د. خليل جندي
يأتي أحد السادة في كتاب له يفسر ويشرح لنا بشكل رغبوي عن شخصية (ايزدينه مير)، ويبني عليه “فرضيته”، ويعقد عليه كل اجتهاداته وآماله، ويخرجه لنا شخصية خارج الزمان والمكان، وخارج التاريخ، يصفه مرة ب (الملك/الملاك) وتارة ب (الأمير) ويجعله من طبقة (الأبيار-بير) وبالتالي نداً للشيخ عدي وخلفائه من السلالة الآدانية! دون أن يدرك بأن (ايزدينه مير) هما شخصيتان وليست شخصية واحدة. يأتي يفسر ويترجم اللاحقة (مير/ الأمير) بمعنى صاحب ورئيس الإمارة، ويؤسس عليها جميع اوهامه! (راجع السيد حاجي أبو سينم، المنتظر، الجزء الثاني-المقدس، مطبعة هاوار/دهوك، الطبعة الأولى، ص 53 )، علماً أن (ايزدينة مير) هو النطق الكردي للاسم العربي (عزالدين أميران) فالأكراد الذين لم يدخلوا المدارس ولم يتقنوا اللغة العربية، أو لم يحتكوا بالعرب، يصعب عليهم تلفظ اسم (عزالدين) فيلفظوها (ايزدين= ئيزدين). أما (مير) التي فسرها كاتبنا برئيس الإمارة، ماهو الا تخفيف للاسم (ميران) والد عزالدين، وتخفيفاً لنطق الاسمين معاً تحول (عزالدين أميران) إلى (ايزدينه مير)!!
تزوج (ميران/أو أميران) جد الشيخ شمس والشيخ فخرالدين من إحدى بنات الشيخ حسن بن الشيخ عدي الثاني، أنجبا ولداً سماه (عزالدين) الذي نحن بصدده، وتزوج (عزالدين) بامرأتين، احداهن السيدة عرب (ستيا عرب) أخت الشيخ عنتوش وأنجب منها ناصر الدين (ناسردين) وسجاد الدين (سجادين)، والأخرى هي السيدة (زين) ابنة خاله الشيخ شرف الدين بن الشيخ حسن، وأنجبا ولدين هما (شمس الدين وفخرالدين) ( راجع السيد بدل فقير حجي، لالش نامه، طهران، الطبعة الأولى 2019، ص24. حتماً معلومات السيد بدل بهذا الشأن مستقاة من والده وهو من أكبر علماء الدين الايزيدي في القرنين 20-21 وهي صحيحة طبقاً للمصدر.)، يقول النص الديني:
شەمسەدینەو فەخرەدینە /شمس الدين وفخر الدين
هەردوو پسێت ستيا زينە /كلاهما ابنا السيدة (زين)
هەردوو خەلفەتێت ئێزدينە /وكلاهما خلف/ ابنا (عز الدين)
هەردوو نەڤیێت شەرفەدينە /وكلاهما أحفاد (شرف الدين) .
(البيت-سه به قه- الأول من قصيدة (الشيخ شمس وملك فخرالدين). ينظر كتاب د. خليل جندي، صفحات من الادب الديني الايزيدي، مصدر سابق، ص 693.)
النص الديني صريح لا يقبل التأويل، يبين بأن (الشيخ شمس الدين والشيخ فخرالدين) كلاهما أولاد الشيخ عزالدين (ايزدين-ئيزدين) بن (ميران) الذي تزوج من بنت الشيخ حسن. إذا كان (ميران) قد تزوج من ابنة الشيخ حسن بن عدي الثاني، وإبنه (عزالدين) تزوج من ابنة خاله شرف الدين بن الشيخ حسن، معنى ذلك أن (ميران) عاش في عهد الشيخ حسن وهو أصغر منه سناً، وكذا الحال مع (عزالدين) فهو أصغر سناً من الشيخ شرف الدين. علماً أن الشيخ حسن عاش خمسون عاماً للفترة بين (1154-1196م). وإذا راجعنا النص الديني (قه ولى به حرا= قول البحور) وقمنا بتفسيره بشكل دقيق، يكشف لنا من هم (عائلة آديان) وحينها سوف تتبدد أحلام حاملي لواء تشويه تاريخ الديانة الايزيدية ومعاداة رموزها وفي المقدمة منهم الشيخ آدي بن مسافر وخلفائه. نقتبس بعض الأبيات من النص الديني (قول البحور):
15- باجارەكەو چار شورن / مدينة ذات أربع أسوار
تێ هەینە یانزدە خەندەكێت كورن /وتضم إحد عشر خندقاً
هەفت دتارینە، چار بنورن /سبعة خنادق مظلمة وأربعة منورة
17- دەرگەهەكی عەیانە /باب واضح
كورسيەكە بشەش پێیانە /وكرسي بستة أرجل
قەندیلەكەو چار چرانە /وقنديل ذات أربعة مصابيح
18- چار چراو فتيلەك / أربعة مصابيح بفتيلة واحدة
دوو مەنبەرو قەنديلەك / منبران بقنديل واحد
هەشت دەركەو كليلەك / ثمانيةُ أبواب بمفتاح واحد!
(انظر د. خليل جندي، صفحات من الأدب الديني الايزيدي، مصدر سابق (قول البحور) ص240-245)
المدينة، حسب تفسير علماء الدين الايزيدي، إشارة إلى الشيخ أبو البركات صخر بن مسافر شقيق الشيخ آدي بن مسافر، والخنادق الأحد عشر يرمز إلى أبنائه، الأربع المنورين (خەندەكێت بنور) هم: 1- الشيخ عدي الثاني الملقب بالكردي، وأبو المفاخر، المولود سنة 1132 ميلادية والمتوفي سنة 1217 ميلادية. 2- الشيخ أبو بكر بن صخر. 3- الشيخ عبد القادر بن صخر. 4- الشيخ إسماعيل بن صخر. أما الخنادق السبع المظلمة (خەندەكێت تارى)، فترمز إلى: 1- الشيخ أحمد بن صخر. 2- الشيخ سفيان. 3- الشيخ موسى. 4- الشيخ مساف بن صخر. 5- الشيخ محمد. 6- الشيخ ربيع. 7- الشيخ مروان. ويمكن تفسير (الخنادق المنورة) بأن الأبناء الأربعة التي أشرنا لهم، كانوا على جانب من العلم والمعرفة والشهرة بحيث أصبحوا عماد العائلة، أما (الخنادق الظلمة) فهي إشارة إلى الأبناء السبعة الذين لم يجهدوا نفسهم بامور الدين، أو ربما كانوا مخالفين لاتجاه أخوتهم الأربعة!!
القنديل يرمز أيضاً للشيخ صخر بن احمد بن مسافر، والمصابيح الأربع ترميز لأبنائه الأربع المنورين، والجملة (أربعة مصابيح وفتيلة واحدة) هي إعادة بصيغة أخرى للشيخ صخر وأبنائه الأربع.
الشيخ ميران تزوج من احدى بنات الشيخ حسن بن آدي الثاني (الملقب بشمس الدين)، لم أطلع على اسمها لحد الآن، وقد أنجبا ولداً سموه عزالدين (ئێزدين)، وهو الذي اشتهر ب (ئێزدينه مير). و (عز الدين/ ئێزدين) هو ابن أخت الشيخ شرف الدين بن الشيخ حسن، تزوج من (زين) بنت خاله شرف الدين بن الشيخ حسن. الشيخ عزالدين والسيدة زين أنجبوا أربعة أبناء، سمى الأول (شمس الدين) تيمناً بلقب جده من الأم (الشيخ حسن) والثلاثة الآخرين (الشيخ فخرالدين والشيخ ناصر الدين والشيخ سجادين)، وهؤلاء هم الذين سموا بالعائلة الشمسانية/أو الشمسانيون نسبة إلى الأخ الأكبر شمس الدين. وهؤلاء من العائلة الآدانية بما لا يدع الشك.
لا التاريخ العام ولا التاريخ الشفاهي الايزيدي يذهب بتسلسل نسب العائلة أكثر من (ميران)، ونكون من الشاكرين لمن يتحفنا بمعلومات في هذا الجانب خاصة إذا كانوا أمراء أو أصلهم من (الأبيار- جمع بير) ومتنفذين في المنطقة قبل مجئ الشيخ آدي بن مسافر وجماعته اليها. أنا شخصيا أرجع أن يكون والد (ميران) أحد أبناء الشيخ صخر بن أحمد بن مسافر من الوالدة السيدة زبيدة، والذين اعتبروا من ضمن أسماء (الخنادق المظلمة) وربما المناوئين لأخوانهم الأربعة!! يقال ان والده هو موسى بن صخر بن مسافر بن احمد بن اسماعيل بن موسى بن مروان….
يبدو أن الصراعات بين الأخوان الأحد عشر كانت تتحرك تحت الرماد زمن والدهم أبو البركات صخر بن أحمد بن مسافر، واستفحلت زمن الشيخ حسن بن آدي الثاني ودخل الأحفاد (العائلة الشمسانية) على الخط، وتهدئة للموقف وترضية للأطراف تم استحداث منصب (الوزير).
معلومات تفيد الذكر:
• الشيخ عزالدين بن زين الدين بن عيسى بن الشيخ عدي الثاني، هو الذي لقب ب (أمير الأمراء) وكان مقره في الشام، أراد أن يقوم بانتفاضة آنذاك، لكن قبض عليه ومات في السجن سنة 1331 ميلادية.
• الشيخ زين الدين يوسف بن شرف الدين بن الشيخ حسن، ذهب لمصر طلباً للعلم وتوفي هناك سنة 1325 ميلادية.
• تعتبر (العائلة الشمسانية) الجيل الثاني من العائلة الآدانية، وجاءت بعد زواج (ميران) من بنت الشيخ حسن، وزواج ابنه (عزالدين) فيما بعد من (زين) ابنة خاله شرف الدين بن الشيخ حسن. والشمسانية هنا هو لقب منسوب إلى الشيخ شمس الدين بن عزالدين بن ميران، وليس له علاقة بعبادة الشمس قطعاً، جميع الايزيديين يقدسون ويعبدون الشمس كأحد تجليات الخالق، وجميع الايزيديين هم شمسانيين.[1]