بيار روباري
3- مدينة تاباكان الأثرية:
مدينة خورية ﺗﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻀﻔﺔ ﺍﻟﻴﻤﻨﻰ ﻟﻨﻬﺮ #ﺍﻟﺨﺎﺑﻮﺭ# ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺘﻘﺎﺋﻪ ﺑﻨﻬﺮ ﺍﻟﻔﺮﺍﺕ، وهي قديمة جدآ وعبارة عن تلة أثرية، وترتفع عن محيطها وﻋﻦ ﺍﻟﺴﻬﻞ ﺍﻟﻔﻴﻀﻲ ﺍﻟﻤﺠﺎﻭﺭ بحوالي (12) متر، ﻭﺗﺒﻌﺪ نحو (40) ﻛﻢ إلى الجنوب الشرقي من ﻣﺪﻳﻨﺔ “ﺩزورﺮ”. ﻭﻗﺪ ﻫﺪﻡ القسم الأﻛﺒﺮ ﻣﻦ هذه المدينة ﺍﻷﺛﺮية ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻘﻮﻡ ﻓﻮق التلة. والمدينة الحديثة للأسف بنيت على أنقاض المدينة الخورية التاريخية، وبذلك ضاعت الكثير من أثارها ومعها تاريخها.
وتمتد المنطقة الأثرية حتى نهر الخابور الذي يلتقي بالفرات، وقد هدم الخابور جزءاً كبيراً من المدينة، وظلت بعض الأبنية الأثرية حتى وقت قريب قائمة في الموقع، وخاصة المعسكر الذي قدر أبعاده بنحو (40-50) مترآ، وله سور وأبراج وجدران مشيدة بالحجارة والقرميد الشبيه بالقرميد البيزنطي، إلا أن حشوته سميكة. مدخل المعسكر الرئيسي يمر عبر برجٍ يقع على الطرف الشرقي وبداخله غرف مثمنة الأضلاع، ويدل إختلاف البناء في الموقع وعدم التجانس على أنه بني في عصور مختلفة ورمم كثيراً.
وتعرضت المدينة للعديد من الغزوات بدءً بالغزو البابلي في القرن التاسع (900) قبل الميلاد، ومرورآ بالإحتلال الأشوري، ثم سيطرة “دارا الأول” عليها، فالدولة ﺍﻟﺴﻠﻮقية، ومن ثم الإحتلال الروماني الذي شمل كل غرب كرب كردستان (سوريا) الحالية، وإنتهاء بالإحتلال العربي الإسلامي، الذي تبعه الإحتلال العثماني. وكل محتل من هؤلاء المحتلين تقريبآ، أطلق عليها تسميته الخاصة على المدينة ما عدا “دارا”، السبب في ذلك هو إعطائها صبغته وهويته، فالأشوريين أطلقوا عليها تسمية “شوبرا”، أما الرومان فأطلقوا عليها تسمية “ﻛﺮﻛﻴﺴﻴﻮﻡ” ﻭالتي ﺗﻌﻨﻲ ﺍﻟﻤﻌﻘﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﺼﻦ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﻱ، ﻭﺣﻮرت العرب إلى “ﻗﺮﻗﻴﺴﻴﺎ” بعد إحتلالهم للمدينة، وثم غيروها إلى “البصيرة”، نسبة إلى مكانها المرتفع أو العالي البصير، وهذه ترجمة حرفية عن التسمية الكردية، حيث أن تسمية “تابان” تعني الرؤية في اللغة الكردية القديمة، أو الإنارة.
وبعد سيطرة الرومان عليها إهتم بها أباطرتهم فبنى الإمبراطور “جوستنيان” سورآ وأبراجآ لها وكما أمر بزيادة حاميتها العسكرية من (6000) ستة آلاف جندي إلى (10.000) عشرة آلاف جندي، وقد تواصل الصراع حولها بين الساسانيين الكرد والروم حتى الغزو العربي الإسلامي الذي قضى على نفوذ الدولتين الكبيرتين في المنطقة.
الغزاة العرب المسلمين إحتلوا مدينة “تاباكان” الخورية في عهد الطاغية “عمر بن الخطاب”، الذي كلف أحد قادته الذي كان يسمى “عياض بن غنم” ومعه “سهل بن عدي”، بقيادة حملة عسكرية لإحتلال المدينة وبعد إحتلالها إتخذوا منها قاعدة لجيشهم لإدارة منطقة الخابور. تراجع دورها في المرحلة العباسية نهائيآ وأصبحت تابعة لمدينة الرحبة. ووصل عدد سكان المدينة في الفترة الرومانية إلى ما يقارب (60.000) الف نسمة، وكانت مدينة كبيرة بمقاييس ذاك الزمان.
4- مدينة ترقا الأثرية:
هي عاصمة مملكة “خانه”، ويعود تاريخها إلى (3000) الألف الثالث قبل الميلاد، وقد كشفت التنقيبات الحديثة عن سور المدينة الأثري الذي يُعتبر أضخم الأسوار القديمة المعروفة، وتقع مدينة “ترقا” على بعد (15) خمسة عشر كيلومتراً جنوب- شرق مدينة الميادين. المحتلين العرب الأوباش كعادتهم غيروا إسم وحولها إلى “تل العشارة”.
تقع هذه المدينة الأثرية الخورية – الميتانية الكردية، فوق تلة ترابية شديدة الإنحدار على السهل الفيضي لنهر الفرات، وتبعد نحو 60 كم جنوب شرق مدينة درزور. ومدينة “ترقا” الأثرية جاء ذكرها في كثير من الوثائق الإبلوية والبابلية وأرشيف مملكة “ماري”. أجرى العالم الفرنسي “تورو دانجان”، الذي عاش بين أعوام (1872 – 1944م) وهو مكتشف مدينة ” حداتو ” الآشورية في قرية “شيران” الكردية في كوباني. لقد أجرى هذا الخبير الأثاري سبرآ في الموقع في عام 1923 ميلادية ونشر نتائج بحثه في مجلة “سيريا” أي سوريا. وبقيت أطلال مدينة “ترقا” دون مساس حتى إستأنفت أعمال التنقيب فيها بعثة أمريكية من جامعة لوس أنجلس برئاسة العالم “جورجيو بوتشيلاتي” عام 1974 ميلادية. ثم تولت بعد ذلك بعثة فرنسية أعمال التنقيب فيها وإستمرت بالعمل في الموقع فترة طويلة.
مملكة “خانه” والتي تعني البيت، أصبحت مملكة مستقلة بعد هدم مدينة “ماري” من قبل القاتل والغازي “حمورابي” وكان لها صلات قوية مع المدن الخورية جنوب وطن الخوريين (بلاد الرافدين) والمدن الخورية الأخرى في الشمال والشمال الغربي. تعرضت المدينة للعديد من الغزوات والإحتلالات وأولها كان على يد الغزاة العرب الذين سكنوا جنوب البادية وأطلق عليهم السومريين الكرد “الأموريين” أي الغربيين كونهم كانوا يسكنون غرب السومريين، وهم ليس بشعب ولا يملكون حضارة، وإنما كانوا قبيلة
عربية بعيدة كل البعد عن الحضارة، وهناك كتابات كثيرة كتبت عن أوصافهم ووحشيتهم وطرق عيشهم، وكانوا يكرهون العمل وخاصة في الزراعة والبناء.
الخوريين الكرد هم أصحاب مملكة “خانه” الحقيقين وأسسوا مدينة “ترقا” وإتخذوا منها عاصمة لمملكتهم التي بقيت على صلات جيدة مع ملوك مملكة يمخاد (حلب) الحالية، وحافظت على علاقات تجارية بينها وبين مدينة يمخاد الخورية الميتانية. مدينة “ترقا” أو خانه كانت ذات أهمية بالغة في (2000-1000) الألفين الثاني والأول قبل الميلاد. ومن المفيد ذكره أنه حتى وقت إكتشاف أرشيف مملكة “ماري” كانت مدينة “ترقا” تكشف العديد من الرقم الطينية التي أفادت في معرفتنا بثلاثة عشر ملكاً من ملوك مملكة “خانه”. ومعظم الرقم الطينية عثر عليها في معبد (نيني كراك). لم تفقد مملكة “خانه”، أهميتها بعد زوال مملكة “ماري” على يد الغازي حمورابي، بل على العكس تمامآ، إزدادت أهميتها وزادت صلاتها وتعاونها مع بقية المدن الخورية الجنوبية والشمالية وخاصة “مشاديكاني”، وتحولت إلى مركز تجاري مهم كونها تقع على الطري التجاري بين حلب وبغداد والموصل، ولكنها لم تصل لمكانة مدينة “ماري” التاريخية.
لا شك أن إكتشاف مملكة “ماري” كان له دوراً إيجابياً على العمل الأثري في مدينة “خانه” الأثرية من حيث ورود ذكر الأخيرة في الرقم المكتشفة في مملكة “ماري”، وهذا أكد الأهمية التاريخية لهذه المدينة، ولكن في المقابل إن إكتشاف مملكة “ماري” لعبت دوراً سلبياً من حيث صرفت أنظار الباحثين الفرنسيين عن التنقيب في “خانه”. حيث بعد عدة أعوام من التنقيب في موقع مدينة “خانه” جرى إكتشاف أثر مهم في المنطقة المجاورة لها في موقع “ماري”، وهذا ما أدى إلى تحول إهتمام الباحثين الفرنسيين إلى التنقيب هناك، وعلى الرغم من العثور في “ماري” على العديد من الرسائل المكتوبة بالمسمارية، والتي ذُكر فيها اسم “ترقا”. بعد ذلك ورغم إكتشف لوحة فنية آشورية من القرن الثامن قبل الميلاد، في موقع مدينة “خانة” عام (1948) فإن ذلك لم يشد إهتمام العلماء الفرنسيين إلى مملكة “خانه”، وظل إهتمامهم منصباً على مملكة “ماري”.
توقف التنقيب الأثري في موقع مدينة “ترقا” في أربعينيات القرن الماضي وإستمر الحال هكذا حتى عام 1974 حتى تجدد التنقيب في الموقع من جديد بعدما حصل الباحث الأمريكي “كارتر” من جامعة جون هوبكنز على ترخيص للتنقيب في موقع “ترقا”، فأجرى بعض الأعمال التمهيدية في الموقع لمدة عشرة أيام فقط، ثم باشر العمل عام 1975، تحت إدارة “هيليرس”، وكان هذا الموسم هو بداية أعمال التنقيب الممنهجة والجدية في الموقع.
وفي عام (1976) تشكلت بثعة واسعة ضمت باحثين وعلماء من عدة جامعات أمريكية وقاد البعثة عالم الآثار “جورجيو بوتشيلاتي” وزوجته “مارلين – كلّي بوتشيلاتي”، ومن ثم بدأت البعثة أعمال التنقيب المنظمة وواصلت عملها سنة كاملة، وأهم الجامعات والمعاهد التي شاركت في هذه البعثة كانت: المعهد الدولي لدراسات منطقة بلاد الرافدين، وثلاث جامعات أمريكية هي جامعة (كاليفورنيا – لوس أنجلوس، جامعة هوبكنز، وجامعة أريزونا، إضافة إلى جامعة روما الإيطالية). بعد ذلك تابع العمل في الموقع بعثة فرنسية كانت بإدارة “أوليفييه روو” من جامعة “ليون” الثانية، ثم إلتحقت بها بعثة إيطالية من جامعة “بافيا”، وتوسعت أعمال التنقيب بدءاً من عام 2000، لتشمل موقع “المصايخ” المجاور لمدينة “ترقا”.
في عام 2005 عام جرى التحول الكبير في مسار التنقيب في موقع مدينة “خانه”، بعد تشكيل بعثة سورية – فرنسية مشتركة ترأسها من الجانب الفرنسي الباحث “روو”، ومن الجانب السوري مدير دائرة آثار “درزور” الأسبق “ياسر شوحان”، وتم التوسع في أعمال التنقيب لتشمل مواقع أخرى هي: موقع (المشتلة، المروانية) المجاورين لمدينة “ترقا”، كانت الغاية من هذا التوسع في التنقيب هو البحث عن شواهد أثرية تعود إلى الألف الأول قبل الميلاد.
لقد بينت عمليات التنقيب عن وجود خمس سويات أثرية، تمثل مراحل الاستيطان البشري في الموقع، وتمتد بين الألف الثالث ق.م والقرن الثاني عشر الميلادي، تتخللها انقطاعات تدل على هجر الموقع.
وبعد أن خبا نجم مملكة “ماري” إثر دخولها تحت السيادة البابلية تمكنت المنطقة من إعادة استقلالها وذلك إثر ظهور مدينة “ترقا” التي تعتير الوريث الشرعي لمملكة “ماري”، ويعود تاريخ مملكة “خانه” إلى (3000) الألف الثالث قبل الميلاد.
وقد وصل التنقيب في الموقع إلى السويات المعاصرة لفترة “ماري”، ففي فترة “شمشي أدد” عثر على سدادة طينية تحمل إسمه، كما عثر على رقيم طيني يحمل إسم شهر لم يستخدم إلا في أيام ذلك الملك.
وللفترة العائدة لحكم الملك “كبري دجن” في “ترقا” 1775 قبل الميلاد، وعثر على رقيم مسماري يتحدث عن إقامة مخزن للثلج “بيت الثلج” في “ترقا”.
كما عثر أيضاً على معبد أسسه الملك “قشتيلياش” 1690 قبل الميلاد وهو معبد “نينكاراك” وسور ضخم كان يحيط بالمدينة، وعلى كتابة مسمارية ورسائل متبادلة، وعقود تجارية ونماذج مختلفة من الأدوات الفخارية، بالإضافة إلى بيت شهير هو بيت “بوزوروم” الذي جرف “الفرات” نصفه، ويبدو أنه تعرض للحريق في الماضي. إذ عثر بداخله على أثاث منزلي وأدوات باقية في مكانها منذ (3700) سنة وحتى الآن. يتألف البيت من باحة سماوية متوسطة وثلاث غرف، عثر في إحدى الغرف على (100) مئة رقيم مسماري بعضها محفوظ داخل مظروف فخاري ممهور بخاتم (ختم)، تتحدث الرقم عن شؤون إدارية تخص شراء عقارات وبيعها.
سنتكفي بهذه المدن الأربعة بسبب كثرة المدن الأثرية في المنطقة، وكل واحدة من هذه المدن بحاجة إلى دراسة مستقلة وطويلة للإحاطة بكل جوانبها الحضارية والأثرية والدينة واللغوية والأثرية. وسنختتم هذا المحور بأشهر معلم عرفت بها مدينة “درزور” في المئة العام الأخيرة، ألا وهو “الجسر المعلق”، الذي بناه المحتلين الفرنسيين عام 1925 ميلادية وهدمه النظام الأسدي المجرم بعد إندلاع الثورة السورية عام 2011.
الجسر المعلق:
يعد أهم معلم أثري في مدينة “درزور”، ويعود تاريخ بنائه إلى زمن الإنتداب الفرنسي، وتم بنائه على النمط الغربي في بناء الجسورالمعلقة، وأشرف على بنائه المهندس الفرنسي السيد ” فيفو”، واستمر بنائه 6 سنوات مات خلالها عدد من أبناء المدينة. وإنتهت الشركة الفرنسية من بناء الجسر في شهر أذار سنة 1931، وكان في حينها يعتبر ثاني جسر معلق في العالم بعد جسر مماثل له في جنوب فرنسا. وإمتاز الجسر العملاق بركائزه الحجرية الأربعة الضخمة، تربطها ببعضها قضبان معدنية فولاذية قاسية ربطت بعضها ربطاً محكماً وبأسلوب هندسي بديع. بلغ إرتفاع كل ركيزة منها (36) متراً، أما طول الجسر فبلغ 450 متراً وعرضه 4 أمتار. وفي أوائل أيار عام 2013 دمره نظام الأسد إثر استهداف الدعامة الثالثة له مباشرة بقذائف مدفعية، الأمر الذي تسبب في تدمير الأسلاك الحاملة لبدن الجسر وانهياره بشكل كامل، وبقاء الدعامات الحاملة شاهدة على ما حدث.
رابعآ، تاريخ مدينة درزور:
مدينة “درزور” الأثرية قديمة للغاية، ويعود تاريخها إلى ألاف السنين قبل الميلاد، ولا علاقة للمدينة الحديثة بها نهائيآ، الشيئ الوحيد الذي يربط بينهما هو الموقع والإسم. والمدينة الأثرية كانت محاطة بسور مبني من الحجارة والطين، وعلى نفس طريقة البناء الخوري، في التحصين وتشبه الطريقة التي حصن بها بقية المدن الخورية والميتانية، وكان السور يحمي المدينة من غزوات البدو المستمرة وللأسف الشديد، المدينة الأثرية التي هي موضع دراستنا، لم يعد لها وجود وذلك لعدة أسباب منها:
أولآ، بسبب الغزوات المتكررة وخاصة من قبل العموريين، الكنعانيين، الأشوريين، البابليين، الفرس، الرومان.
ثانيآ، بسبب الدمار الهائل الذي لحق بها جراء المعارك، وبسبب تدميرها لم يكن ممكنآ التنقيب في تلك القلعة عن أثارها ودراستها وفوق ذلك أن المحتلين العثمانيين بنوا المدينة الحديثة على بقايا المدينة الأثرية، وفي نظري يعتبر ذلك جريمة بحق التاريخ الخوري – الكردي والذاكرة الإنسانية، تمامآ مثلما فعل هؤلاء المحتلين الأوغاد في مدينة “هسكيفا” الكردية الواقع في شمالي كردستان، عندما طمروها تحت الماء لمحو التاريخ الكردي.
ثالثآ، هدم بقايا المدينة الأثرية على يد العصابة البعثية الإجرامية عام 1969 بأمر من محافظ المدينة. وسنأتي على ذلك بشيئ من التفصيل لاحقآ.
من هنا ما نعرفه عن تاريخ المدينة وحياة سكانها قليل للغاية، ولا ندري بالضبط متى أنشأت المدينة ومتى تم تدميرها وكم مرة، وما هي المستوى الحضاري التي وصل إليها المدينة وسكانها، والدور الذي لعبته في تاريخ المنطقة. إلا أن المأكد أنها تعود إل عهد الخوريين أسلاف الكرد، هذا ما تأكد من خلال بقايا الأثار التي وجدت في قلعة المدينة، وأن الإستيطان البشري في المنطقة يعود تاريخه إلى (6000) ستة ألاف سنة قبل الميلاد، أي قبل أن توجد مدينة “درزور” ذاتها. وقدر علماء الأثار تاريخها أنها تعود للألف الرابع (4000) قبل الميلاد.
وكل ما بني في المدينة من كنائس وأديرة وقلعة وقصور وإضافات أخرى، في الحقبة البابلية والأشورية والأمورية والفارسية، ليس له علاقة بالمدينة الأصلية نهائيآ أي الطبقة السفلى من تلك التلة. حيث دُمرت المدينة عدة مرات قبل الميلاد وبعده، حتى تكون منها تل أثري، أقيم فوقه ما سمي لاحقاً (الدير العتيق)، الذي بُنيا على أنقاض المدينة الأصلية، والتي كانت تتكون من خمسة طبقات فوق بعضها البعض. والتلة التي بنيت عليه (الدير العتيق) يعود تاريخه إلى العصر السومري – الأكادي، قد بنيت قبل الألف الرابع (4000) من ميلاد المسيح، وكانت جزءاً من الدولة الخورية وهذا ليس غريبآ، أولآ كونها في تلك الحقبة التاريخية لم يكن يعيش في هذه المنطقة سوى الخوريين الكرد، وثانيآ، تقع بين منطقتين خوريتين هما: منطقة (أنبار) في الشرق والجنوب، ومنطقة (الجزيره) في الشمال، وهي عمليآ صلة الوصل بين جنوب- شرق كردستان وشمال – غرب كردستان.
ذكر الرحالة الهولندي “ليونهارت راوولوف” الذي عاش بين أعوام (1535- 1596م)، وهو عالم نبات وطبيب ورحالة. إشتهر برحلته إلى المشرق التي بدأت في أيار سنة 1573 م وانتهت شباط سنة 1576 ميلادية أي دامت ثلاثة سنوات. وهو واحد من عدة رحالة أجانب زاروا المنطقة ومن ضمنها مدينة “درزور” وبگدا في العهد العثماني أي قبل حوالي (500) عام، ووصفها بانها مدينة كبيرة وذات أسوار كبيرة وتقع على ضفاف نهر الفرات وتمتلك خندق (قلعة) مسورة بسور كبير بالنسبة لمدن بلاد الرافدين. طبعت الرحلة باللغة الهولندية في مدينة “ليدن” سنة 1581م، ثم ترجمها نيكولاس ستافورست إلى اللغة الإنكليزية سنة 1693 ميلادية وترجمها سليم طه التكريتي عن الإنكليزية الأجزاء المتعلقة بالبلاد العربية ونشرت تحت إسم “رحلة المشرق إلى العراق وسوريا وفلسطين سنة 1573 م”، للرحالة الهولندي ليونهارت راوولف، وقام بنشر الكتاب، وزارة الثقافة والفنون العراقية في بغداد عام 1978 ميلادي.
قدر علماء الأثار، الذين زاروا المدينة الأثرية قبل هدمها عام 1967، على يد محافظها المعتوه والمجرم بحق التاريخ “أسعد صقر”، وحضروا عملية الهدم، أن عمر المدينة الأثرية يعود إلى ما قبل الألف الرابع الميلادية وهذا يعني أن المرحلة التأسيسية كانت في الفترة الخورية، وأخر تأسيس تم في عام (1865) ميلادية أي في العهد العثماني، وذلك عندما فصلت المدينة عن مدينة هلچ (حلب) وأعلنوها متصرفية جديدة وحملت إسمها نفس إسم المدينة القديمة “درزور”.
وفي عام 1867 أعاد العثمانيون بناءها وأصبحت مركزآ إداريا تابعا للإدارة العثمانية إلى أن انسحبوا منها عام 1918، وتعرضت عام 1919 لإحتلال بريطاني سرعان ما تحررت منه في العام نفسه بعد ثورة شعبية في المدينة، ثم تعرضت في عام 1921 للاستعمار الفرنسي، لكن أهلها ثاروا عليه أيضا وتحرروا منه. تزخر المدينة بمعالم تاريخية وأثرية تجسد مختلف الحضارات والثقافات التي تعاقبت عليها، يعبّر عنها المتحف الضخم الذي يضم نحو 25 ألف قطعة أثرية.
لقد حاول بعض الأثاريين من محبي التاريخ الإنساني والمحلي بشكل خاص، إنقاذ تلة مدينة “درزور”
الأثرية، ولاقوا دعمآ من قبل المواطنين الواعين من أبناء المدينة، الذين كانوا يقدرون أهمية الحفاظ على ذاك الإرث الإنساني الذي لا يقدر بثمن، من خلال بناء سور حول التلة والمساكن التي المحيطة بها للحفاظ عليها، لكن كل جهودهم ومسعاهم باءت بالفشل، نتيجة إصرار محافظ المدينة أنذاك (أسعد صقر) المتخلف عقليآ، حيث أصر على إزالة التلة من جذورها، رغم أن الخيريين من أهل العلم والمعرفة قدموا له حلآ أخر غيرلاالهدم، يحافظ على ذاك الأثر التاريخي، وفي ذات الوقت يسمح لمجلس المحافظة التخطيط لتوسعة رقعة المدينة، ولكن ليس على حساب المدينة الأثرية، التي كانت تضم ديرآ قديمآ أيضآ.
الإقتراح كان كالتالي: “بناء سور يحيط بمنازل الدير العتيق وأبنيته والتلة الأثرية القابعة تحتها، وإبقائها كما هي، وبناء الأحياء الحديثة حول التلة، تيمناً بقلعة حلب وحمص وحماة، أو إجراء عمليات تنقيب أثرية دقيقة بإشراف المديرية العامة للآثار والمتاحف، مع المحافظة بقدر الإمكان على المنازل التاريخية الموزعة فوق التلة، كونها تضم معظم جدرانها أعمدة وتيجاناً حجرية وأقواساً صخرية نحتت بعناية، وتعود إلى عصور متفاوتة في القدم”.
إلا أن القرار الأخير كان للوغد المحافظ، الذي أصدر قراراً بهدم المنازل، وإزالة التلة الأثرية وتسويتها بالأرض، وإنشاء مبانٍ حديثة كانت في معظمها لصالح دوائر الحكومة المختلفة إضافة إلى بعض الفنادق. أغلب سكان المدينة حينذاك، الذين عاصروا مرحلة الهدم، شاهدوا بإم أعينهم كيف خُربت آلاف اللقى والمباني الأثرية وطُمست بوساطة الجرافات، التي شاركت في هدم طبقات التلة الأثرية. وأكد عدد منهم أن جزءاً كبيراً من اللقى الأثرية، جرى سرقتها من قبل مسؤولي حزب البعث الإجرامي، وتم التعتيم على ذلك، وإغتنمها كبار المسؤولين الحكوميين والعسكريين في المدينة، وباعوها لتجارة الأثار في السوق السوداء.
ومع الانتهاء من عمليات الهدم والترحيل، وإنشاء المباني الحديثة عام 1968، لم يبق ما يدل على تاريخ هذه المدينة القديمة الأثرية سوى بعض الأجزاء الحيوية والحديثة نسبياً، التي شيدت على أطراف التلة القديمة، ولم يتجرأ الوغد المحافظ المساس بالجامع العمري، ومبنى السراي، والسوق العثماني المقبي، ومبنى الشرطة القديم!!
للمعلومات قلعة المدينة، هي ذاتها تلك التي تقع على التلة الأثرية التي كانت تضم خمسة طبقات أو حضارات مختلفة مرت على المدينة الخورية الأثرية، وأقيمت عليها أيضآ ديرآ مسيحيآ، كان يسمى “بدير العتيق”. بقيت القلعة ماهولة بالسكان منذ نشاتها حتى يوم إزالتها عام 1969 بشكل كامل وبقرار حكومي، ومن ثم بنيت مدينة “درزور” الجديدة محلها.
من جهته، ذكرها الرحالة الإيطالي “كاسبارو بالبي”، الذي عاش بين أعوام (1550- 1624) وعمل تاجراً وسافر إلى عدة مناطق في الشرق الأوسط والشرق الأقصى سعياً للحصول على التوابل والأحجار الكريمة وما إلى ذلك. وله رحلات عديدة دونها في كتب، تتضمن ما شاهده من المدن التي مر بها في أسفاره، وتعد رحلته من أفضل الرحلات الواصلة إلينا وذلك لقدمها من جهه وتفصيلها الدقيق من جهه أخرى. ترجمها إلى العربية الأب “بطرس حداد” وقامت بنشرها عدة دور نشر. وصف رحلته التي بدأها من حلب متوجهاً إلى الهند عام 1579م، ومر بمدينة “درزور”حيث قال عنها:
“في المساء توقفنا عند الضفة اليمنى لنهر الفرات في مدينة تدعى (ديرالزور)، وكانت تسمى قديماً (ميناء السلسلة) ويقيم في هذه المدينة سنجق تركي وقاضٍ، وهي عامرة بالسكان من رجال أشراف ونساء بارعات الجمال لهن بشرة بين بيضاء وسمراء، وهن أكثر جمالاً من أي موضع آخر في تلك الأرجاء، ويذكر أهلها أيضاً المؤرخ والرحالة (راوولف) بأنهم (جميلو الصورة).
وكانت الدير تسمى قديماً بميناء السلسلة، وهذا الاسم إتخذ معناه من الصخور العظيمة التي تقطع النهر في أكثر من موضع، وهي أشبه ما تكون بالحواجز، ومن المؤكد أن هذه الحواجز قديمة، ويوجد في مواضع عدة من تلك الصخور مسامير مثبتة فيها، لها رؤوس متجهة عكس مجرى الماء، وبعض تلك المسامير كانت كبيرة جداً، وهي مغمورة تحت الماء بمقدار ذراعين، وهي من عمل الأقدمين الذين إذا داهمهم الأعداء في سفن منحدرة مع مجرى الماء تصطدم بهذه الحواجز المخفية ولا بد لها أن تغرق”.
من خلال وصف السيد ” كاسبارو بالبي” الذي تحدّث فيه عن المسامير العملاقة المغروزة في قاع النهر لأغراض دفاعية، يعتقد أن تلك التحصينات العسكرية تعود إلى عصر الدولة الأشورية الحديثة (930- 612) قبل الميلاد، التي تميزت بنشاطها العسكري الواسع وإنشاء التحصينات الدفاعية النهرية، وهذا ما فصحت عنه الرسومات النحتية المكتشفة في عاصمة دولتهم (نينوى) وعدد من المدن التي خضعت لهم.
حكمها الإمبراطورية الأكادية في عهد الملك سرجون الأول، ثم سقطت في يد حمورابي الملك الشهير الذي وضع الخطوات الأولى للقانون ثم حكمها الآشوريين ومن بعدهم الكلدانيين والفرس. وبعد هزيمة الفرس أصبحت جزءً من الإمبراطورية الهلنستية في عهد الإسكندر المقدوني، ثم أصبحت جزءً من الإمبراطورية السلوقية، ثم إحتلها الغزاة العرب المسلمين بقيادة عياض بن غنم عام 640 ميلادي، وذلك في عهد عمر بن خطاب.
مدينة درزور الحديثة:
إن مدينة “درزور” الحديثة، أسسها العثمانيين وذلك في العام (1876)، هذا قبل أن تنفصل عن ولاية حلب عام (1881) لتغدو بعدها (متصرفية) تتبع مباشرة لإسطنبول (الأستانة)، وكانت مركزاً ومحطة مهمة عهد بشؤونها بادئ الأمر إلى (خليل بك ثاقب الأورفلي) بوصفه قائم مقامآ للمدينة، فأنشأ فيها داراً للحكومة، وثكنة عسكرية ومستشفى، وإستمر هذا الحال (54) سنة تعاقب عليها 29 حاكماً أو متصرفاً. ثم إحتلها القوات الفرنسية عام (1921) ميلادية، وجعلتها مقراً لحامية عسكرية كبيرة للجنود. وفي عام (1946) أصبحت جزءاً من الدولة السورية اللقيطة المصطنعة على حساب وأرض الشعب الكردي.
خامسآ، معتقدات سكان مدينة درزور الأصليين.
كل عالم بجغرافية منطقة “جزيره” الفراتية الكردية، يعلم بأن مدينة “درزور” ومدينتي الهسكه ورقه
معآ يشكلان منطقة الجزيره، ومحافظة “درزور” هي صلة الوصل بين جنوب وشمال وغرب بلاد الخوريين – كردستان عبر التواصل الجغرافي مع محافظة الأنبار الكردية. ولقد شاهدنا بالدلائل القاطعة في كل المدن الأثرية الخورية مثل:”هموكاران، گوزانة، واشوكاني، گربراك، أوركيش، تاباكان، هسكه، رقه، گرمريبط، لاقا، … “، أن سكان كل هذه المدن وغيرها كانت تدين بالديانة اليزدانية الخورية. ولقد تحدثنا عن جوهر هذه الديانة في دراساتنا السابقة، ومدينة “درزور” وسكانها الأصليين لم يكونوا إستثناءً من ذلك، حيثوا كانوا جزءً من الشعب الخوري وثقافته وتاريخه وعقيدته.
وتاريخيآ معلوم، أن الشعب الخوري وكل أبنائه (السومريين، الإيلاميين، الميتانيين، الهيتيين، الميديين) وأحفاده (الكرد) لم يعتنقوا يومآ دينآ أخر، سوى هذا الدين لألاف السنين، ولم يعبدوا الأصنام بخلاف كل شعوب الأرض. وبقيوا على دينهم اليزداني رغم كل ما تعرضوا له من غزوات وإحتلالات، وحتى النبي
الكردي “زاردشت” الذي جاء بدينه الجديد رفضه الشعب الكردي، ولم تلقى الزاردشتية إنتشارآ واسعآ بين أبناء الشعب الكردي إلا في حدود ضيقة للغاية، وذلك بسبب تعلق الشعب الكردي بدينه اليزداني السمح والمسالم.
ويتمحور الديانة اليزدانية حول عبادة “إله الشمس” بشكل أساسي، ولهذا سميوا (بالخوريين) كونهم كانوا يعبدون الإله “خور”، وهذه التسمية كانت تطلق على الشمس باللغة الكوردية القديمة. وكلمة الشمس ذاتها هي الأخرى مأخوذة عن اللغة الكردية القديمة، حيث كان الكرد السومريين يسمونها “شمش”، وأخذ عنهم اليهود التسمية أثناء وجودهم في كردستان بعد سبيهم من قبل البابليين والأشوريين، والعرب بدورهم أخذوا التسمية عن العبرية، وبدلوا حرف (الشين) الثانية بحرف (السين).
ولألاف السنيين كان الشعب الخوري هو الشعب الوحيد، الذي يقيم في المنطقة والتي كانت تضم البلدان الحالية التالية: (تركيا، سوريا، لبنان، العراق، الكويت، ايران، أذربيجان) وكلها كيانات مصطنعة. فكل الشعب الخوري حيث ما وجد، كان يعبد نفس الألهة ويمارس نفس الطقوس الدينية، وكلمة “دين” ذاتها مأخوذة عن اللغة الكردية، كي لا يزاود أحدٌ علينا نحن الكرد.
الوضع تغير عندما، فرض المحتلين البيزنطيين الأوباش الديانة المسيحية على جزء من الشعب الكردي بالقوة، وعندما غزا الغزاة العرب كردستان، فرضوا لغتهم على الإمة الكردية برمتها، ودينهم الإجرامي الشرير بحد السيف. هنا جرى التحول العميق والكبير في حياة وتاريخ الشعب الكردي وديانته اليزدانية ولكن للأسوأ، ومنذ ذلك الحين تحول الكرد إلى عبيد عند اولئك الهمج والبرابرة وحتى يومنا هذا، وتغربوا عن دينهم اليزدانية، إلا القلة القليلة التي أبت أن تترك دينها اليزداني، ولهذا تعرضت لظلمٍ شديد وعلمليات ذبح لا مثيل لها.
وسكان مدينة “درزور” الأثرية، كانوا يتمتعون بنفس الثقافة والدين، ويتحدثون بذات اللغة الخورية أم اللغة الكردية الحالية، وكانوا يعبدون نفس الألهة، مثل سكان بقية مدن منطقة الجزيره، ولقد ذكرنا أسماء البعض منها أنفآ، وغيرها من المدن الخورية – الميتانية – الهيتية.
ومن ضمن الألهة التي كان يعبدها سكان مدينة “درزور” إله العاصفة (تيشوب)، الذي كان يعتبر ملك الآلهة هذا إضافة إلى إلهة الأم (هيبات)، التي كانت إلهة الشمس عند الهيتيين (الحثيين)، وكانت زوجة لإله العاصفة (تيشوب). وإلى جواهما، كان يوجد الإله (شاروما)، وهو إبن كل من إله العاصفة وإلهة الأم، الإله (كوماربي) وهو بدوره سلف إله العاصفة، وكانت مدينة “أوركيش” التي يطلق البعض عليها تسمية (گريه موزان)، المركز الرئيس لعبادة هذا الإله. وكان هناك إلهآ أخر، هو إلهة الخصوبة والحرب والشفاء ويسمة بي (شاوشكا)، التي كان مركزها في نينوى. وإلى جانب كل هذه الألهة، كان هناك إله الشمس (شيميگي)، وإله القمر (كوشوه).
ولليوم الكرد اليزدانيين، يقومون بنفس العبادات ويمارسون ذات الطقوس الدينية اليزدانية، وأي زائر للقرى والبلدات اليزدانية سيجد ذلك بإم عينه، وخاصة إذا زار منطقة “شنكال”. ولليوم هناك العشرات من القرى الكردية في منطقة الهسكه، التي يدين سكانها بهذه الديانة الخورية، والإيزيدية فقط فرقة منها وهناك فرق عديدة إنشقت عنها بسبب الإحتلالات لكردستان كالإحتلال الداعشي الأخير.
المعبد اليزداني الذي كان يتعبد سكان المدينة فيه ويتوسلون لألهتهم، دفن تحت الأبنية الجديدة التي بنيت في موقع المدينة الأثرية، بعد هدمها كاملة وجرفها بالبلدوزرات والجرفات الكبيرة، على يد زمرة بعثية عنصرية إجرامية، بهدف محو الهوية القومية لهذه المدينة الخورية.
وفي تلك الحقبة الزمنية، كانت هناك معتقدات وليست أديان بالمعنى المعروف لنا حاليآ، ولم يكن هناك رسول أو ما أطلق عليهم لاحقآ تسمية الأنبياء. والألهة كانت كثيرة للغاية، بحيث كل شأن كان له إله خاصآ به ومسؤولآ عنه، ومن هنا جاء تعدد الألهة، والكرد الخوريين كانوا متسامحين للغاية مع معتدات الأخرين، ولم يمنعوا الأخرين من ممارسة عباداتهم وطقوسهم الدينية الخاصة بهم. ولم تعرف البشرية قط الحروب الدينية، إلا بعد ظهور اليهودية كديانة شمولية، ولحقت بها المسيحية والإسلام والثلاثة أسوأ من بعضهما البعض.
نهاية الحلقة الثانية وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.[1]