راج آل محمد
يعد “شرفنامه”، للمؤرخ الكردي شرفخان البدليسي، الأثر الوحيد المدون عن تاريخ الأكراد و كردستان و البلدان المجاورة في القرون الوسطى. و قد كتب هذا العمل، باللغة الفارسية في أواخر القرن السادس عشر و هو مصدر تاريخي و ثقافي قيم مما جعله يُترجم إلى اللغات الفرنسية و التركية و العربية و الروسية. رغم ذلك، فإنه لم ينشر باللهجة السورانية، لهجة أكراد الجنوب، إلا في العام 1972. و الطبعة التي بين أيدينا هي نسخةٌ طبق الأصل عن تلك المترجمة إلى الكرمانجية، لهجة أكراد الشمال، و هي مخطوطة نادرة موجودة في المكتبة الحكومية العامة في لينينغراد (بطرسبورغ) التي أطلق عليها فيما بعد اسم: م. واي. سالتيكوف شيدرين.
قام بترجمة هذا العمل المُلّا محمود البايزيدي بين الأعوام 1858-1859م. و البايزيدي كما يقول العالم و القنصل الروسي في أرضروم، أ. د. جابا: “أديب كردي متميز و مؤرخ و إثنوغرافي”. لقد قدم البايزيدي مساعدة كبيرة في اقتناء و جمع المخطوطات الكردية القيمة حول الأدب و الفلكلور و اللغة و التاريخ و الأنثروبولوجيا الوصفية، حيث قام البايزيدي نفسه بتأليف العديد منها و لاسيما العمل الشهير “عادات الكرد و تقاليدهم”.إن ترجمة البايزيدي تلقى اهتماماً من لدن المثقفين لسببين:
الأول: أنه العمل التاريخي الأول المدون بالكرمانجية، و هي اللهجة التي تتكلمها أغلبية الأكراد في تركيا و سوريا و إيران و العراق و الإتحاد السوفييتي (سابقاً). أما السبب الثاني فهو أن المخطوطة مكتوبة بخط البايزيدي حيث تعكس اللغة الكردية التي استعملها لترجمة عمل البدليسي بعض ملامح الأدب الكردي الكلاسيكي المدون باللهجة الكرمانجية و هو ما يعطيه أهمية خاصة. في معرض تقديمهم للطبعة المطابقة للنسخة الأصلية، يذكر الناشرون معلوماتٍ عن مؤلف كتاب “تواريخ قديم كوردستان”.
تقع مخطوطة البايزيدي في 257 صفحة حيث أضاف إلى الترجمة مقدمةً كتبها بنفسه كما ألحق بها قائمة بالمحتويات التي تختلف قليلاً عن سياق تسلسل الفصول في متن الكتاب.
أثناء التحضير للطبعة تم مقارنة المخطوطة مع الطبعة المعروفة لعمل البدليسي التي قام بنشرها ف. ف. فيليامينوف-زيرنوف و التي اعتمد فيها على نسخة من مخطوطة البدليسي يعود تاريخها إلى 1598م الموجودة أيضاً في مكتبة سالتيكوف شيدرين. و قد كشفت المقارنة النقاب عن عدد من الاختلافات الجوهرية فيما يتعلق بأسماء العلم (أشخاصاً و أماكنَ) و السلالات العرقية حيث كانت الاختلافات مغايرة و متناقضة أحياناً بالنسبة للتواريخ و الأرقام حتى إنه قام بحذف العديد من الأماكن بل حتى حذف بعض الفصول أيضاً. كما وجد أن اقتباساً طويلاً (صفحة و نصف صفحة في المخطوطة) غير موجود في طبعة فيليامينوف-زيرنوف أما الطبعة الحالية فقد زودت بإضافات تاريخية و إثنوغرافية قصيرة.
تُعزى هذه الاختلافات و الاختصارات و المحذوفات و التصحيحات في الترجمة الكردية إلى سببين اثنين:
الأول: أن البايزيدي قد قام بترجمة لمخطوطة البدليسي غير تلك التي شكلت أساساً لطبعة فيليامينوف-زيرنوف.
الثاني: أن البايزيدي قد عمل جاهداً للتعبير عن دواخله و تفسيره الخاص لنص البدليسي و هو ما يتجلى في الاختصارات التي قام بها.
و فوق كل ذلك قام البايزيدي باختصار ترجمته بشكل رئيسي من خلال حذف كل عناصر التكلف و البهرجة و الزخرفة التي تميز بها أسلوب البدليسي، حيث قام المترجم على سبيل المثال باختصار مقدمات كل الفصول. و في بعض الحالات النادرة حافظ البايزيدي على أسلوب البدليسي المتأنق. يمكن تقسيم اختصارات البايزيدي إلى ما يلي:
تلك التي تجعل النص ينقل رسالته إلى القارئ دون تشويه.
حذف بعض أسماء العلم و أسماء الأعراق و الحقائق التاريخية الضرورية لفهم النص.
تلك، و هي تشكل نسبة كبيرة، التي تعطي للترجمة دقة و إيجازاً و متانة في الأسلوب لكنها، من جهة أخرى، تصرف النظر عن حيوية النص و لغته المجازية و ميزات فنية أخرى.
إن شفافية لغة المخطوطة تعكس اللهجة الكرمانجية لكردستان الشرقية و يبدو واضحاً أن المترجم قد حاول جاهداً تجنب أسلوب “شرفنامه” المتأنق بلاغياً لجعل العمل واضحاً للقارئ الكردي.
تتبعُ الكتابةُ الأسلوبَ القديم في استعمال الأبجدية العربية التي لا تعكس الخصائص الصوتية للكرمانجية. لكن المترجم يتقيد تماماً بقواعد الصرف و الإعراب للَّهجة الشمالية محتفظاً بنسبة كبيرة من المفردات العربية و الفارسية غير المستعملة في اللغة اليومية. إن دراسة لغة البايزيدي، التي تعتبر مرآة لأهم ميزات الأدب الكردي الكلاسيكي الذي ظهر باللهجة الشمالية، هي ذات أهمية خاصة. و من المؤمل أن تشكل الترجمة الكردية لعمل البدليسي مدخلاً صحيحاً لدراسة تراث هذا العالم الكردي من القرن التاسع عشر.
إن الطبعة التي تطابق الأصل لهذه المخطوطة الفريدة قد زُوِّدت بفهارس لأسماء العلم و السلالات الحاكمة و أسماء القبائل. و عند ارتكاب المترجم لخطأٍ ما، فإن الناشرين قد أظهروا ما يعتقدونه التهجئة الصحيحة مضيفين إليها بين الحاصرتين [ ] ما ورد في المخطوطة. و عند وجود اختلافات بالمقارنة مع النص الفارسي فإن التهجئة الفارسية توضع ما بين القوسين ( ).
لقد أشار الناشرون إلى أهم الاختلافات بين الترجمة و بين النص الذي نشره فيليامينوف-زيرنوف و أضافوا ملاحق للاختصارات و الإضافات و التناقضات و المحذوفات سواء في المتن أو التواريخ أو الأرقام.
إن فهارس الاختصارات و الإضافات و التناقضات تحتوي على إشارات إلى رقم الصفحة و فيما بين الحاصرتين أرقام الأسطر أيضاً في مخطوطة البايزيدي و الترجمة الروسية و اختلافاتها مع النص الكردي، و الإضافة و الاختصار و الإشارة إلى رقم الصفحة و السطر في النص الفارسي إلى رقم الصفحة للترجمة الروسية من الفارسية.
إن فهرس المحذوفات يحتوي على إشارات إلى الصفحات و أرقام الأسطر في ترجمة البايزيدي و نص البدليسي. أما فهرس التواريخ و الأرقام المختلفة فيربط بين أرقام الصفحات و الأسطر للترجمة الكردية مع مثيلاتها من النص الفارسي. و قد ألحق الناشرون أيضاً فهرساً بأخطاء البايزيدي الحرفية التي تظهر في تهجئة أسماء العلم و أسماء القبائل و في وصفه لعلاقات القربى.
المصدر:
مخطوط مصور لكتاب “تواريخ قديم كوردستان” تأليف ملا محمود بايزيدي، الملخص، موسكو 1986، ذ. س. موسيليان.[1]