قلعة بدليس و مساجدها في السياحت نامه
الترجمة عن الانجليزية غياث حسين من كتاب: “أوليا جلبي في بدليس”
تحقيق و ترجمة من الأصل العثماني، روبرت دانكوف.
بنيت قلعة بدليس قبل ولادة سيد الكائنات (النبي) ب 872 سنة في عهد الإسكندر ذو القرنين الذي مات في العام 882. قام وزير خزانة الإسكندر،الذي يدعى بدليس، بإنشاء هذا الحصن ذو الجدران المتينة، بعدما أمر جميع المنجمين بتحري النجوم و الطلاسم، فقوى كافة الجوانب الأربعة و زخرفها بمكائد شيطانية (بهندسة عجيبة) و جهزها بكل وسيلة لتكون معدة للمعارك. ……
شكل و هندسة قلعة بدليس:
بادئ ذي بدء تقع هذه القلعة المنيفة في واد صخري عريض بين جبل “دَهْ دِيوان” و جبل “آڤيخ” على جرف أجرد مرتفع عند ملتقى النهرين، نهر آڤيخ من الجهة اليسرى و نهر إسكندر من الجهة اليمنى. و هي حصن منيع يشبه أبنية الشدًاديين، بنيت (جدرانه) من الحجارة المنحوتة و الضخمة ضخامة فيل منغروسي. يبدو الجرف كجزيرة بين النهرين و هو ذو منحدرات سحيقة يتخلله درب صعب المرقى يبلغ طوله ست مائة خطوة حتى البوابة.
يمتد الحصن نفسه على شكلِ مستطيل(1) من الشرق إلى الغرب. يتميز الطرف الشرقي بارتفاعه الكبير؛ فيه برج شاهق يطل على الممر الضيق أسفله و الذي كأنه حفرة في جهنم. يعمد الخان أحياناً إلى طرح خصومه من هذا البرج المرتفع لذلك يسمى ب “البرج الدموي”. و على الطرف الغربي من الحصن ثمة برج عظيم أيضاً عند زاوية قصر الخان حيث تخزن فيه كافة أنواع الذخيرة.
يبلغ مجموع الشرفات المفرَّجة (فتحات الرماة) على طول الجدران ست مائة و سبعون شرفة، في كل منها فتحة للرمي و أخرى تحتها. و إلى الأسفل منها تقع فتحات المدافع التي صنعت في فترة متأخرة. ترتفع الجدران بشكل زاويٍّ حيث تواجه البريجات بعضها البعض عند العُقَد و فوق كل بريج مخفر حراسة. على الطرف الجنوبي وانحداراً باتجاه البلدة ثمة بوابة ذات ثلاث طبقات، تزدان كل فرجة فيها بالأسلحة. تقوم جميع المخافر بحماية هذه البوابة العظيمة ليلاً نهاراً، بحيث يستحيل على الرجال و النساء التسلل منها. حدث ذات مرة أن قام عدة مئات من الرجال المتنكرين بلباس النساء بدخول الحصن و الشروع بإعمال السيوف داخله، لذلك تراهم اليوم لا يسمحون حتى لامرأة واحدة بالدخول ما عدا الزوجات المنقبات اللواتي يعرفونهن. ليس ثمة مدخل آخر سوى هذه البوابة. وبما أن جميع الجوانب الأربعة ما هي إلا جروف صخرية زلقة ترتفع على وديان أشبه بمهاوي البابليين فلا وجود لخندق يحيط بالقلعة.
تنبسط القلعة على مساحة 2900 خطوة، لكنني لم أتمكن من قياس جانب من قصر الخان حيث يتواجد حريم الخان عالي الشان، لكن لو أضفنا 1000 خطوة من جهة قصر الخان- و الله أعلم – فإن المجموع يكون 4000. تتسامق الجدران إلى ارتفاع ثمانين ذراعاً سلطانياً، و تمتد بعرض عشرة أذرع. ثمة ثلاث مائة منزل موجود ضمن الحصن، لكن نصفها يقع داخل قصر الخان الذي يتألف من طبقات تشتمل على أفنية عظيمة و غرف مزخرفة على الطراز الفارسي و التركي لا يتأتى لأحد أن يصف كل واحدة منها على حدة لكثرة عددها. فقد قام كل خان و كل ملك في الثمانية قرون الماضية ببنائها و الزيادة عليها، و خاصة عَبدال خان حيث أنفق الكثير من الكنوز المصرية(2) و جعلها أشبه بقصر قايدافا(3).
تتموضع كافة النوافذ و الشرفات فوق الأبراج و البريجات فتصبغ البلدة و جبل ده ديوان بمشهد خلاب. داخل الجرف ثمة كهوف مملوءة بالحبوب و المؤن الأخرى، و في وسط الكهوف قنوات مائية تنحدر إلى النهرين في الأسفل. و باستثناء جامع و مدرسة و بعض المستودعات لا يوجد في هذا الطرف أي مبنى أو سوق.
مساجد بدليس:
تحوي هذه المدينة ما مجموعه 110 مسجداً بما فيها الجوامع. بداية نذكر جامع السلطان شرف الدين من السلالة العباسية و هو جامع قديم يستوعب أعداداً غفيرة من جماعة المؤمنين يقع هذا الجامع البهي عند جسر وحيد القنطرة على ضفة عين إسكندر الذي يجري من وراء القلعة. و هو بناء مزخرف بشكل دقيق و مركب من قباب و أقواس صلدة تجانبها مئذنة رشيقة ليس لها شبيه في كل كردستان فضلاً عن بدليس.
في القلعة يوجد جامع بدليس، بناه بدليس وزير خزانة الإسكندر الأكبر، الذي بنى القلعة؛ لكنه كان كنيسة(4) وقتئذ. حوله السلطان أوحده الله لاحقاً إلى مسجد. و هو جامع قديم الطراز ذو مئذنة واحدة و بدون باحة.
جامع السرّاجين و يقع في الضواحي أسفل القلعة لذلك يستوعب عدداً كبيراً من المصلين. كان الذي بناه……(5)
جامع الدباغين، وهو كبير أيضاً و يستوعب جماعة غفيرة حيث يعتبر منبعاً للعلماء و المفسرين.
و آخر هو جامع شرف خان، و هو بديع حديث البناء على أرض ملعب الپولو(6). يطول الشرح في وصف محاسنه و هندسته، لكنه مزخرف بشكل دقيق و هو مكان يشرح الصدور للعبادة، ترتفع مئذنته كشجرة سرو باسقة.
كانت هذه هي الجوامع الشهيرة و المعروفة و الشيء الغريب هو أن كل هذه الجوامع مفروشة بالسجاد الفارسي و اللباد الأصفهاني(7) و في كل منها موقد ضخم للتدفئة في إحدى أطرافها يشعل القائمون عليها النار مع إسدال اللباد على النوافذ و الأبواب لتصير الجوامع أشبه بحمامات تركية في فصل الشتاء القارس، فتجتمع الجماعة لتدارس علوم الدين، و الذي ينقض وضوءه يخرج إلى حيث قنوات المياه الدافئة الآتية من (عين) ماء الحياة و التي يعمل القائمون على الوقف بتسخينها و بذلك يتوضئون هناك براحة تامة ثم يعودون إلى الجامع.
كان من عادة المجتمعين للدرس و القراءة في الجوامع أن يقوموا بعد فراغهم بلعب الشطرنج في زاوية من زوايا الجامع. و لعبة الشطرنج مباحة في مذهب الإمام الشافعي، بالإضافة إلى أنها تصقل الذهن، فلذلك ينشغل بها هؤلاء و بعد انتهائهم منها يعودون إلى الدرس. حدث ذات مرة أن بعض الكرد كانوا يلعبون الشطرنج في الجامع و كانت مباراة حامية و قد تغلب أحدهم على صاحبه قائلاً: كشو مشو! فحصل عراك بالخناجر و سقطا على إثر ذلك صريعين. على إثر ذلك تم منع الشطرنج في الجوامع. لكن البعض عاد إلى لعبها مرة ثانية في أيامنا هذه. لا يزال جميع العلماء الكرد و حتى شيوخ الإسلام (شيوخ الإفتاء) يتقلدون الخناجر أثناء تنقلاتهم، بما أن الجميع—صغيرهم و كبيرهم، وضيعهم و شريفهم – محاربون شجعان. و هم ورعون للغاية فترى الآلاف منهم لا يغادرون الجوامع البتة.
المساجد:
يقارب مجموعها ستاً و عشرين مسجداً للعبادة. أولها مسجد القريشي و مسجد عالمدار و مسجد ميمي دَدَ و مسجد شيخ العرب و مسجد شيخ ابراهيم و مسجد عين البارود و مسجد أفْسَل أوغلو على ضفة نهر حُصول و مسجد الشيخ حسن و مسجد عمر كَتْخُدا و مسجد سوق خُسرُف باشا و مسجد المغارة و مسجد زيدان و مسجد المُلا قاسم.
هذه هي المساجد العظيمة المعروفة لنا و هي تشبه الجوامع تماماً من حيث المواقد و المياه الحارة كالحمامات التركية.
ملاحظات المترجم:
(1)- يذكر صاحب الشرفنامه، شرف خان البدليسي، أن القلعة مثلثة الشكل و كلام أوليا جلبي يناقضه هنا حيث يقول حرفياً في النص العثماني أنها مربعة الشكل طولاً.
(2) القصد هنا كثرة ما صرفه الخان في تجديد بنائه.
(3) قايدافا أو قانداقا أو كانديس، ملكة أسطورية.
(4) يخلط أوليا بين التواريخ هنا، و الأصح أنها كانت كنيسة على عهد الأرمن.
(5) هنا نص مفقود في المخطوط.
(6) اشتهرت هذه اللعبة، و تسمى ايضاً الكرة و الصولجان، في كل من كردستان و إيران و هي رياضة خاصة بالفرسان أيام السلم.
(7) لا تزال جوامع و منازل الكرد تفرش بهذه المفروشات الى يومنا هذا.[1]