فقد الادب الكوردي خلال اقل من اسبوع ، قامتين من قامات الادب والعلم والمعرفة في الادب والثقافة والكورديين، انه المفكر والكاتب والصحفي القدير #فلك الدين كاكايي#، والشاعر المعروف #شيركو بيكس#، فقد كان وفاتهم مدوياً في جميع ارجاء كوردستان وحتى بين الاوساط الثقافية العربية، لما كانا يحملانه من فكر وثقافة انسانية عالية.
ففي مراسيم مهيبة اقيمت الخميس 2-8-2013 في مصيف صلاح الدين جرى تشييع جثمان الپيشمركة والمفكر الكوردستاني المعروف وعضو برلمان كوردستان ووزير الثقافة الأسبق فلك الدين كاكايي، بحضور رئيس حكومة اقليم كوردستان السيد نيچيرفان البارزاني وممثلي الأحزاب والأطراف السياسية من جميع أجزاء كوردستان وجموع غفيرة من الكتاب والمثقفين ورفاق وذوي الراحل.
ففي مراسيم الوداع قال عنه الرئيس البارزاني تودع كوردستان اليوم أحد رفاقها الأعزاء الپيشمركة و المناضل والكاتب والمفكر الكبير، والدليل على مكانة الراحل في قلب وضمير كل كوردي حضور هذا الجمع الغفير في مراسيم التشييع اليوم .
وأضاف رئيس الوزراء لقد أفنى الأخ فلك الدين كاكايي جل حياته في خدمة قضية شعبه العادلة، كان بيشمركة وعمل كمناضل سياسي ومثقف، وكل ما قام به من من نشاطات كانت دائماً من أجل شعبه وعدالة القضية الكوردية.
بهذه الكلمات يختصر حياة هذا المناضل الذي استحق بجدارة صفة البيشمركة الوفي لنهج البارزاني الخالد، والمضحي والمفدى للكورد والكوردايتي، فقد عرف عنه اخلاصه وحبه الامتفاني لوطنه كوردستان، وما كتاباته ونتاجاته الادبية إلا دليل قاطع على حبه العميق للثقافة والفكر، فقد كان مناضلاً وسياسياً ومفكراً على صعيد واسع، واشتهر وعرف عنه مدى عمق علاقاته مع الاجزاء الاخرى من كوردستان، فقد كان محباً ومعروفاً على صعيد جميع اجزاء كوردستان، وبفقدانه اصاب الحزن والاسى جميع ابناء الشعب الكوردي.
فقد لعب الراحل دوراً محوريا في المشهد الثقافي الكوردستاني، ورغم أنه كان قيادياً في الحزب الديمقراطي الكردستاني، وصحفياً ترأس تحرير العديد من الصحف والمجلات بما فيها جريدة التآخي وكان صاحب امتيازها الى يوم رحيله، فكل تلك المؤهلات كانت تجعله في مصاف المفكرين، فقد كان شديد الولع بالقرائة والثقافة وكان موسوعة من العلم والمعرفة، واستطاع خلال حياته التوفيق بين المؤهلين الذين يحملهما كونه قيادي سياسي ومثقف واديب وكاتب ونجح في الحفاظ على شخصيته الثقافية والفكرية المتميزة رغم صعوبة ذلك الامر، وكان دائما يعرف عن نفسه انه شخصية كوردية متواضعة ولا يشعر امامه المرء انه قيادي حزبي، حتى عندما تسلم مسؤولية وزارة الثقافة والشباب في حكومة اقليم كوردستان، فقد كان مكتبه مفتوحاً للجميع ويستقبل كل من يدق باباه ويحاول قدر المستطاع معالجة مشاكلهم ومساعدتهم.
محطات مهمة من حياته: والد فلك الدين صابر كاكاييفي كركوكعام 1943، بدأ بالنشاطات الطلابيةوالشبابية عام1957 -1959 ،وفي عام 1965أنخرط في الحركة الديمقراطية الكوردية وأنتسب الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني،كتب أولى قصة كوردية له ونشرت عام 1962، وفي عام 1964بدأ الكتابة الصحفية باللغة العربية، وفي عام 1967 صدر رواية (بطاقة يانصيب) طبعت في بغداد وكتب حتى ذلك العام عدة قصص قصيرة بالكوردية والعربية، اضافة الى مقالات أدبية وترجمات من الكوردية الى العربية وبالعكس،في نيسان 1967 حدث تحول في نشاطه الصحفي فقد أنضم الى اسرة المراسلين والمحررين في جريدة (التآخي) التي كانت تصدر يومياً في بغداد باللغة العربية، حيث عمل الراحل في جريدة (التآخي) مراسلاً ثم محرراً ثابتاً ومحرر صفحات، وسكرتيراً للتحرير 1973، ورئيساً للتحرير عام 2003 وكان صاحب امتيازها حتى مماته.
كما ترأس تحرير عدة صحف ومجلات بالكوردية والعربية سواء في المدن وفي الجبل اثناء المقاومة وفيعام 1974 عُين مديراً للأعلام في الحركة الكوردية أثناء المقاومة، وأصبح عملياً رئيس تحرير اذاعة صوت كوردستان، استمر في الأشراف عليها منذ عام 1974 حتى عام 1994 أي طوال عشرين عاماً، وكان يحرر مقالات اذاعية يومياً باللغتين العربية والكوردية، حتى عام 1980 – 1991 كان عملياً رئيس تحرير جريدة (خه بات/ النضال) الصادرة سرياً في الجبال، حتى بعد صدروبها بشكل دوري واسبوعي باللغة العربية من عام 1993 حتى عام 2001، وانتخب عضواً للجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني عام 1979، ثم عضواً في المكتب السياسي، وفي عام 1992 انتخب عضواً في أول دورة للبرلمان الكوردستاني، ومن ثم عين وزيراً للثقافة في الأقليم 1996 حتى استقال عام 2000 وفيعام 2006 اعيد انتخابه وزيراً للثقافة واستمرت عضويته في البرلمان من 1992 حتى 2005، كان عضواً في العديد من الجمعيات والمؤسسات وشارك في عدد كبير من المؤتمرات المحلية والدولية خاصة المتعلقة بالمعارضة العراقية منذ عام 1985، ورغم كل تلك الحياة الحافلة بالنضال والمشقات وانشغاله بالعمل السياسي والنضالي استطاع أصدار العشرات من الكتب باللغتين الكوردية والعربية، الكتب التي تعنى بالفكر والادب والثقافة والفلسفة التي لا مجال لسردها جميعاً.
اما الشاعر شيركو بيكه س الذي وافته المنية يوم الاحد 4-8-2013 في احدى مشافي السويد نتيجة مرض العضال الذي كان يعالج منه منذ مدة، فقد كان ثروة ثمينة للادب الكوردي واحد هاماتها العالية، حيث ترجمت قصائدة الى العديد من اللغات العالمية ومن خلاله تعرف العالم على ثقافة ادب الشعب الكوردي، ومعروف عنه الكتابة عن هموم الشعب وآلاماه وكتب عن الويلات والكوارث التي تعرض لها شعبه، وبالفعل فقد كان جديراً بحمل صفة السفير للشعر الكوردي والاديب المدافع والمحامي الشجاع والناقد الفذ وكل صفات الابداع وكلمات الجمال كان يتحلى بها الراحل الكبير.
شيركوبيكه س بإختصار: ولد في مدينة السليمانية عام 1940 وهو نجل الشاعر والمناضل الوطني فائق بيكه س، أصبح الراحل منذ عام 1970 ضمن نخبة من الشعراء والأدباء من رواد الحداثة الشعرية، وعملت قصائده نقلة نوعية ابداعية كبيرة، حيث صدرت له أول مجموعة شعرية عام 1968.
ونتيجة مواقفه وقصائده التي كانت تحاكي آلام الشعب ومعاناته هاجر إلى الخارج إلى إيران اولاً ومن ثم إلى سورية ثم إيطاليا بدعوة من لجنة حقوق الإنسان في فلورنسا.
وفي عام 1988 نال جائزة توخولسكي الأدبية من السويد ومكث هناك وطلب اللجوء السياسي وفي نهاية عام 1990 سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عاد بعدها الى احضان الوطن.
تُرجمت منتخبات من قصائده، على شكل دواوين، إلى اللغات: الإنكليزية، الفرنسية، الإيطالية، الألمانية، السويدية، الدانمركية، المجرية، الفارسية، التركية، العربية، وتُرجمت له سبع مجاميع شعرية إلى اللغة العربية.
وتجاوز نتاجاته الادبية 35 مجموعة شعرية بدء من عام 1968 منها شعاع القصائد وهودج البكاء وباللهيب أرتوي والشفق والهجرة ومرايا صغيرة والصقر ومضيق الفراشات ومقبرة الفوانيس وفتاة هي وطني وتضم هذه الدواوين القصائد القصيرة والطويلة والنصوص المفتوحة والقصص الشعرية، وقصائد ملحمية طويلة كذلك كتب مسرحيتين شعريتين، وترجم رواية الشيخ والبحر لأرنست همنغواي من العربية إلى الكوردية والكثير غيرها.
اختيرت إحدى قصائد بيكس مع نبذة من حياته حيث تدرس كمادة في كتاب انطولوجيا في كل من الولايات المتحدة وكندا للمرحلة الأولى من الدراسة المتوسطة منذ عام 1988.
وتحققت للشاعر شهرة عالمية، فقد حصل على جوائز عالمية عديدة من بينها جائزة 'توخولسكي' السويدية عام 1987، وجائزة 'بيره ميرد' عام 2001 ، و جائزة 'العنقاء الذهبية' العراقية عام 2005، واسس مؤسسة (سردم) للطباعة والنشر سنة 1998 .
كتب وصيته قبل ايام على رحيله بان يدفن في حديقة ( آزادي) الحرية وسط السليمانية، وان يمنح جائزة ادبية بإسمه كل عام.
بلا شك ان رحيل المفكرين والاديبين فلك الدين كاكايي و شيركو بيكس في هذه المرحلة يعد خسارة كبرى للأدبين الكوردي وحتى العربي، باعتبارهما أحد الرموز الادبية الكبيرة ومعروفين في الوسطين الادبيين الكوردي والعربي، وتركوا فراغاً كبيراً في المجالين الثقافي والأدبي والسياسي، ستبقى هاماتكم عالية واقلامكم حية مهما طال الدهر .[1]
جريدة التآخي -العدد والتاريخ: 6643 ، 2013-08-07