هوزان أمين-تعتبر ا لفنانة الكوردية عيشه شان واحدة من أكثر الأصوات النسائية تأثيرا في الموسيقى الكوردية المعاصرة، فقد برزت على سطح الغناء الكوردي في ظروف صعبة، وقاومت مقاومة مريرة وكافحت كفاح لا مثيل له حتى اثبتت وجودها بقدراتها الفنية وصوتها الشجي، منتصرتاً على المعتقدات والتقاليد البالية
التي تنظر الى الغناء والموسيقى على انها عيب على الرجال، فما بالك بإمرأة تتسلق على دفة المسرح وتغني، ضحت بعائلتها واقربائها وجيرانها وقطعت العلاقة معها من جانبهم في سبيل الغناء وابراز فنها وغنائها، يمر علينا في 18 من هذا الشهر ذكرى وفاتها السابع عشر فكان من الجدير بنا التذكير والتعريف بها كون المصادر التي تتحدث عنها باللغة العربية قليلة جداً او تكاد تكون معدومة .
نشأتها
ولدت الفنانة عيشه شان او عيشانه علي كما كانت تسمى، في مدينة دياربكر بشمال كوردستان( تركيا) سنة 1938، تعود بأصولها الى مدينة أرزروم حيث هجرها جدودها نتيجة الحرب بين العثمانيين والروس، وقتل وتشرد نسبة كبيرة من اجدادها، والدها محمد اوصمان علي شان، ووالدتها أليف خان، توفي والدها في الخدمة الاحتياطية اثناء الحرب العالمية الثانية حيث مرض وتوفي في المستشفى وعيشه شان مازالت صغيرة.
درست حتى المرحلة الابتدائية وعاشت طفولة تعيسة في حارة (عربداشه) داخل اسوار مدينة دياربكر، هي الاخت الكبرى لثلاثة بنات وابن وحيد، لعائلة فقيرة تعجن وتبيع الخبر في منزلها.
تحس بحلاوة صوتها وجماله في الصغر عندما كان المغنين او (الدنكبيز) بالكوردية يجتمعون في منزل والدها وكانوا يحيون ليالي السمر والغناء بوجود والدها الذي كان يحفظ العديد من الاغاني الفولكلورية والتراثية، تأثرت عيشه شان بوالدها، وبدأت بالغناء في حجر النساء وفي الموالد حيث كانت تقرأ القرآن والقصائد الدينية، وبنت عليها اساسها الفني وكونت موهبتها الغنائية.
غنائها
بعد ان شعرت بوجود هذه الموهبة الربانية وهذا الاحساس المرهف اتجاه الغناء، واصبحت ثقتها بنفسها وصوتها عالياً، حاولت الغناء في الاماكن العامة ولكن العائلة المحافظة والمتمسكة بالتقاليد تقف حجر عثرة امامها، ولكن بإصرارها الشديد سجلت اول اسطوانه لها بشكل سري عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها واشتهرت بها، ولكي تحفظ العائلة قيمتها ومكانتها بين المجتمع تم تزيجها الى رجل متزوج وله اولاد وهو بعمر والدها، ولكنها واجت ظروف صعبه، وفرت مع ابنتها الصغيرة ياسمين الى دياربكر مجدداً.
بعد عودتها الى دياربكر، واجه نظرات المجتمع وحديث الناس السلبي عنها، حتى تزوجت من رجل اسمه جركس، واشترطت عليه ان لا يمنعها من الغناء فوافق، ولكنه وبسبب عادة الثأر قتل بعد فترة قصيرة من الزواج، حيث اضطر في نهاية الخمسينياتبعد معاناة كبيرة من السفر الى مدينة عنتاب، وبدأت بالعمل في مكتب لبيع بطاقات النقل الداخلي، الى جانب غنائها في اذاعة عنتاب المحلية الحكومية.
شهرتها
تعرفت عيشه شاه على فنانين كبار في عنتاب، وبدأت بالغناء بشكل اكثر احترافية وبوجود آلات موسيقية حديثة في ذلك الوقت، غنت باللغة التركية في البداية، واشتهرت كثيراً في الاذاعة، حيث تراكض اليها اصحاب الكازينوهات للغناء عندهم، وغنت باللغة الكوردية ايضاً، فصلت بعدها من الاذاعة الحكومية كونها غنت بلغة ممنوعة في ذلك الوقت، بعد قرابة العامين من العمل في الاذاعة وموت أبنتها الصغيرة، الذي اثر عليها كثيراً، تركت عام 1961عنتاب وتوجهت الى اسطنبول واستقرت هناك.
قامت بتسجيل اول نتاج لها في اسطنبول عام 1963 بعنوان “Ez Xezal im”واحتوت على اغنيتين كورديتين، وكانت جرأة كبيرة في ذلك الوقت ان تسجل اغاني باللغة الكوردية التي كانت يحاسب عليها من قبل الحكومة كونها لغة ممنوعة، وعلم بها اصحاب التسجيلات ومدى الاثر الذي تركه اسطوانتها الاولى حيث نفذت من الاسواق بسرعة كبيرة، حيث تعرضت للنصب والاستغلال من قبلهم بعد ان تم استغلال طاقاتها الفنية وهي بنفسها كانت تجهل حقوقها، وسجلت اسطوانتين اخريتين وسطع نجمها اكثر، وبدأت بالغناء في الحفلات الراقية وتهافت عليها الطلبات من كل حدب وصوب، وبدأت بالغناء الى جانب كبار الفنانين الاتراك آنذاك امثال (عارف صاغ، زكي مورن، نوري سيسي كوزل، اورهان كنجه باي...وغيرهم) ولكن رغم التهديدات بعدم الغناء باللغة الكوردية، ووعدوهم لها اذا تركت الغناء باللغة الكوردية سيفتحون لها المجال بالغناء في اذاعة وتلفزيون تركيا الرسمية TRT، والكثير من المفاجئات الاخرى، إلا انها اصرت على ذلك، وتعرضت لطعنة سكين على المسرح من قبل احد القوميين المدفوعين، حيث تركت على اثرها اسطنبول بعد ان تعافت وغادرت الى المانيا عام 1972لاجل احياء بعض الحفلات، واقامت حفلات عديدة في كل من المانيا، هولندا، النمسا، وبعض الدول الاخرى، و اجرتمعها اذاعة BBCلقاء مطولاً في لندن.
بعد مكوثها قرابة اربعة اعوام في المانيا، ومعانات الهجرة والحسرة الى الوطن، عادت الى اسطنبول عام 1975 واصدرت اسطوانتها الاشهر آنذاك (Memo Gider Alamanya'ya) حيث اصبحت الاسطوانة الاكثر مبيعاً في تركيا آنذاك، ومن ثم غادرت الى مدينة ازمير حيث تزوجت ابنتها هناك، وبدأت بالعمل في اذاعة ازمير .
عيشه شان في الاذاعة الكوردية ببغداد
بناء على طلب بعض الاصدقاء توجهت الى العراق والى مدينة الموصل تحديداً، واتصلت مع الفنانين الكورد المشهورين آنذاك محمد عارف جزيري وعيسى برواري، ومن ثم توجهت الى بغداد حيث كانت المفاجئة الكبرى للعاملين في الاذاعة الكوردية ببغداد، فاستقبلوها اجمل استقبال وقدروها كثيراً، وسجلت حلقات فنية في اذاعة بغداد، ومكثت في منزل الفنانة الراحلة كولبهار والراحل سكفان عبدالحكيم رافضة الاقامة في الفنادق، وشاركت مع فنانين كبار امثال تحسين طه، محمد عارف جزيري، رسول كردي، كولبهار و عيسى برواري في احياء حفلات فنية في بغداد، هولير، موصل ودهوك، وبعد عودتها الى تركيا تعرضت لضغوطات شديدة من قبل السلطات التركية، حيث اضطرت الى التواري عن الانظار لفترة من الزمن بناء على طلب بعض السياسيين الكورد آنذاك، وعانت في ترك الفترة من العوز ودخلت في ظروف نفسية صعبة، الى ان قامت بتسجيل ثلاث كاسيتات جديدة باللغة الكوردية في تلك الاعوام وبعد ان سمح باللغة الكوردية في زمن الرئيس تورغوت اوزال عام 1990 ومنها Werin Werin Pêşmerge و Diyarbekir و Newroz.
رحيلها
كان أخر ظهور لها كان عام 1992 في ازمير في حفلة نظمها مركز الثقافة والفنون الكوردية، وبعدها تعرضت لمرض مزمن وتوفت في احدى مشافي أزمير بتاريخ 18/12/1996 بعد ان انقطعت اخبارها عن العالم الخارجي لسنوات عديدة ودفنت هنا، بعكس ما قيل عنها انها توفت في منزلها وحيدة منسية ولم يعلم بها احد إلا بعد ايام وان البلدية قامت بدفنها، هذا حسب ما ورد في كتاب Ez Eyşeşan im للكاتبة زينب ياش من اصدرات معهد التراث الكوردي والتي كانت المصدر الرئيسي لهذا المقال، حيث اكدت فيها انها رحلت عن هذه الدنيا في المستشفى وكان وابنها مراد وابنتها ياسمين الى جانبها، ولكنها لم توارى الثرى بشكل يليق بمقامها الفني الرفيع واقتصرت مراسيم الدفن على بعض الناس.
خاتمة
اتسمت اغاني عيشه شان بالحنان والصوت الرخيم بشكل قل نظيره، على الرغم من انها لم تدرس لا اكاديمية فنية ولا معهد موسيقي إلا انها كانت تتقن الآداء والاسلوب الفني الخاص بها، وغنت الوان متعددة ومقامات صعبة وعن مواضيع مختلفة مثل الهوى، الفراق، الطبيعة، والوطن، كانت تغني بلغات عديدة منها التركية والكوردية والفارسية والعربية، ولم تكن تفرق بين المذاهب والاديان حيث كانت لغة الاغنية عندها هو الفن الانساني النبيل، عيشه شان الفنانة المشهورة وصاحبة المقام الرفيع و الملكة التي بدون تاج وسراي كما سميت، وصاحبة الاغنية المشهورة Ey qederê اي ( ايها القدر) التي تحاكي فيها ذاتها وآلامها في هذه الدنيا كان قدرها ان تعيش وحيدة وتموت وحيدة، لن تنسى ابدأً لانها تركت ارثاً موسيقياً وغنائياً كبيراً ستظل طوال الدهر.[1]
جريدة التآخي - العدد والتاريخ: 6745 ، 2013-12-28