اضاءة خالدة في تاريخ العمل الخيري للكورد الفيليين…
عبد الصمد اسد/ تعتبر حسينية الاحمدي (الاكراد الفيلية) في عكَد الاكراد، والتي شيدت العام 1942م بمنطقة باب الشيخ، من اقدم الحسينيات التي بنيت في بغداد بعد انهيار الدولة العثمانية اثر الحرب العالمية الاولى وتشكيل الدولة العراقية. وهذه الحسينية شيدت بديلاً لحسينية صغيرة كانت قد بنيت على قطعة ارض مساحتها (100) متر مربع على نفقة ابناء المحلة الميسورين، ومسجلة في سجلات الطابو دائرة التسجيل العقاري تحت رقم (535) العام 1934 محلة سراج الدين، وبالنظر لصغر مساحتها، بادر الحاج احمد بيك محمد الاحمدي، المولود في بغداد العام 1889م والمتوفي فيها العام 1953 ببناء الحسينية الحالية، وخصص جزءا من املاكه وقفاً للحسينية المذكورة وكلف الشيخ العلامة المجتهد الشيخ مصطفى الطالب البغدادي، باقامة صلاة الجماعة والقاء المحاضرات كما عين له راتبا شهريا من ماله الخاص.
ولم يقتصر تبرع الحاج احمد على بناء هذه الحسنية فقط، وانما قام في بداية الخمسينات ايضاً بتشييد حسينية في النجف واخرى في كربلاء..
وكان المرحوم من احد وجهاء وتجار الكورد البارزين في العراق، ومالك محلات اسواق الاحمدي في شارع النهر الموازي لشارع الرشيد ببغداد.
وفي حديث خاص مع ولده ووصيه الحالي منذ العام 1995 في ادارة املاك العائلة والحسينيات، الاستاذ محمد احمد الاحمدي (ابو تيمور)، قال ان والده»احمد محمد احمد محمد الاحمدي«، قد حج الى بيت الله الحرام في العام 1928، وذكره المؤرخ عباس البغدادي في كتابه (بغداد في العشرينات) ودوره ويده البيضاء في العمل الخيري، واكد الاحمدي على ان والده، وجد سكان منطقته التي غالبيتها من محبي آل البيت بحاجة الى حسينية ومكان اوسع من تلك الموجودة في المنطقة، لاقامة الشعائر الدينية ومراسم الفاتحة فبادر الى التبرع بدار كبيرة من املاكه وجعلها وقفاً لهذا الغرض، وتقدم الى الجهات المسؤولة للحصول على الموافقات الرسمية ولكن طلبه رفض في بادىء الامر بحجة ،« ان موقع الحسينية يقع مقابل مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني وقد يسبب اختلاف ألآذان بينهما مشاكل، لورود اسم الامام علي في آذان الحسينية. ولكن الوالد قال لهم ان الحسينية لن تكون لها منارة ولا مكبرات للصوت ، وانما سيكون الآذان داخل الحسينية فقط، فتمت الموافقة».
واضاف ابو تيمور قائلاً :« بعد افتتاح الحسينية، عمد الوالد الى تحمله مصاريف مستلزمات الفواتح، ورواتب الحارس وادارة الحسينية.. واما بالنسبة الى حسينية النجف الاشرف وحسينية كربلاء المقدسة، قام الوالد بتشييدهما ايضاً في بداية الخمسينات وعلى حسابه الخاص، بناءاً على طلب زوار الضريحين من الكورد الفيليين، الذين اوضحوا له حاجتهم الى مكان للتجمع والمبيت عند زياراتهم واحياءهم مراسم الشعائر الدينية في هاذين المكانين المقدسين».
موقف نظام صدام المجحف من الحسينيات…
في اواخر ايام انتهاء الحرب العراقية الايرانية،العام 1987، صادر نظام صدام، حسينية النجف التي كانت امام ضريح الامام علي بن ابي طالب(ع)، وحولها الى محلات تجارية وابقى على مقبرة المرحوم الحاج احمد الاحمدي وفوقها المسجد الصغير بعد تعويض لا يذكر الى ورثته، كما اوضح السيد محمد الاحمدي الوكيل الشرعي الوحيد بعد وفاة اشقاءه الكبار الذين تناوبوا على ادراة الاملاك وشؤون الحسنيات، وكذلك اقدمت سلطة البعث المنحل على اغلاق حسينية كربلاء وتم اعادتها لنا من قبل المسؤولين بعد التغيير في العراق، وهي شبه مهدمة بشكل لا يمكن استعمالها.
وفي العام 2006، بالاتفاق مع الوقف الشيعي قمنا بالشروع باعادة البناء على حسابنا الخاص، وتبرعات بعض المحسنين، مضيفاً القول انه« مازال العمل جارياً وفي مراحله الاولى من عملية صب الاسس والارضية» وانه يرحب برغبة المتبرعين من اجل اتمام البناء…
واما بخصوص حسينية الاكراد الفيلية «الاحمدي» في بغداد بمنطقة عكَد الاكراد، يقول محمد الاحمدي« بوصفى الوريث الوحيد للدار المجاورة الى الحسينية وبعد حصولي على موافقات الجهات المختصة في توسعة الحسينية باضافة الدار وافتتاحها، فوجئت في العام 2002 قبل سقوط نظام صدام بإغلاقها من قبل منظمة المنطقة، وتم استدعائي من قبلهم، وطلبوا مني تغيير الحسينية الى مسجد، فقلت لهم، لا يمكن ذلك، لان المسجد يستوجب وجود منارة على سطحها، بعكس الحسينيات، وان هذه الحسينية منذ ان شيدت كمثيلاتها لم تبنى عليها منارة، وهي في الغالب تقام فيها مناسبات الفواتح، وكيف تغلقون دور العبادة والرئيس يعلن عن حملة ايمانية» ويضيف الاحمدي قائلاً،« بعد هذا النقاش، قال المسؤول ساكتب الى الجهات المسؤولة واخبركم النتيجة، وبعد فترة وجيزة ابلغونا بفتح الحسينية. ولكن لم تمض مدة طويلة حتى تم استدعائي هذه المرة من قبل مسؤول امن المنطقة، وطلب اطلاق تسمية مسجد الاحمدي فقط بدلاً من حسينية الاحمدي للاكراد الفيلية وكذلك رفع اللوحة التي تشير الى عنوان الحسينية من شارع الكفاح عند محل جواد باقر الشكرجي. ولكن بدخول القوات الامريكية الى العراق وزوال نظام صدام انتهى هذا الموضوع الذي كنت حتماً سارفض تنفيذه كما سبق وان رفضت تغير الحسينية الى مسجد، مع احترامي وتقديري للمساجد التي هي كما الحسينيات اماكن تقرب الى الله».
يلاحظ من هذا الموقف والتمييز الطائفي والعنصري بين المواطنين العراقيين التي مارستها الحكومات ( الديمقراطية البرلمانية الملكية) وحتى غالبية الانظمة الجمهورية من بعدها، ظلت تسير في الكثير من قوانينها، وفق نهج فرمانات السلطنة العثمانية البائدة. وانها لم تنزل على العراق مع صواريخ الاحتلال الامريكي، بغض النظر عن الرأي في نظام المحاصصة الجديد.[1]