تحمل تجربة الشاعر والناقد السوري المقيم في السويد #لقمان محمود#، الكثير من الجمال والمعاني الإنسانية، والتساؤلات ذات الطابع الفلسفي عن الوجود وصراعات الحياة.
في حوار أجرته معه الجريدة قال لقمان، إن الشاعر بحاجة إلى العزلة كي لا تموت القصيدة في قلبه، معتبراً أن الحياة في منفاه بالسويد منحت شعره طاقة مختلفة، وأن العالم حين يخلو من الشعر فإنه يخلو من الإنسان... وإلى نص الحوار:
-كيف كانت لسنوات نشأتك الأولى في سورية أصداء على قصائدك وتفجير منابع إبداعك؟
- ليس سهلاً أن تكون شاعراً كبيراً في مدينة صغيرة (#عامودا#، إحدى مدن محافظة #الحسكة#) تقع في أقصى شمال شرق سورية، ومعظم سكانها لا يتحدّثون سوى اللغة الكردية. بمعنى أوضح، أنني ككردي خضتُ مغامرة ملحمية رهيبة مع اللغة أولاً، ومع العائلة ثانياً، ومع المجتمع ثالثاً، ومع السلطة الحاكمة رابعاً.
إنّ مراجعة التواريخ والمحطات لسنوات نشأتي الأولى يشبه إلى حدّ ما فتح الباب على عصرٍ بأكمله. ففي عالم مليء بالتناقضات ومظاهر الاستبداد والقتل والعنصرية، يتعلّم المرء إنّ الحاجة إلى الشعر تتعاظم من أجل أن يحيى الانسان بسلام على هذه الأرض.
-الغربة وسنوات المنفى في السويد، ماذا أضافت إلى موهبتك الشعرية؟
- أعتقد أن الحياة في السويد استطاعت أن تمنح شعري طاقة مختلفة، خصوصاً على صعيد الوعي المأساوي بمعرفة العالم. إذ يوجد في حياة هذه المملكة كل شيء، ومع ذلك حين يخلو العالم من الشعر فأنه يخلو من الإنسان.
-كيف تنامت تجربتك مع القصيدة، هل كل ديوان جديد يصدر لك يمثل محطة لها ملامحها الخاصة؟
- الشاعر يظلّ يقدّم مقترحات جمالية لهوية كل ديوان جديد، كما لو أنّ خيار ذلك يرجع إلى رغبته في تفريغ وعيه، في حدود الهوية الشخصية لهذا الجديد.
ليست مهمة القصيدة هنا، تكريس حالة معينة، وإنما السماح لهذه اللمسات الأخيرة بالتفتح على كل شيء ممكن أن يوضّح ملامحها الخاصة.
بهذا المعنى، فكل ديوان يصدر لي يمثل محطة جديدة لها ملامحها الخاصة القادرة على التعبير عن انشغالاتي الحياتية وقضاياي الثقافية والاجتماعية والسياسية والفكرية.
-كشاعر، تكتب حين تصيبك الدهشة، أم حين تُستفز أم أن سبباً آخر ينتزع منك القصيدة؟
- لكل مكان طقوسه في الكتابة والقراءة والتأمل والتفكير.. وربّما أصعب مكان لا تستطيع التحكم فيه هو المنفى السويدي.
صحيح أنه مكان مدهش في بعض الفصول، ويستفزك في فصول أخرى، لكنه ينتزع منك القصيدة في كل الفصول.. لذلك أكثر ضحايا القصيدة هم الشعراء أمثالي.. إذ لم يعد الشاعر هو ذاك المتأمل والمختلي بنفسه وبقصيدته.. علماً أنني حصلتُ في عام 2018، على منحة أدبية للتفرغ للكتابة من اتحاد الكتاب السويديين، وأنجزتُ خلاله كتابين، لكن ليس دائماً وأبداً هذا التفرغ في متناول اليد.فالشاعر بحاجة إلى مساحات رحبة من الوقت والهدوء والسلام. نعم، الشاعر بحاجة إلى العزلة، وهنا أقصد العزلة التي يذهب إليها المبدع بكامل إرادته كي يكتب. العزلة - هنا -ضرورة كي لا تموت القصيدة في قلب الشاعر، وهي تنتزع منه عنوة.
-كناقد، هل ترى أن النقد قام بدوره كاملاً إزاء القصيدة الكردية أم أنها مظلومة على مستوى النقد؟
- الإحاطة بالشعر الكردي في الأجزاء الأربعة من كردستان، تُعتبر عملية صعبة ومعقدة بسبب اللهجات المتعددة (الكرمانجية والسورانية)، وبسبب اختلاف الأبجدية (اللاتينية والآرامية). ومع ذلك هناك نقد مستنسخ عن بعض الشعراء الكلاسيكيين، وكأنّ النقاد الكرد الأكاديميين كسالى بعض الشيء في التطرق إلى الشعر الحديث في كردستان.
بالتأكيد المقصود هنا هو أن الابداع الأدبي - الشعر تحديداً - لا يأتي وفق مقتضيات النقد، بل إن النقد يسير وفق مقتضيات الابداع الأدبي وطبيعته.
-برأيك، أيهما يسود المشهد الأدبي العربي راهناً: الشعر أم الرواية، ولماذا؟
- في أيامنا هذه، أصبحت الرواية ترتبط إلى حدّ كبير بالموضة الأدبية، خصوصاً بعد ذهاب شعراء عرب إلى كتابتها باعتبارها كتاباً مسوّقاً، وفي انتظاره جوائز مالية كبيرة.
وبما أنّ الفنون كافة في تراجع وانحسار في عصر السوشيال ميديا، أعتقد أن تاريخ الفنون سيكون هو تاريخ الشعر تقريباً، باعتباره نقطة إلتقاء بين الثقافات. فالشعر أولاً وأخيراً هو شريك الفنون جميعاً، وصديق الإنسان الدائم في الأفراح والأحزان.
-مشروعك الجديد شعري أم نقدي؟
- لي مجموعة نصوص وكتاب سيرة شعرية ينتظران حظهما في الطبع والنشر، كما أشتغل على ديوان شعري أسعى من خلاله إلى العثور على الغياب الذي ينتظرني في كل مكان.
أجرى الحوار: أحمد الجمّال
صحيفة الجريدة الكويتية[1]