الشاعر لقمان محمود في ديوانه القمر البعيد من حريتي يضيء جانباً مهماً في الحياة من خلال الحب وماهيته، بيدٍ بيضاء ممتدة إلى الحبيبة والوطن و الأشياء الحميمة. ولعلّ من أهم ميزات قصيدة الشاعر الإبداعية إقتصاده في الكلمات إلى حد ما، وتحفظه بهوية قصيدته. وعلى هذه الثيمة المركزية، المتشكلة من ثنائية (القمر) و(البعيد) تشرع الذات الشعرية بتشكيل بنيتها.
إنّ ديوان القمر البعيد من حريتي يسعى إلى تقديم رؤية مفتوحة على تأويلات ودلالات واسعة وشاملة، يوجهها الفكرة بتواشج جملة من التفاصيل التي تربطها بوتيرة متجددة تؤشر إلى معنى تتكهن بالكينونة الخاضعة بطواعية الحب إلى وطن يتحول إلى حرية القصيدة، التي لا تستطيع سوى تكرار ذاتها وفق وعي جديد يتلذذ بالجمالي المشبع بمتاهته:
تبقى الفراشة
أمية
حتى تتعلم
قراءة النار
دون أن تحترق.
لا ريب أن المعنى هنا غير واضح، ف (الفراشة) و (النار) لا يعرفان اليأس، وكأنهما ينسجان معاً أحلامهما، سعياً وراء الفعل الايجابي (تتعلم) الذي يُعيد إلى الاحتراق ثقته في صناعة واقع حقيقي يوقظ أعماق الوعي بمنظور ابداعي يلتحم برؤية الشاعر الجمالية في واقع القصيدة.
وعلى هذا الأساس يمكننا القول: إن قصيدة لقمان محمود تنمو وتتوالد باستمرار لخلق معنى آخر متقاطع وموازي لفعل جديد يتمظهر في توغل (تحترق) في طبيعة المفهوم المخفي من بنية (تتعلم) بأداء وظيفي، يسهم في انشاء خطاب مركّز ينهض بعناصره إلى مستويات فنية مرتفعة يكشف فيه عن قيمة جمالية عالية له. وهذا ما نلاحظه في مقطعنا الجديد:
أراقب الثلج
لأحسّ
بألمهِ
وهو يذوب.
يميل هذا المقطع إلى تمثيل حالة انسانية تستمد فضاءها من حساسية الشعر، لتنحو نحواً مماثلاً في طاقتها الوجدانية. إن الشاعر المبدع لقمان محمود يرسم هنا عالماً انسانياً، وهذا العالم يؤسسه احساس رفيع يدل على قوة الشاعرية في تجسيد ألم عالم الثلج ببياضه وبراءته و أصالته. وبالتالي يكون الشاعر قد غاص إلى أعمق طبقات هذه البراءة بحالة ألم تتنفس فيها القصيدة بحرارة المراقبة والألم وحيويته.
وعلى الرغم من أن القمر البعيد من حريتي ينتمي إلى الحبيبة والوطن، و إلى الأشياء الجميلة بتوافق وتلاءم ملحوظين على نحو يلتئم فيه ويجتمع ضمن إطاره انعكاسات تكاد تكتفي بفعالية الإشارة التي تضاعف تهييج دلالات بعينها، كما في قصيدة قالت دلشا:
الحجل،
ألم كردي متنقل
في القفص الصدري
لعظام كردستان.
أو كما في هذا المقطع من نفس القصيدة:
الحب
دائماً عاقل
لهذا السبب:
العشاق مجانين.
هنا تتكشف ما ذهبنا إليه. وإذا ما اقترحنا قراءة قصيدة قالت دلشا من جديد، سوف نعود لكشوفات أخرى أكثر ارتكازاً بتطابقها الشفيف النابع من الفكرة بوصفها رمزاً لعاطفة معينة لوطن معيّن، تتناغم مع رؤيتها الحسية المكتومة لمصيرها المتجه إلى الواقع.
*جريدة التآخي[1]
العدد 6618
بتاريخ 7-7-2013