إعداد/ عبد الرحمن محمد-
ما إن تهاوت أركان السلطنة العثمانية المريضة، وتحررت العديد من الشعوب من نير استعمارها، حتی بدأت ملامح دولة وليدة تظهر في الأفق وتنتهج ذات السياسات المعادية لكافة الشعوب والأقليات، سواء منها ما جاورتها أو ما وقع تحت سيطرتها واستعمرته.
أتاتورك وريث السلاطين الذي تولی زمام الحكم في تركيا حفيدة الإمبراطورية المريضة، بدأ بخطوات عدة ليكسب ود الأوربيين من جهة وليتحكم برقاب العباد – وبخاصة الشعوب غير التركية – وحاول جاهداً التفريق بين الشعوب التي كانت ترزح تحت سيطرة العثمانيين فحاول ضرب الكرد بالأرمن، كما عمد إلی تكريس سياسة قومية شوفينية تؤمن وترسخ مبدأ إنكار اڵاخر والعمل من منطلق وطن واحد شعب واحد ولغة وعلم واحد، ومحو كل ما هو خلاف ذلك وبخاصة فيما يخص الكرد، فمنع اللغة الكردية، وجرّم الأسماء الكردية للأشخاص والمدن والبلدات وأطلق أسماء تركية عليها ومنها “ديرسم” التي أسماها “تونجلي”.
تغيير اسم تونجلي كان فاتحة الثورة التي قادها الشيخ الثائر “سيد رضا” وهو من ديرسم ومن عائلة متدينة ولها مكانتها الدينية في ويتصل نفوذها الديني إلی شرق كردستان في كرماشان. كان لذلك تأثير قوي في تعاون العديد من القبائل معه في ثورته ضد الطغيان الأتاتوركي.
المساعي العثمانية ومن ثم التركية بالقضاء علی كل ما هو كردي وضرب الشعوب المتعايشة ببعضها البعض، لم تكن بالجديدة وقوبلت بالرفض القوي من المجموعات الدينية والقومية بقيادة المتنورين من رجال الدين, مثل ثورة الشيخ سعيد بيران وحركة الشيخ فخري وانتفاضة الشيخ محمد صديق والشيخ سعيد النورسي وثم ثورة الشيخ سيد رضا.
وعندما غير “أتاتورك” اسم “ديرسم” إلی تونجلي عام 1937 اعترض سيد رضا علی ذلك وبعث برسالة عتب ورفض إلی الجنرال “ألب دوكان” معترضاً، لكن رسالته لم تلق إلا الإهمال والرفض، مما حدا بالشيخ سيد رضا بالوقوف في وجه الجنرال وقواته في المنطقة.
بدأت الشرارة لبدء الانتفاضة حسب المجلس العسكري وعلی لسان شاهد روی شهادته في كتاب ل “محسن باتور” الذي طبع في 1985 آنذاك بإحراق الجسر الخشبي عام 1937 وقطع أسلاك التلغراف في يوم 2021 آذار 1937. هذا الجسر الخشبي كان منصوباً علی نهر “خرجك” واعتبر حرق الجسر بمثابة الشرارة الأولی لبدأ العمليات العسكرية ضد المناطق والمدن الكردية.
تكاتفت قبائل “زازا” الكردية مع الشيخ ووقفت في وجه تقدم الجيش التركي الذي رد بمنتهی الوحشية، فما كان من الثوار إلا اللجوء إلی المناطق الجبلية الوعرة، ونقل بعض المشاركين في الثورة صوراً من تلك الفترة بالقول “لجأ كثير من النساء والأطفال والشيوخ إلی كهف – كوتوز يكداغ – في وادي إيسكور خوفاً من الجيش التركي إلا أنهم اكتشفوا موقعهم فأحرقوا الجميع في الكهف”.
بينما وصل كل من إسماعيل حقي وعلي شير لنجدة سيد رضا كان الدكتور محمد نوري ديرسمي يقوم بجولة في عديد من الدول شملت سوريا ومصر ودولاً أخری للحصول علی دعم للثورة والثوار، لكن الدعاية التركية كانت أقوی، ولم تفلح مساعيه، حتی أنه أرسل ابنه إلی الجنرال دوكان ورفض التفاوض بل وطالبه ب”8000″ قطعة سلاح ليتم تجريد الثوار من أسلحتهم، وعندما رفض سيد رضا ذلك كانت الحملة الأشرس والقصف المدفعي والجوي، وخُصص مبلغ 4000 ليرة ذهبية لمن يقتل نوري ديرسمي، بينما عمدت عن طريق المكيدة والخيانة بواسطة “ريبر” ابن أخ سيد رضا من قتل القائد الأبرز للثورة علي شير وزوجته ذبحاً، وكان الخائن “ريبر” سبباً فيما بعد لإلقاء القبض علی عمة وشنقه.
في شتاء 1937 ومع حلول البرد والثلوج تمكن الشيخ الثائر ورفاقه من القيام بهجمات كبيرة علی الجيش التركي، وكبدوه خسائر جسيمة أجبرته علی الرضوخ للمفاوضات، وكان سيد رضا مع نخبة من القياديين ممن ذهبوا لمفاوضة الجنرال، ولكن الجنرال خان العهد وألقی القبض علی سيد رضا ورفاقه في الخامس من أيلول 1937م. وبعد محاكمة صورية وبحضور أتاتورك شخصياً أرسل إلی مدينة “العزيز” وحوكم بالإعدام مع 27 من رفاقه، بينا حوكم 27 منهم بالمؤبد.
لم يرهب الموت سيد رضا وما زالت وقفته وعنفوانه وجرأته حديث الكرد ومفخرتهم، وعن ذلك يقول الدكتور محمد نوري ديرسمي: بعد كل ما قال خطا إلی الأمام بهدوء نحو حبل المشنقة وأمسكه بيديه ليربطه بعنقه للاستشهاد في سبيل الحق دون خوف أو وجل. فيما قدر عدد من الباحثين أعداد الضحايا بما يفوق 40000 ألفاً من الكرد.[1]