حيث شارك في حرب الدولة العثمانية ضد روسيا القيصرية . وكان يجيد لغات كثيرة وهي : الكوردية والعربية والتركية والفارسية والاثورية وقليل من الانكليزية .
قام بمعالجة الملكة عالية زوجة الملك غازي من كسر كانت قد اصيبت به بعد ان عجزت اللجنة الطبية البريطانية برئاسة البروفسور البريطاني رسن درسن من معالجتها. ونتيجة لنجاحه في علاج الملكة منحته وزارة الصحة العراقية في العهد الملكي شهادة رسمية لمزاولة هذه المهنة بشكل رسمي.
وحين قيام ثورة تموز عام 1958 شارك الحاج احمد مجبرجي بمعالجة جرحى الثورة ومساعدتهم مادياً . وزاول مهنته في المستشفى الجمهوري ببغداد لمدة ستة اشهر بأمر من الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم وكان لا يتقاضى اجرة عملياته من الشريحة الكوردية الفيلية حين معالجتهم . عرف عنه دماثة الخلق ومساعدة المحتاجين والفقراء وفي هذا السياق يقول حفيده فائق قاسم الفيلي شقيق المناضل الكوردي المعروف كردو قاسم والحاج احمد هو جدهم لأمهم :
في يوم من الايام توفي احد الاشخاص في منطقتهم ( باب الشيخ ) وتأخر دفنه لافتقاره لاي قريب يتكفل دفنه ولكن الحاج احمد مجبرجي دفنه على حسابه الشخصي . كما كان يقيم مجالس حسينية في ذكرى استشهاد الأمام الحسين عليه السلام لانه كان من محبي آل البيت عليهم افضل الصلاة والسلام . ويحب اولاده واحفاده ولا يفرق بينهم . وفي الاعياد كان يتوجه الجميع الى بيت الجد للتهنئة بالعيد وكان احفاده الكثر يشكلون صفاً طويلاً لتقاضي عيدياتهم من جدهم الكريم الطيب .
وانا نظيرة اسماعيل كريم كان لي الشرف ايضاً أن اعالج على يد الحاج احمد مجبرجي وان المس خبرة ودماثة اخلاق هذه الشخصية الكوردية الفيلية العراقية الاصيلة ، فقد كنت في ربيع عام 1963طفلة بالمرحلة الابتدائية وكنا قد انتقلنا منذ فترة قصيرة الى بيتنا الجديد في حي جميلة ببغداد ، وصادف ان الوالد ذهب الى البصرة وقد اوصته امي ان يأتي لهم بقباقيب من هناك، أي لها وهدايا تقدمها لمن تريد. وكان القباب ذو الكعب العالي الحديدي الذهبي آخر صيحات الموضة آنذاك ، طبعاً ، انا ونظراً لكوني البنت الوحيدة لوالدي اصريت ان تكون واحدة من تلك القباقيب من نصيبي انا ايضا ً وبعد عويل وبكاء اعطوني قبقاب واثناء تجوالي بالبيت به تزحلقت ووقعت من عليه وامتليء البيت بصراخي لان يدي كانت لا تتحرك وتؤلمني للغاية .. اخذني الوالد والوالدة الى باب الشيخ لكي يعالجني شهاب المجبرجي ابن الحاج احمد المجبرجي لكن المرحوم شهاب لم يكن بالبيت فقام الشيخ الجليل من على فراش المرض وجلس امامي وطلب من اهل داره ان يحضروا له العدة لكي يعالجني بنفسه … طبعا كان الخوف قد اعتراني بشكل فضيع وكأنه سيعمل لي عملية جراحية خطيرة وخاصة وان القلق كان بادياً بوضوح على وجه ابي وعيون امي مليئة بالدموع … فتصورت اني على وشك الموت فانفتح فمي على آخره من الصراخ والرهبة. جيء له بإناء كبير فيه ماء دافيء .. جلس امامي وطلب مني بصوت هادئ حنون ان اعطيه يدي ، في البداية رفضت لاني كنت خائفة للغاية لكنه مد يده الكريمة وامسك بيدي الضعيفة النحيفة المعوجة آنذاك … وقال لي لا تخافي .. هاي مامكسورة انما شويه انتي امسويه وكاحة وانخلعت ، وبدء بصب زيت خاص على يدي المصابة وتوزيعه عليه بلطف ليعمل له المساج اللازم وفي الوقت ذاته يتحدث معي لكي يلفت نظري عما سيفعله بي لمعالجتي ، وبصراحة انجذبت لوجهه المريح وحتى علت البسمة شفاهي عندما قال ناظراً لي بنظرة ماكرة من طرف عينه :لعد معرفتي لمن صعدتي على القبقاب انو ممكن توكعين !! وفي هذا الاثناء لا ادري ماذا عمل لي لكني شعرت انه بسحبه ليدي بشده دارت بي الغرفة واغمي علي … وعندما فقت رأيت الجميع حولي بما فيهم هو وبيده كوب عصير برتقال قدمه لي وقال بصوته الذي كان يقطر حنية : اشربي بنتي هذا العصير وبعد لتلعبين بملاعيب الكبار… بعدج صغيرة ووين لمن تكبرين وتلبسين كعب عالي . نعم عالج الحاج احمد مجبرجي يدي ولفه برباط ابيض ولم انسى حتى الان كم كان لطيفا ويعالج مرضاه بخفة وراحة .
في عام 1963 ، واثناء مقاومة اهالي باب الشيخ للانقلاب العسكري الذي قام به القوميون العرب والبعثيون ضد ثورة 14 تموز والزعيم عبد الكريم قاسم، هرب اولاده جميعا الى بيته الذي كان يملكه في منطقة البياع شارع 20 خوفاً منه على حياة اولاده واحفاده لكنه ظل باقيا هو وزوجته زينب ونجله الاكبر عبد في داره بباب الشيخ لكي يكون في خدمة أهالي المنطقة في تلك الاوضاع العصيبة . وفي احدى الليالي تلك وبعد تناوله للعشاء واقامته لصلاة العشاء طلب من زوجته ان تبسط له فراشه ، وحال رقاده أنسابت روحه الكريمة لبارئها . ووصل خبر وفاته الى عائلته في البياع فهرعوا جميعا عائدين الى باب الشيخ . واقيم له تشييع كبير للغاية بحيث تم خلاله قطع شوارع عديدة من بغداد ومنها شارع الكفاح وشارع الجمهورية والصالحية وعلاوي الحلة ، وشارك في التشييع مدير مرور بغداد ورافقت نعشه 180 سيارة …سارت جميعها خلفه من بغداد الى مقبرة وادي السلام في النجف الاشرف حيث يرقد في المقبرة العائلية التي بناها بنفسه هناك. [1]