مرة اخرى اخطو نحو قبو صمتي ، لأفتح فيها نافذة لأطلّ منهاعلى ما مضى وعلى ما سيجيء، وما فيها من الصور والمواقف والنوادر فمنها هذا الخبر العاجل حول رحيل الكاتب الثوري #دانا جلال# والذي نقل لي نعيه الصادم صديقنا الاعلامي اري كاكه يي. فعرفنا معا شيئاً من تفاصيل يومياته في الغربة فكان دانا زاهداً في حياته اليومية، وجشعاً في تقديم خدماته وبذل اقصى طاقاته من اجل ديمومة المسيرة الوطنية والثورية.
فيا زمن شتات والضياع ما اثقل وقع خبرك على من عرفوا دانا من قريب وبعيد وأحبوه!.. فانا احدٌ من محبيه ، صحوت اليوم من غفلتي على صدمة رحيله المؤسف ومن شدة لسعات جمر دموعي ونواح النفس عليه. وفي أخرحديث تلفوني معه وقبل ثلاثة ايام من الآن، شكى لي قبلَ كبوته الاخيرة في احدى ردهات المشفى السويدي،عن مضاعفات وجع قلبه المتعب في زمن عَطب الصداقة وجفاء لقلوب ونضوب معين الوجدان. قال : يا حاكم حكيم ربما ستتحقق هذه المرة نبوءة شعراحمد شوقي مع تدهور وضعي الصحي الميئوس : دقات قلب المرء قائلةً له إن الحياةَ دقائقٌ وثواني، فارفع لنفسك بعد موتك ذِكرها، الذِكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني !
قلتُ له لا بأسَ عليك يا دانا يا قلب الاسد وعرين الجبل، فضحكنا معاً فأردفت بضحكة اخرى ناعمة من اجل تبديد قلقه، فنصحته باجراء الفحوصات الطبية العاجلة. ابتسم لنصيحتي فقال لي انا الان في العمل سأرتاح قليلاً ثم امضي الى البيت، فليعلم الجميع ان لكل مرء زمنه سيطويه. فقلت له انا معك فاقول ايضاً: (نحن جميعاً دخلاء على هذا الزمن، بل في صلبه، ومن دمه المُراق). استعجل دانا الرحيل ولم يدعنا لنرى سوياً ظهورافقنا المُضيئ في نهاية ذاك النفق القريب، نسكب معاً نبيذ كبتَ كبواتنا المتكررة مع دموعنا الحبيسة على جنة أرض اخرى، ليست كتلك التي افترستها انياب ادعياء حفظ وترسيخ السلم العالمي، ومروجي نشرالديمقراطية،وصمتهم المتعمد ازاء دماء شهداء طريق الحرية والانسانية.
فسلاما لضميركَ النقي يا دانا الطيب ، ولزهدك الثوري ، لجرأتكَ العابرة فوق في رد الافكارالعنصرية المقيتة ومداخلتك المفحمة على الاباطيل والشبهات المغرضة في تزييف تاريخ الثورات التحررية مباديء العدالة والحرية والسلم العالمي .
كنت بهيّاً يا دانا المناضل، سواء في ايام نضالك السري ام العلني. فكنتً دوماً في طليعة كل المسيرات الوطنية والاحتجاجات الجماهيرية والندوات والتجمعات الفكرية والثقافية التي كانت تنظم من قبل القوى التقدمية واليسارية في ادانة الظلاميين والانظمة الشوفينية في قمع الشعوب واضطهاد العقول النيّرة... نم قريرالعين فآن أن لتستريح، لا تخفْ شمسكَ ستظل مشرقة في قلوبنا ولن تغيب..محبيك سيمجّدون ذكركَ، وينثرون الورود في ذكرى غيابك.
فيا منْ عرفتم دانا المتألق ومواقفه الوطنية المشرّفة عبرالاعلام ومواقع الاتصال وشبكات التواصل الاجتماعي. ها اليوم قد ترجل عن صهوة حواد نضاله الدؤوب سواء بالكلمات أوعبرالحوار والنقاشات المنتجة. كان من اجود الاصدقاء والخلاّن في عطاء مسيرته النضالية وفي الصف الاول دوماً في سجل النضال للذود عن القيم الانسانية وعن شرف وكرامة الانسان والوطن، اراه الآن كالسابق بملامحه الدقيقه وجسده الرشيق الكاتب دانا وكأنه في مجلسنا الممتع مثل الامس مع ثلة من اصدقاءنا على امتداد الايام الموغلة بالذكريات . ومن اجمل خصاله الحميدة والنزيهة كان يحتفظ بكبرياء جواد الفارس وهو في قمة عوزه المادي يكسب قوته اليومي بعرق جبينه رغم بلوغه الستين. ومع كل ذلك الشظف المقيت يظل مدافعا عنيداً للذود عن المعاني الانسانية السامية ، وروحاٌ نقية كنقاء حمامة وديعة بين اسراب حمائم الانسانية، وصقراًشرساُ مستميتا في منازلة آكلي الجيفة ومال السُحت الحرام ومحاربة سُراق قوت الفقراء .
لك التحية .. والذكرالطيب لمأثرك الانسانية والوطنية والصبّرالجميل لأهل بيتك ولمن عرفكَ من قريب اوبعيد..ولكل من صدمه رحيلك المفاجيء وهوالآن في لحظات تأمله العميق في ماهية لغزالحياة والموت.. ولك بقية قصائدي المرسلة..
كان حلماً في مفازات ذاكرتي
فيأبى أن ينطفيء أو يغادر الى آخر المطاف
فيه كنا نتبضع إرث ايامنا السالفة
نستعيد غضارة ما مضى،
نهرق تعباً وصباً ، وابعاض قوانا ..
رواء صحوتنا المهدورة ،
شظفٌ يأخذُ بايدنا فيدّلنا على المعسرة ..
نحنُ مغفّلون فأعيانا الدوار،
والجري الحافي فوق اللهب
ووداع النهار الكسول،
والجسد الغارق في النحول
وكبوات صبواتنا المستهلكة
وانتظار مَشهدها المّملّ
كل المسار لموتك يا دانا،
يذرف دمع الذهول..
حكيم نديم الداوودي
[1]