جودت هوشيار
التراجيديا الأنسانية الكبرى التي تعرض لها عشرات الآلاف من الكرد الأيزيدية في (جبال سنجار) تذكرنا بمآسي سراييفو ولينينغراد وحلبجة فقد كانت وما زالت كارثة انسانية ، عميقة الغور وفجيعة قاسية ، بالغة الألم ، يستحيل على أي مؤلف تصويرها مهما كان خصب الخيال وتفوق في وحشية مجازرها وفظائعها المرعبة كل ما عرفناه في الحياة وما قرأناه في الكتب من تراجيديات : آلاف الرجال والنساء والأطفال سقطوا فوق أحجار الجبال الجرداء القاحلة ، بعد ان هدهم التعب واصيبوا بالأنهاك الجسدى بعد مسيرة طويلة ومضنية ، لا قطرة ماء ولا كسرة خبر في جو حار ومغبر . مئات الأطفال والنساء والرجال قضوا بسبب العطش والجوع ، ناهيك عن المسنين والمرضى الذين كانت رحلة المعاناة والتعب فوق طاقتهم ، وفي داخل سنجار نفسها أباد العدو المتوحش مئات العوائل برجالها ونسائها وأطفالها واختطف آلاف النساء والفتيات وعرضهن للبيع في الموصل والرقة ومدن أخرى . .
هذه الجريمة الكبرى ، التي تفوق في وحشيتها كل المآسي التي شهدها العالم بعد الحرب العالمية الثانية . هزت الضمير العالمي وهبت دول غربية عديدة ومنظماتها الخيرية لمشاركة البيشمركة في نجدة الأيزيديين المنكوبين وأقامت جسورا جوية لألقاء قناني الماء ووجبات الطعام الجاهز بمئات الأطنان من الجو على المحاصرين في جبل سنجار ، وكانت الولايات المتحدة الأميركية السباقة الى مد يد العون والأنقاذ الى المنكوبين ، تبعتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا . خاطر عشرات الأطباء الكرد بحياتهم وذهبوا لأنقاذ اخوتهم المحاصرين في ( جبل سنجار )
وقالت شبكة (CNN) ان قوات البيشمركة قامت بمهمة إنقاذ درامية وبطولية لتقديم المساعدة لآلاف الأيزيديين المحاصرين في جبال سنجارو تمكنت من اختراق حصار ( داعش ) وأنقذت حوالي 20 ألف نازح من موت محقق .
. أما الحكومة العراقية الجديدة ، التي تتغنى بالوحدة الوطنية و( الشمال الحبيب ) فلم تحرك ساكنا ، ولم تنجد مشردي سنجار وزمار في محنتهم الأليمة ولم تقدم لهم أي عون بعد نزوحهم الى مدن أقليم كردستان الأخرى . أما المبالغ المخصصة للنازحين وبضمنهم الأيزيديين ، فقد ذهب معظمها الى جيوب الحيتان الكبار في لجنة المطلك .
حظيت هذه التراجيديا المستمرة ، منذ حدوثها وحتى يومنا هذا ، بأهتمام وسائل الأعلام وخاصة في الدول الغربية وأصبحت مثار اهتمام دول وشعوب العالم ، التي سارعت الى نجدة المحاصرين والنازحين ، وكالعادة فأن الدول و الشعوب العربية والأسلامية ، لم تفكر ، مجرد تفكير في مد يد العون والمساعدة الى المنكوبين وتجاهلت كل ما حدث وكأن الأمر لا يعنيها ، لا من قريب ولا من بعيد . والجامعة العربية سكتت سكوت ابو الهول وظلت خرساء ، لم تصدر بيانا لأدانة الجريمة النكراء ولا لحث الدول العربية على انقاذ المحاصرين أومساعدة النازحين .
ولم يبد الأعلام العربي ، أي تعاطف انساني مع المنكوبين ، بل على النقيض من ذلك أخذت بتشويه التراث الأيزيدي الأصيل والثري والحديث عنه كقصة مسلية ، ولم يكتف بذلك بل وقف في حقيقة الأمر – ويا للعجب – الى جانب أرهابيي داعش ، عن طريق تهويل قدراتهم التدميرية وتهويل وبث ( سيكولوجية الرعب ) - التي تشكل الأداة الرئيسية لداعش في حربها القذرة ضد شعوب المنطقة - وتحريف وتشويه اخبار المعارك وفبركة الأخبارعن انتصارات داعش المزعومة وبذلك تحول عدد لا يستهان به الفضائيات والصحف الورقية والألكترونية الى منصات اعلامية لل بروباجاندا الداعشية بشكل مقصود أو غير مقصود ، متجاهلاً كل المعايير الأخلاقية والمهنية للعمل الصحفي.
وكما قالت د. زينب جلبي في مقالها الرائع من يقف وراء الحرب النفسية ضد الكرد ؟ فأن
الشعب الكردي عموما و في أقليم كردستان الناهض خصوصاً ، يتعرض منذ بدأ المعارك ضد ( داعش ) الى حرب اعلامية – نفسية شرسة ، ابرز اسلحتها فبركة الأخبار ونشرالتقارير الكاذبة وقلب الحقائق و الترويج للأشاعات المغرضة والتطاول على القادة الكرد بأسلوب مبتذل ورخيص ، هذه الحرب القذرة تهدف الى التأثير على المعنويات العالية للشعب الكردي وبيشمركته الأبطال الذين يخوضون اليوم معارك ضارية ضد عدو شرس مجرد من كل القيم الأنسانية والأخلاقية .
ولكن الشعب الكردي كالعنقاء ينهض بعد كل كبوة أو محنة وهو أكثر قوة وأشد عزما وأصراراً على دحر الأعداء وبناء كردستان الجديدة ، كردستان التسامح الديني والمذهبي والقومي والسلم الأهلي والخير والتقدم ، ، بما يؤمن الحرية والعيش الكريم للشعب الكردي التواق الى اللحاق بالركب الحضاري المعاصر للأمم المتقدمة .[1]