هوزان أمين- في السابع عشر من شهر كانون الاول الماضي، مرت الذكری 27 علی رحيل امير الطرب الكوردي وصاحب الفن الاصيل محمد عارف جزرواي، فلا بد من الحديث والتذكير بهذا العملاق في صرح الفن الكوردي، ولايجوز ان تمر هذه الذكری مرور الكرام،
قيل عنه الكثير الكثير ولكن اكثر الاوصاف التي تليق به انه أحد اعمدة الفن الكوردي، فلكل شعب من شعوب العالم اناس وشخصيات يفتخرون بها ويمجدونها، فأن لدی الشعب الكوردي ايضاً شخصيات تليق بالاعتزاز والفخر بها، في شتی المجالات، ومثال ذلك في مجال الفن، هو محمد عارف جزراوي، لا يكاد يكون هناك منزل كوردي في اي مكان، يخلوا من كاسيت او اغاني محمد عارف، فهو فنان معروف ومشهور في الوسط الكوردي العام، سنحاول التذكير بابرز محطات حياته الزاخرة بالعطاء والفن.
نشأته
ولد محمد عارف جزرواي في مدينة الامراء والشعر والادب، مدينة ملايي جزيري، جزيرة بوطان، عام 1912 لعائلة فقيرة، والده عارف محمد كريم ذهب الی الخدمة العسكرية اثناء الحرب العالمية الاولی ولم يعد، والدته عدلة رشيد المغنية المعروفة في زمانها، والتي علمته القصص والملاحم الكوردية وتتلمذ علی يديها، عمل في اعمال شاقة وهو لايزال يافعاً لتأمين قوت عيشهم بعد فقدان والدهم، ومع انهيار الامبراطورية العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية عام 1923 سائت احوال الشعب الكوردي اكثر، وتعرضوا لحملات الابادة والاعتقال، بعد ثورة الشيخ سعيد عام 1925 حيث اعتقل وزج به في سجن دياربكر، بتهمة تهريب السلاح من كوردستان الجنوبية الی تركيا لصالح ثورة الشيخ سعيد، واطلق سراحه بعد اربعة اعوام قضاها في سجن دياربكر، بموجب عفو وعاد الی بلده جزيرة بوطان.
هجرته الی الجنوب
بدت عليه علامات الفن والغناء وهو مازال صغيراً، حيث تعلم من والدته التي كان يرافقها الی الموالد والمناسبات الدينة حينما كانت تلقي القصائد الدينية والاغاني التراثية، حيث اضطرت عائلته الی الهجرة الی مدينة زاخوا نتيجة سوء احوالهم المادية، ولوجود اقارب لهم من جهة الام هناك، وغادر مع اخيه صالح الی مدينة الموصل حيث عمل في مهنة تطهير الاولاد، من ثم بدأ برحلة البحث عن الاغاني الفولكلورية وحفظها عن ظهر قلب، الی ان تعرف علی شريكة حياته نازدار التي تزوجها عام 1933 في دهوك، وانجبت له 3 اولاد و4 بنات.
الاسطوانة الاولی
كان ملماً بالغناء ومحباً للعزف والطرب، وفي رحله البحث عن الاغاني والمغنين، تعرف علی فنانين كورد كان قد سطع نجمهم في ذلك الزمان امثال كاويس آغا ومريم خان و الماس خان فكان له حظ الالتقاء بهم.
وفي ذلك الوقت كان قد افتتح حديثاً شركات فنية لتسجيل الاغاني يملكها يهود ومسيحين حينما كان العراق تحت الاحتلال الانكليزي، وكانت الماس خان اول فنانة يسجل صوتها علی اسطوانات عام 1926، وسجل له اول اسطوانه برفقة مريم خان عام 1934 الی ان فتح القسم الكوردي في اذاعة بغداد وحدثت ثورة الغناء الكوردي آنذاك.
الاذاعة الكوردية في بغداد
افتتح قسم الاذاعة الكوردية في بغداد عام 1939 ويعود الفضل لتلك الاذاعة الی تسجيل ونشر الاغاني الكوردية وارشفتها، وتعتبر اذاعة بغداد اول اذاعة تبث الاغاني الكوردية في تاريخ الشعب الكوردي، حيث سجل هناك قرابة 14 اسطوانة واشتهر بهما وذاع صيته، وتعرف علی كبار الفنانين الكورد هناك، امثال طاهر توفيق، علي مردان وعلی فنانين عراقيين امثال الياس خضر وحسين نعمت وغيرهم وقاموا بالغناء سوياً، ومن هناك بدأ رحلة التجول بصحبة طنبوره في احياء الحفلات والمناسبات في المدن الكوردية وتفرغ تماماً للغناء، وشارك في العديد من المناسبات الوطنية والقومية كعيد نوروز، والاحتفال باتفاقية 11 اذار 1970 في كل من كركوك والسليمانية وهه ولير.
ولكن بعد ان يضيق به سبل العيش حيث كون عائلة واولاد، قام بأنشاء فرقة دينية برفقة رمضان جزيري وآخرين، وبدأوا بالتجول في المدن والقری الكوردية المحيطة بدهوك، وانشاد القصائد الدينية والاغاني الشعبية في بيوت الاغوات وفي المناسبات والاعراس والطهور، الی ان غادر دهوك مجدداً عام 1949 وألتحق بإذاعة بغداد وعمل فيها بصفة رسمية حيث سجل قرابة 300 اغنية كوردية، حتی احيل الی التقاعد عام 1974.
جولاته الخارجية
بعد الشهرة التي نالها بفضل راديو بغداد وموهبته الفذة في الغناء، صاحب المطرب حسن جزيري الی مدينة كرمنشاه في ايران عام 1961 وحل ضيفاً علی راديو كرمنشاه الكوردي، وتعرف هناك علی الفنان المعروف حسن زيرك وسجل معه بعض الاغاني، وفي عام 1968 تلقی دعوة من القامشلي لاحياء حفلة في منتزه كربيس، ذهب الی هناك ولاقی ترحيباً حاراً من اهالي المدينة من الكورد والمسيحين والارمن، وفي عام 1973، صاحب الفنانة كولبهار وعيسی بروراي الی لبنان واقام حفلة فنية لاكراد لبنان في صالة سينما ريفولي ببيروت، وتعرف هناك علی الفنان سعيد يوسف وأقام في منزله واحيوا معاً بعض الحفلات، ويقال انه زار الكويت وتركيا ايضاً خلال جولاته الفنية، كما يقال ان منظمة اليونسكو قد اقرت بأن يكون محمد عارف ممثلاً للفن الكوردي وتراثه لديها.
كما جدير بالذكر ان الفنانة الكوردية عيشه شان عندما قدمت الی العراق عام 1978 ذهبت اليه خصيصاً وزارته في الموصل، واقام معها في منزل عيسی برواري امسية فنية و سجيلت تلك الامسية وهي متوفرة في الاسواق.
وفاته
في مراحل حياته الاخيرة اصبح رئيس قسم الموسيقی في المديرية العامة للثقافة والفنون بدهوك، ولكنه بكل اسف غادر جمهوره ومحبية الی تلك الحياة الابدية في17/12/1986 بعد ان توقف قلبه عن الخفقان في مستشفی آزادي بدهوك بعد تدهور حالته الصحية واصابته بمرض السكري والذي كان سبباً لاصابته بالعمی قبل اعوام من رحيله، وفي مراسيم شعبية دفن في مقبرة شاخكي بدهوك.
خاتمة
رحل محمد عارف جزراوي بعد ان ترك ارثاً ثقيلاً من الغناء والفن قدر باكثر من 300 اغنية وموال وحكاية وملحمة من تاريخ الشعب الكوردي وبطولاته، ألف وكتب العديد من اغانية، تميز اسلوبه بالبساطة وعذوبة الالحان، يحاكي عبرتلك الاغاني الواقع الكوردي المؤلم، ومخلداً العديد من القصص والحكايات الكوردية في اغنياته مثل (درويش عبدي، غزال غزال، جومه أورفاي، بافي سيرو، خرابو) وغنی علی كوردستان ومدنها وعلی طبيعتها الخلابة، وتقديراً له ولخدماته للفن والثقافة الكوردية تم تسمية إحدی القاعات الفنية في مدينة دهوك باسمه وتم نصب تمثال نصفي له أمام مدخل القاعة، كما الف عنه الكاتب سكفان عبدالرحيم كتاباً تحت عنوان (محمد عارف الحجل الاصيل) وطبع في بغداد عام 1992، كما اصدر معهد التراث الكوردي في دهوك البوماً تضمن اغلب اغانيه، كما قيل وكتب عنه الكثير ولا زالت حناجر كبار الفنانين الكورد الی اليوم تصدح بأغانيه ومواويله الجميلة.[1]
المصدر جريدة التآخي-العدد والتاريخ: 6749، 2014-01-02