قيل عنها الكثير وكتب عليها العديد من الصحفيين المخضرمين، ولا يخفی علی احد خدماتها وفنها الرفيع الذي ذاع صيته في الستينيات من القرن الماضي وظلت لعقود تغني ويصل صدی صوتها جميع ارجاء كوردستان،
واصبحت بالفعل احدی زهور ربيع كوردستان الخلابة، انها الفنانة كولبهار، اي (وردة الربيع) والتي غنت قصائد جميلة للدكتور بدرخان السندي، وزادت من رونق وجمال تلك الكلمات المعبرة والمؤثرة، وقال عنها الدكتور بدرخان السندي في احدی مقابلاته إن كولبهار ظهرت في فترة كانت الأغنية الكوردية فيها تفتقد إلی الصوت النسائي، فملأت الفراغ بجدارة وخدمت في هذا المجال كثيراً وكذلك كتب عنها الصحفي القدير جمال برواري عنها مقالة مطولة سرد فيها بعض من ذكرايته معها في بغداد اثناء العمل في اذاعة بغداد القسم الكوردي، ويقول في معرض حديثه ان الفنانة الراحلة كولبهار سلمه بعض من صورها وقالت له احتفظ بهذه الصور لعلكَ تستفاد منها عندما تكتب عني بعد رحيلي من هذه الدنيا كما تناول حياتها الكاتب فريد هرمزي، ويعتبر معلوماته عن كولبهار المصدر الرئيسي عنها، كما انوه هنا ان ما اذكره هو ما كتب عنها باللغة العربية، ومنهم ايضاً الكاتبة نارين عمر كتبت عنها وانارت بعض جوانب حياتها.
انا لا اريد ان اكرر ما كتب عنها من منطلق في التكرار افادة لا اطلاقاً، انما يمر علينا ذكری رحيلها الرابع في 23 شباط فتقديراً واحتراماً لروحها الطاهرة اردت ان اذكر بها وانير بعض من جوانب حياتها التي بقيت مظلمة لفترات طويلة.
نشأتها
اسمها الحقيقي فاطمة محمد احمد علي، تنحدر باصولها الی قضاء آميدية (العمادية) بمحافظة دهوك، ولكن نتيجة خلافات عائلية تهاجر الی احدی القری السريانية في منطقة جولمرك بشمال كوردستان، حيث ولدت في قرية مارشمعونا السريانية عام 1929، بعدها باعوام قليلة عادت العائلة الی احضان منطقتها الاصل آميدية، واقاموا في بعض القری المجاورة، الی ان يتوفی والدها وهي لاتزال صغيرة في قرية بادرشكي، حيث تضطر عائلتها الی الهجرة الی مدينة الموصل، و تدخل المدرسة هناك وتتابع دراستها الابتدائية بعد ان تهاجر الی بغداد حيث مستقرها، ولكن بسبب ظروف المعيشة الصعبة لم تكمل دراستها، وتزوجت بشاب بغدادي خريج الجامعة الامريكية ورزقت منها ببنت اسمتها بيرفان.
بداياتها الفنية
احست كولبهار بصوتها الجميل منذ الصغر، وكانت لشقيقتها الفنانة فوزية محمد تأثير عليها، لهذا التحقتْ بفرقة كورال الإذاعة العراقية، بعدها التحقت بفرقة (يحيی فائق) ومن ثم انتسبت إلی فرقة 14 تمّوز الفنيّة التي اسسها الشيخ علي درويش استاذ معهد الفنون الجميلة في بغداد، وعبر تلك الفرق اشتهرت وفتحت لها ابواب المشاركة في أعمال تلفزيونية في بغداد، اضافة الی مشاركتها في بعض الأفلام السينمائية كفيلم (الوردة الحمراء) وفيلم (عروس الفرات) كما مثلت في احدی افلام المخرج المصري الشهير يوسف وهبي وهو أحد الرواد في مجال السينما والمسرح العربي، ودخلت عالم الشهرة والمجد في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كفنانة عراقية.
عرفت كممثلة مسرحية في بداياتها وليست كمغنية، واصبحت احدی الفنانات الكورديات العراقيات الاوائل التي تعتلي دكة المسرح علی صعيد العراق كافة، في ذلك الزمان الذي كان خروج رجل علی المسرح يتطلب جرئة كبيرة، بعد ما ظهرت في التلفزيون العراقي ومثلت الی جانب فنانين عراقيين كبار، مثل يحيی فائق وفوزي محسن الامين، اسد عبدالرزاق وزيا البياتي.. الخ
من ثم غنت الموشحات في كورال الاذاعة العراقية، طلاقة لغتها العربية اهلتها بالشهرة والانطلاقة الی عالم الفن اكثر من لغتها الكوردية الام والتي لم تخفي محبتها وتعلقها بتلك اللغة، وبحكم تواجدها في اذاعة بغداد تعرفت علی الكثير من الفنانين الكورد الذين كانوا يتوافدون علی إذاعة بغداد / قسم الّلغةِ الكوردية / لتسجيل أغانيهم وحين استمعوا إلی صوتها وأدائها انبهروا بها وشجّعوها علی الغناء بلغتها الكوردية فوافقت علی الفور.
شهرتها
استمرت بالعمل في الاذاعة والتلفزيون في بغداد، الی عام 1961 وباقتراح من مدير الاذاعة القسم الكوردي آنذاك احمد خليل قررت غناء اولی اغانيها باللغة الكوردية وهي قصيدة للشاعر محمد امين اوصمان، وتم تلقيبها بإسم (كولبهار) آنذاك، وكانت قفزة نوعية بالنسبة لها حيث تحقق حلمها بالغناء بلغتها الام، بالاضافة الی انها كانت قفزة في مضمار الاغنية الكوردية ايضاً مع موسيقا متعددة اڵالات، حيث غنت باسلوب جديد وحديث قياساً، بالمغنيات التي كن يغنين اغاني شعبية وكلاسيكية مثل (نسرين شيروان، مريم خان، فوزية محمد).
اغانيها
استمرت بالغناء وسجلت اغاني عديدة وصلت لحدود 272 اغنية في الاذاعة الكوردية الی حين احالتها للتقاعد عام 1987، وكانت كلمات تلك الاغاني للشعراء محمد امين اوصمان، والدكتور بدرخان السندي وعبد الحافظ مايي ومحفوظ مايي، صبري بوطاني، سكفان عبدالحكيم، فخرالدين دوسكي، ولحن اغانيها كل من الفنانين احمد خليل، ناظم نعيم، ياسين شيخي، سمير زاخويي، محمد قدري، جمال جلال، بشار محمد، وآخرين، وسجلت اغاني ثنائية مشهورة جداً مع عدد من الفنانين منهم اغنية (از كه جم كجا كوردا مه) مع سمير زاخوي، و(زمبيل فروش) مع عيسی برواري و(خالخالوكي) مع تحسين طه، (ماسي فروش) مع فخري بامرني و كذلك مع عبد الله زيرين، فؤاد احمد، بشار زاخويي، محمد قدري، محمد طيب..الخ.
السمة الابرز في شهرة كولبهار اقامتها لحفلات فنية خارج العراق وكوردستان واحداها بصحبة المطربين محمد عارف الجزيري وعيسی برواري في لبنان عام 1973، وكذلك في بريطانيا والنمسا وفرنسا عام 1977- 1978 وفي عام 1981 ذهبت الی امريكا للغناء في حفلات للجالية الكوردية.
خاتمة
غادرت كولبهار الاذاعة الكوردية دون ان يكون بيدها اي اغنية او كاسيت مسجل، لان النظام في اڵاذاعة كان يقوم علی آداء الاغنية بشكل مباشر ويتم تسجيلها باجهزة خاصة في تلك الايام، يعني لم يكن باستطاعتهم تسجيلها علی اسطوانات او اي شيء قابل لاعادة الاستماع اليها، لذلك قامت هي بنفسها في البحث عنها في محلات التسجيل وجمعت ما تمكن منها اصحاب المحلات من تسجيلها من الاذاعة، وصلت بحدود 90 اغنية جمعتها من جديد واعادت تسجيلها علی الاسطوانات او الشرائط ووزعتها، كما قام معهد التراث الكوردي في دهوك بالبحث عن اغانيها واعادت تسجيل 6 اقراص من اغانيها مع كتيب صغير عن حياتها.
واعتزلت كلبهار الغناء في عام 1985 وكانت آخر أغنية أدتها قبل اعتزالها هي)دلو ته ئه ز هيلام) للدكتور بدرخان السندي، وبعد سقوط نظام بغداد وضيق العيش والظروف الامنية الصعبة غادرت الی الاردن لتعيش مع ابنتها بيرفان عدة اعوام قبل ان تعود الی الاقامة بين اهلها وجمهورها واحبائها في دهوك، وكرمت في حفل فني ضخم اقامته المديرية العامة للثقافة والفنون في قاعة محمد عارف جزيري عام 2005، و حضرها جمعهور غفير وغنت بصوتها الرخيم بعض اغانيها وهي في خريف عمرها، وقدمت لها جوائز رمزية من قبل العديد من المؤسسات الاعلامية في المحافظة.
عادت كولبهار الی بغداد مجدداً لتغلق عيونها علی الحياة في احدی مشافيها، بتاريخ 23/2/2010 ووارت الثری في مزار النجف الاشرف، بناء علی وصيتها حسبما يقال، وهناك شك في امر هذه الوصية لانها كانت تؤكد علی ان تدفن في بلدها بعد وفاتها.[1]
المصدر جريدة التآخي العدد والتاريخ: 6798، 2014-03-03