اعداد/بهاءالدين جلال
الدكتور حسين بديوي كاتب و محامي و شخصية اكاديمية عراقية في المهجر،عمل كقنصل عراقي في عدد من الدول العربية و الأوروبية،حُكم عليه بالسجن في بغداد و من ثم اصدر بحقه الأعدام،ثم اطلق صراحه بعفو من السلطات آنذاك،هرب من المخابرات العر اقية و اختفى في دول اوروبية ، لقد زار كوردستان مؤخراً، والتقته كولان ووجهت له عدداً من الأسئلة تتعلق بالأوضاع في اقليم كوردستان و العراق و مسائل اخرى.
* تتخذ القضية الكوردية ابعاداً اوسع في الأوساط الداخلية و الأقليمية و الدولية ، كمثقف عربي ماهي قراءتك لتطورات القضية الكوردية؟
- أنا لاأنظر الى القضية الكوردية من أنها تخص الكورد في العراق فقط،بل أنظر اليها بشكل شمولي،أنا منذ الطفولة بحكم القرابة مع الكورد و متابعتي المستمرة اوليتُ اهتمامي الخاص بهذه المسألة،اريد أنْ أشير الى أنّ القضية قومية، ومن حق الشعب الكوردي مثل الشعوب الأخرى أن يتمتع بالحياة الحرة وتقرير المصير،حيث تعرض الكورد منذ اتفاقية سايكس بيكو على ارض اجدادهم الى الويلات والمآسي و الظلم ، واذا سألنا لماذا كل هذه الوحشية ضد شعب يرغب في السلم و التعايش المشترك مع الشعوب و الأقليات القومية المتآخية،ولماذا أقدمت كل الأنظمة المتعاقبة على الحكم على الأبادة الجماعية و تدمير الآلاف من القرى وتهجير سكانها، ومن اكثر المآسي التي هزت لها مشاعر الأنسانية هي القصف الكيميائي لمدينة حلبجة و المناطق الكوردستانية الأخرى،الأجابة الوحيدة لهذه الأسئلة تكمن في أن الأنظمة السابقة لم تكن لتمتلك ذرة من الضمير و الشعور الأنساني ، أما بالنسبة الى القضية الكوردية فإنها تتخذ الآن ابعاداً دولية على مستوى البرلمان و المؤسسات العالمية ، لقد توفرت في العراق فرصة افضل للأعلان عن الفدرالية ولكن لازالت هناك جهات تعادي الكورد في هذا الحق بالرغم من انّ الفدرالية هي اقل حق من حقوق الكورد بعد نضاله المرير من اجل تثبيت هويتهم القومية،ولكن علينا أن نشير الى أنّ الكورد في تركيا و ايران و سوريا و اماكن اخرى لم ينالوا الجزء القليل من حقوقهم مقارنة بأقليم كوردستان العراق،أشرتُ في كتابي الذي تم طبعه في اقليم كوردستان عام 2006 بعنوان(خطوة على الطريق نحو البيت الكوردي الكبير)الى مستقبل القضية الكوردية و ذكرتُ فيه أنّ في الأقليم تجربة طليعية و رائدة في الأدارة الذاتية و بأمكان الأجزاء الكوردستانية الأخرى الأستفادة منها مستقبلاً.
* وضع البارزانيي الر احل على مدى اكثر من نصف قرن في الثورات التي قادها الحجر الأساس للأخوة الكوردية –العربية و دافع عنها باستمرار ولم يسمح لها أنْ تتصدع، انت كمثقف عربي كيف تنظر الى هذا الموقف للبارزاني الراحل؟
- أنا مع الشعب الكوردي في تحقيق كافة مطالبه و حقوقه القومية و في الوقت ذاته من حقهم الأعتزاز بقادتهم و بثوراتهم و نضالهم الدؤوب،حقاً يجب علينا تقييم الدور الرائد للبارزاني الراحل و يشهد تأريخ العراق و العالم على أنه كقائد قومي و أب روحي للأمة الكوردية حاول خلال سنوات نضاله الحفاظ على الأخوة الكوردية العربية و القوميات و الأقليات الأخرى،وبالنسبة للأوضاع المتوترة بين الأقليم و المركز،أرحب بأي مبادرة من شأنها تهدئة الأوضاع و التصدي للمحاولات المغرضة التي ترمي الى تنفيذ مؤامرة اجهاض التجربة الديمقراطية في العراق الفدرالي،ولايجب ربط العلاقات بين الشعبين الكوردي و العربي بأحداث العراق لآنّ تلك الأخوة قائمة بين اقليم كوردستان و العالم العربي، وتأثيرها على مستقبل و مصير الشعب الكوردي في نيل حقوقه القومية و الوطنية،وحتى في تحقيق الأمنية المشروعة في تأسيس دولتهم المستقلة.
* يتميز اقليم كوردستان بالمقارنة مع مناطق العراق الأخرى بالتطور الهائل الذي حققه في الأعمار و البناء و الأستثمار وبناء العلاقات الدبلوماسية مع الدول العربية و الأوروبية ،وبالرغم من الموازنة القليلة المخصصة له من موازنة العراق و المقررة 17% ولكن في الحقيقة هي اقل من تلك النسبة،الاّ انّه اتخذ خطوات حثيثة في كل المناحي،كيف تقرأون هذه المقارنة و المعادلة؟
- بالتأكيد إنّ الكورد يمتلكون ارادة قوية في البناء و التطوير حتى في حال عدم وجود نسبة 17% من الموازنة،والكل يعرف الحقيقة،إنّ شعب كوردستان عندما انتفض في اذار عام 1991 ضد المؤسسات القمعية للنظام البعثي البائد ،لم يكن يمتلك في تلك الفترة أية موازنة ولكنه اعتمد على امكانياته الذاتية بالرغم من الحصار المزدوج العراقي و الدولي،واستطاع الشعب الكوردستاني اجراء الأنتخابات البرلمانية بنجاح ومن ثم تشكيل اول حكومة لأقليم كوردستان،و كذلك المؤسسات و الدوائر الخدمية و الأنتاجية ،لذا على الحكومة الأتحادية الأعتزاز بهذا الجزء من العراق الذي يشهد مثل هذا التطور و عليها نقل التجربة الأدارية للأقليم لبناء مؤسساتها الديمقراطية، اعتقد أنّ ماوصل اليه العراق الآن هو نتيجة لأنعدام الأرادة المخلصة و العمل الجماعي بسبب الصراع الطائفي و الحزبي و التبعية السياسية و الأدارية و الأفتقار الى الحرص و الجرأة في تنفيذ المشاريع الخدمية ،لذا نجد أن الشعب العراقي يعاني من الفقر والأمراض النفسية و الأجتماعية و قد أسعدتُ جداً عندما سمعتُ قيام برلمان كوردستان بتعديل القوانين و الأنظمة التي صدرت في عهد النظام السابق و اجراء تغييرت عليها لتنسجم مع التطورات و المستجدات الأجتماعية و السياسية و الأقتصادية و حتى الدولية.
*تعم المنطقة في الوقت الحاضر موجة اسلاموية والتي اجرت تغييراً أساسياً في حياة الشعوب،وكما نلاحظ الآن من خلال وسائل الأعلام الصرع الذي يحصل بين العلمانيين و المتشددين الأسلاميين في مصر بعد مجيء الأخوان المسلمين الى السلطة،ألا تعتقد أنّ هذه الموجة سوف يكون لها التأثير على مسار العملية الديمقراطية و مبادئها و مستقبل المنطقة؟
- انا مع التنوع الديني، وعندما أنزل الله سبحانه و تعالى دياناته على البشرية ارسلها لتُستخدم في خدمتها مهما كان اختلاف السنتها و قومياتها و لتسودها روح التسامح و التعايش السلمي، ولكن للأسف الشديد ظهرت الآن على الساحة مجموعة بأسم الأسلام تريد تغيير الواقع الحالي للمجتمعات ألاتدري هذه المجموعة أنّ الأسلام هو دين الجميع و نؤمن به و بتعليماته و بشريعته السمحاء ولاحاجة لكي يأتي ناس ليعلّمنا اصول الدين و الأسلام؟لذا نجد انّ في مصر مجموعة اسلامية معينة تسلّمت السلطة،ولكن يجب أنْ لا تفرض ارادتها السياسية على غيرها من الكتل و المجموعات،لأنّ هناك مسيحيين و تيارات علمانية و منظمات تقدمية يجب تقدير مشاعرهم و معتقداتهم الدينية و الفكرية،اعتقد أنّه لايجوز بأي شكل من الأشكال الدمج بين السياسة و الدين ، ولهذا السبب نجد أنّ الغرب متقدم في هذا الجانب حيث فصلوا الدين عن السياسة، لأنّ للدين قدسيته و مبادئه الخاصة،ومن هذا المنطلق نرى أنّ محمد مرسي يحمل شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة الأمريكية ولكن بالرغم من ذلك فهو لايلتزم بالمبادىء التي قامت من اجلها الثورة ،لذا عليه التعامل بعقلانية و حكمة مع المستجدات من الأحداث بدلاً من بث الأفكار المتخلفة و الفوضى بين ابناء الشعب المصري،ولكن متأكد من أنّه سيأتي يوم تفكر الأطراف المتنازعة في ايجاد حل يرضي الجميع،ولكنه في العراق فالأمر يختلف كثيراً حيث انعدام الأرادة الخيرة للأصلاح مع وجود الطائفية المقيتة بين المكونات السنية و الشيعية والكثير من المتشددين واصحاب المذاهب الدينية،حتى أنّ البعض منها يقاتلون بعضهم بعضاً بسبب الأسماء، أنا معجب جداَ بما صرح به السيد مقتدى الصدر عندما قال لماذا هناك هيئتان لعلماء الدين من السنة و الشيعة لتتحد الهيئتان تحت اسم واحد،كما أقيّم عالياً التصريحات الأخيرة للمرجع الديني في النجف الأشرف و شخص آية الله السيد سيستاني الذي دان التشنجات و التوترات الأخيرة داعياً حل المشكلة عبر الحوار السلمي بعيداً عن العنف و التطرف،انا أتساءل لماذا اذا اصبح طرف من الأطراف قوياً يقوم بأيذاء الطرف الآخر،ألا يعلمون أننا جميعاً تعرضنا سابقاً الى الظلم و الأستبداد و الأضطهاد على أيدي الأجهزة القمعية للأنظمة المتعاقبة على الحكم في العراق؟أنا أُلقي باللائمة على حكومة العراق الفدرالي التي تمتلك الآن جيشاَ نظامياً كيف يمكن لها أنْ توجّه الأسلحة الى الشعب الكوردي؟الكورد الذين كان لهم الدور المتميز والرائد في انشاء هذا الجيش،و يتفوهون بكلمات غير لائقة و نابية ازاء السيد رئيس اقليم كوردستان و هو الأبن البار للراحل مصطفى البارزاني الذي اعطى اوامره الى بيشمركة كوردستان في عام 1967 بإيقاف العمليات العسكرية ضد الجيش العراقي آنذاك و السماح له للتوجه الى جبهات القتال مع الجيش الأسرائيلي في حرب حزيران،إنّ الشعب الكوردي كان بأمكانه في عام 2003 تقرير مصيرهم أو الأستمرار في شبه الأستقلال الذي حققوه بعد انتفاضة عام 1991كما أتسال اين كانت تعيش المعارضة قبل سقوط صدام حسين ،ألم يكن الجزء الأكبرمنها يقيم على أرض كوردستان؟ على هؤلاء الأيفاء ازاء الرعاية التي اولاهم اياها اخوانهم من القادة الكورد وشعب كوردستان طيلة الفترة المذكورة.
* سؤالنا الأخيريتعلق بالمشكلة القائمة بين الأقليم و بغداد،حيث يطلق المالكي تسمية(المناطق المختلطة) على المناطق الكوردستانية خارج الأقليم، وهذا هو خرق للدستور و تقف وراءها اغراض سياسية، ماهو تعليقكم على ذلك؟
- قبل كل شىء على الكل الأحتكام الى الدستور،والدستور لم يوضع من قبل شخص أو شخصين وانما شارك في صياغته عدد كبير من الخبراء ورجال القانون و المثقفين و ذوي التجارب و الخبرات،ومن عموم المكونات القومية و الدينية و المذهبية،حيث مناقشة كل البنود و المواد الدستورية لفترة طويلة ومن ثم صوت الشعب العراقي ومن كل القوميات و الديانات على الدستور الجديد،والآن من الضروري تنفيذ الدستور بحذافيره،ولكن خرق الدستور و التهرب من تنفيذ مواده يعني أنّ هناك من يريد التآمر على البلد و ايصاله الى الهاوية و الطائفية المقيتة،و بالنسبة الى كركوك والمناطق الكوردستانية خارج الأقليم هناك المادة 140 ويتم بموجبها حل القضايا المتعلقة بتلك المناطق،وكما هو معلوم أنّ الكورد في كركوك تعرضوا ابان الحكم البعثي البائد الى الأعتقال و التهجير القسري والهدف هو تغيير ديموغرافية و المحافظة والهوية الكوردستاية للمدينة التي يشكل الكورد الأغلبية، وقام صدام وجلاوزته و اجهزته القمعية بجلب العوائل العربية من وسط و جنوب العراق و اسكانها في كركوك،ما ادى الى الأخلال بالمعادلة وبالنتيجة بقيت هذه المشكلة قائمة حتى هذا اليوم وهي السبب الرئيس للخلافات بين اقليم كوردستان و الحكومة الأتحادية.[1]