البروفيسور لارس آير سلف آندرسن هو الآن باحث أقدم في مركز الدانمارك للدراسات الدولية و رئيس قسم دراسات الشرق الأوسط و مختص في السياسات الأمنية و مخاطر الأرهاب في العراق والمنطقة.. و يعمل منذ عام على أوضاع العراق و يتابعها و شارك في عملية أعادة بناء الديمقراطية في العراق و تطورها.. و قد زار أربيل بعد أحداث شهر آب الماضي وهجوم أرهابيي داعش على أقليم كوردستان وذلك للأطلاع عن كثب على أوضاع الأقليم وأجراء البحوث بشأنه، وقد أعدت مجلة كولان اللقاء الآتي معه خلال فترة بقائه في الأقليم.
• ما أرتكبه داعش ضد الكورد الأيزديين هو إبادة جماعية ما ذا بشأن وجودكم وأبحاثكم الراهنة حول حرب أرهابيي داعش؟
- صحيح أنني قد درست بصورة رئيسية تأريخ المبادئ والأفكار وهي مسائل تتعلق بالفلسفة بصورة أكبر، إلا أنني قد بدأت لاحقا بدراسة الشرق الأوسط ولمدة(5) سنوات، باحثاً في مركز الشرق الأوسط في الدانمارك وتوليت منصب رئيس المركز لمدة (10) سنوات بعدها تلقيت زمالة دراسية من جامعة(مونتر أنيستوت) الأمريكية في مجال الأمن والأرهاب ولهذه الجامعة، و مقرها في كاليفورنيا، مكتب في العاصمة واشنطن، وقد أجريت دراساتي حول الأمن والأرهاب في هذا المكتب لمدة(5ر4) سنوات و ركزت فيها علي مخاطر أنتشار أسلحة الدمار الشامل و حصول المجاميع الأرهابية عليها وأصبحت بذلك مختصاً في التنمية السياسية في الشرق الأوسط والسياسة الأمريكية الأمنية الى جانب خلفيتي الفلسفية وقد أنشغلت على مدى عدة سنوات في الكتابه حول السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.
• أي أنكم أجريتم بحوثكم حول كارثة 11 سبتمبر الأرهابية و تحولات الشرق الأوسط والوضع السياسي فيه ؟
- نعم لقد تابعت تطورات ما بعد 11 سبتمبر و مساعي أقامة ثورة ديمقراطية في الشرق الأوسط عن طريق حرب العراق و تحريره من نظام صدام.. وكان رأيي أن أحداثا عديدة قد حصلت بعد أنتخابات عام 2010 في العراق لأنه بعد أنسحاب القوات الأمريكية في العراق في عام 2011 لم يكن هناك من يرغب في الحديث عن هذا البلد وكان ذلك خطاً كبيراً وقد كلفت الآن من قبل المعهد الدانماركي بإعداد جملة تقارير حول راهن الوضع فيه لأنني كنت أراقب الوضع وأتوقع هذه المأساة وقد لاحظت، قبل عام من اليوم، مخاطر كبيرة بشأن تمدد تنظيم القاعدة في محافظة الأنبار نحو سوريا والتي تسمى اليوم(الدولة الأسلامية – داعش) ما حدابى لزيارة أقليم كوردستان بهدف رصد آراء الناس بعد شن داعش هجومه على الأقليم في الشهر الماضي.
• وكيف تقيمون الوضع الأمني الراهن في أقليم كوردستان؟
- عندما أبلغت مديري و زملائي بنيتي في السفر الى الأقليم فقد نصحوني بعدم السفر نظراً لخطورة الوضع فيه بعد هجوم داعش، فضلاً عن متابعتي لوصايا عديدة بعدم زيارة مواطني عدد من الدول الى أربيل بسبب خطورة الوضع وضورة مغادرتها بأسرع وقت عند السفر اليها، وكانت كلها تشبه السفر الى أربيل بالسفر الى الصومال وأبلغوني بضرورة أعتماد حارس شخصي في حالة أصراري على السفر وأكد المدير أستعداده لتأمين مصاريف الحراسة والشخصية لي، ثم بعثت رسالة ألكترونية الى صديقي خالد صالح(رئيس جامعة كوردستان في أربيل)، و شخص آخر واللذين طمأناني بإن أربيل آمنة و مستقرة وليست هناك أية مخاطر للسفر، وها أنني قد قضيت عدة أيام هنا و وجدت أن الوضع آمن و مستقر بالفعل.
• وهل سبق لكم أن زرتم المناطق غير الآمنة أو الخاضعة لوجود الأرهابيين؟
-سبق لي أن زرت مدينة أسلام آباد وكان الجيش الباكستاني يومها يخوض قتالاً صعباً مع منظمة طالبان وكانت شوارع المدينة خالية و المحال التجارية مغلقة، ما كان يخوف الجميع من الوقوع بأيدي الأرهابيين، وأتخاذهم رهائن لديها ثم شاهدنا صور الرهائن لدى الأرهابيين عن طريق اليوتيوب، ما دفع بأصدقائي قبل زيارتي الى أربيل القول لا نرغب في أن نراك رهينة بإيدي الأرهابيين إلا أنني الآن موجود في اربيل وزرت عدداً آخر من مناطق الأقليم وقد لاحظت أن أوضاع أربيل مختلفة تماماً عن المناطق العربية من العراق دليلاً على أن أبناء أقليم كوردستان ماضون بالفعل وراغبون في تطوير الأقليم بإستمرار.
* وكيف تولد لديك هذا الأحساس و ما هي نظرتك لعملية أستقلال كوردستان؟
- إن ما شعرت به خلال هذه الأيام هو أن شعب كوردستان ورغم كل الصعوبات، يتطلع الى المستقبل وأن يكون زمام مصيرهم بأيديهم و مستعدون للتعاون في كل الحالات إلا أن السؤال الأهم لدى هو هل أن كوردستان سوف تستقل؟ وقد خطت بالفعل منذ عام 1991 و حتى الآن خطوات كبيرة نحو الأستقلال، وقد بنيتم بالفعل مؤسسات عديدة تمكنكم من أدارة دولتكم، و كانت تركيا هي العائق الأكبر غير أنكم قد باشرتم بالفعل بإقامة علاقات جيدة معها كما أن تركيا قد تجاوزت مخاوفها بشأن حزب العمال الكوردستاني و هي الآن في مفاوضات مستمرة معه، ما يفند بعض مخاوفها بهذا الشأن، و حتى قبل مهاجمة داعش لأقليم كوردستان قبل شهر آب الماضي كان البعض يتصورون أنه ليس بإمكان الأقليم التوصل مع بغداد بشأن الموازنة العامة والنفط و رواتب البيشمه ركه الى جانب وجود عدد من الشركات فيه تقوم بتطوير الصناعات النفطية ، ماكان يوحي بإن على أقليم كوردستان أن يتبع طريقه و إلا ينتظر بغداد، غير أن مسألة أستقلال أقليم كوردستان قد تطورت بعد هجوم داعش مع نوع من التهدئة..
لأن الأمور قبل الهجوم كانت توحي بإن داعش هو من نتاج الخلافات بين الشيعة والسنة، أو بين بغداد والبصرة مقابل الفلوجة والأنبار، وكان موقف أقليم كوردستان بالمقابل هو أن يحمي حدوده و ينأى بنفسه عن تلكم الخلافات، كما ان معظم الدول التي لديها سفارات في بغداد مثل الولايات المتحدة و فرنسا و بريطانيا وهولندا وأيطاليا إنما لديها في ذات الوقت ممثلياتها و قنصلياتها في أربيل أيضا، ما يدفع بمسؤولي تلك الدول لزيارة أربيل عندما يقومون بزيارة بغداد ومن بينهم وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والذي أبلغ القادة الكورد فيما يتعلق بمسألة استقلال كوردستان: حسب معلوماتي، هذه مسألة طبيعية غير أن الوقت غير ملائم الآن، وبرأيي أن الأقليم راغب بالفعل في الذهاب الى بغداد ووضعها في صورة الأحداث والنوايا المستقبلية ورغبتها في التفاوض أيضا إلا أنه سيواصل في ذات الوقت بناء كل المؤسسات التي تبيح له أتخاذ طريقه بمفرده إن لم يتوصل الى أتفاق مع بغداد بهذا الشأن، هذا هو تصوري الشخصي.
• كيف كان دور الدانمارك في توفير المساعدات الأنسانية و العسكرية للأقليم سيما وقد أبدت أستعدادها لمساعدة قوات بيشمه ركه كوردستان؟
- لقد أوصلت الدانمارك في الأسبوع الثاني من شهر آب مساعداتها الأنسانية الى حكومة أقليم كوردستان للنازحيين واللاجئين، و شاركت في النقل العسكري عن طريق طائرات الشحن من طراز C 130 كما أن رؤساء الدول كانوا في مجلس الأمن الدولي في سياق حول وصف قوات الشر والظلام للدولة الأسلامية لداعش بأسوع النعوت وسعت الولايات المتحدة لبناء تحالف واسع وطلبت من الدانمارك المشاركة فيه والتي قررت مؤخرا توفير 7 طائرات مقاتلة و(140) من أطقمها لهذا الغرض مع أنه ليست لدى الدانمارك ممثلون في بغداد و أربيل، صحيح لدينا سفير في الأولى إلا أنه وجود في كوبنهاكن أكثر من وجوده في بغداد وستتمكن الدانمارك من زيادة مساعداتها الأنسانية إن قررت توسيع مشاركاتها تلك في التحالف ، وهذا ما تقوم به بالفعل وليس عن طريق المساعدات العسكرية فقد قرر برلماننا أرسال 7 طائرات مقاتلة للمشاركة في التحالف بينما تطالبها الولايات المتحدة والتحالف بأكثر من ذلك والأفضل لنا المشاركة في الجهد الأنساني فالدانمارك هي بلد صغير تضاهي مساحتها ونفوسها مساحة و نفوس أقليم كوردستان ثم أننا لم نخض أية حرب منذ عام 1864 وكان أن تم أحتلال بلادنا من قبل ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية ولكن دون مقاومة ولم تكن لنا أية تجارب في التمرد أو الحروب الداخلية فيكف لنا إذا الذهاب الى افغانستان أو غيرها و معالجة الوضع بالقوة العسكرية؟
• يعتقد الخبراء أن السبب الكامن وراء هجمات داعش تداعيات الحكم السئ والدولة الفاشلة في العراق و سوريا وكان المفروض القيام بأكثر من ذلك أنطلاقاً من سوريا كونها مصدر تدفق الجهاديين منها والرأي الأرجح أن العراق هو المصدر وليس سوريا، ولا بد أن نتذكر سوء أدارة أحتلال العراق وفي مقدمتها مسألة حل الجيش العراقي والشرطة وعملية أجتثاث البعث، فلم تبق أية وزارة في العراق بعد القصف الجوي للتحالف آنذاك بأستثناء وزارة النفط، ولم يبق أيضا أي مصدر أنساني أو أناس بإمكانهم أدارة الدولة ما تسبب بتوافد أناس من الخارج ليست لديهم أية خبرة بالشأن العراقي، وكانوا بعيدين بالفعل عن هذا البلد ثم جاء الأمريكان وقالوا سنديره نحن إلا أنهم قد أخفقوا في ذلك.
• كونكم شاركتم في السابق في عملية إعادة بناء العراق، فلماذا فشلت هذه العملية فيه؟
- لأن أوضاع العراق لم تكن مستقرة ، في عام 2005 كنت في عمان وألقى المحاضرات على من كلفوا بإدارة أول أنتخابات برلمانية في العراق و كانوا من النسوة العراقيات وشاركن في الأنتخابات إلا أنهن كن يجهلن لمن صوتن ولماذا...
وذلك لعدم وجود حملات دعاية أنتخابية ثم قاموا بأنتخاب الجعفري وزادت مستويات العنف ما أدى الى تزايد نفوذ أبي مصعب الزرقاوي و مستوى النهج المتطرف ووقف الجعفري عاجزاً إزاء ذلك وكان أن قامت كونداليزا رايس- وزيرة الخارجية الأمريكية بأحلال المالكي محله.. ثم تم تشكيل قوات الصحوة لدمج ميليشياتها في الجيش العراقي إلا أن المالكي و حكومته قاموا بإنشاء جيش شيعي و منطقة شيعية، وفي أنتخابات عام 2010 فقد فاز أياد علاوي بأصوات أكثر مما حصل عليه المالكي وكان المفروض أن يتولى هو السلطة مع المالكي و عقد أتفاق اربيل غير أن المالكي قد أستمر في تفرده بالسلطة ما فرض المزيد من الحقد والأحباط لدى المناطق السنية والذين لم يكونوا راغبين في الدولة الأسلامية أو الأفكار الشيطانية لأبى بكر البغدادي، إلا أنهم لم يحصلوا على أئ شئ من بغداد وأنتشر الضباط البعثيون السابقون(العاطلون) في الفلوجة والرمادي وقرروا في عام 2011 أن يورطوا بأنفسهم في سوريا، هذه هي خلفية الأمور، وبعد أن أنسحبت القوات الأمريكية في كانون الأول من عام 2011 من العراق لم يتم عقد أي أتفاق أمني لأن الحكومة العراقية كانت غير راغبة في ذلك ولم يصر أوباما على ذلك، ورد أعلى السؤال حول أسباب مهاجمة داعش للمناطق الكوردية، أقول إن داعش يبحث بأستمرار عن المصادر النفطية والمائية و توفير المتطلبات (دولتهم) المالية وحروبهم وأن عدم حصولهم على مصادر النفط والماء والزراعة يعني سقوطهم ثم أن المصدر المالي لهم هو عبارة عن السوق السوداء والأموال التي يقومون بسرقتها والأستحواذ عليها كما شاهدنا ذلك في الموصل فضلا عن المبالغ الطائلة التي يقومون بجمعها من المجموعات المتمكنة في دول الخليج العربية بإسم الأعمال الخيرية وتصلهم المبالغ النقدية بهذه الطريقة أي أن هؤلاء هم جماعات مافيا و قطاع طرق محترفون.
• وهل أن الهجمات الجوية كافية للقضاء على داعش أم أن الأمر يتطلب تجفيف مصادرهم المالية؟
- ليس المصادر المالية فحسب بل وكل ما يتطلب بكسب أعضاء جدد الى صفوفهم وإعادة الهجرة وهي مطاليب دعت الأمم المتحدة تركيا والدول العربية لأتباعها ودول المنطقة بصورة عامة وكنا في الدانمارك نتحدث دائماً عن وجود(50) مواطناً دانماركياً في صفوف داعش إلا أنه عندما يجري الحديث عن(15) ألف شخص قدم معظمهم من المنطقة و بتمويلات غالبيتها منها أيضا، كما أنه يجدر بتركيا أن تقوم بالمزيد لحماية حدودها وعدم خرق قرار مجلس الأمن الدولي هذه أولا، والنقطة الثانية هي عبارة عن البعض الدول العربية، حيث قامت العربية السعودية خلال العام الماضي أو الشهور الستة الأخيرة بمتابعة شديدة لتلك المبالغ لأن مثل هذا التوجه لا يحتاج الى قرار من برلمانها وهو ذات المسار الذي تشهده الآن دولة الكويت، كما أن الولايات المتحدة تقوم في هذا المجال بقصف مصافي النفط لداعش و مناطقه الزراعية في سوريا أعتقاداً منها بإن من شأن ذلك أضعاف داعش غير أنني لا أرى نفعاً يذكر لذلك و كمثال على ذلك يعتقد الناس بإن حرباً داخلية ضروسة سوف تندلع في أفغانستان عند أنسحاب قوات الولايات المتحدة والحلف الأطلسي منه على أن ذلك يصاحب ومنذ 13 سنة قتل أعضاء طالبان و قصفها وفيما يتعلق بالقوات البرية فأنا أعتقد أنه ليس بمقدور قوات البيشمه ركه القيام بذلك وحدهم لأن أعدادهم حتى وإن كانت(200) ألف شخص لا تكفي لتغطية هذه المناطق الواسعة التي تبدأ من هنا الى منطقة الرقة السورية وأفضل حل هو أندلاع ثورة داخل المناطق العربية السنية الخاضعة الأن لتنظيم داعش على غرار ما حصل في عام 2007 عندما تمت زيادة أعداد القوات الأمريكية وأبلاغهم بإن مهاجمتهم لداعش هي أفضل من مهاجمة التحالف أو الجيش العراقي غير أن ذلك يتطلب سياقاً سياسياً جديداً أو تفكيراً جديدا من لدن حكومة جديدة في بغداد حيث يتطلب الشأن العراقي و جود دولة تتساوى فيها حقوق المواطنين جميعاً و سيكون ذلك ناجحاً بكل المعايير.
• أخيراً هل تعتبر الجرائم والقتل الجماعي الذي تعرض له الكورد الأيزيديون جريمة إبادة جماعية (جينوسايد)؟
- من الأنصاف برأيي أن يسمى ب(الجينوسايد) وبرأيي أن داعش هم قطاع طرق ولا أعتقد أنهم أناس مسلمون لأنهم مجرمون و ينفذون العديد من الممارسات المقيتة والبغيضة . بل هم يطورون ثقافة الموت من وجهة نظر زعيمهم البغدادي القائلة:
كلما زادت عمليات القتل والفوضى كان الأحسن أي أن هذه الممارسات هي نعم جينوسايد.
ترجمة / دارا صديق نورجان.[1]