في رواية صدرت عام 1972 بعنوان “القلعة الخامسة” قدّم الشاعر العراقي فاضل العزاوي صورة عن سجن ما يقع في منطقة ما من بلاد ما تدعى العالم العربي.
رواية السجن هذه لا تسمّي الأشياء بأسمائها, بل يذهب بطل الرواية إلى عالم شعري مصنوع من فتات الكلام, من أجل أن يعبّر عن واقع غرائبي لا تفسير له. رجل اعتقل عن طريق الخطأ, ثم تحوّل الخطأ حقيقة, وفي النهاية يكتشف أنه تعوّد السجن, وأن الحياة خارج السجن ليست أفضل من الحياة في داخله.
هذا هو المواطن العربي اليوم, إنه سجين داخل سجنين متقاطعين, لا يملك حقاً ولا يُعترف له بوجود, ولا يُسمع صوته. رواية فاضل العزاوي من عشرات الأعمال الأدبية التي جعلت من السجن محورها: عبدالرحمن منيف, جمال الغيطاني, صنع الله إبراهيم, نجيب محفوظ, حليم يوسف, نبيل سليمان واسماعيل فهد اسماعيل وحيدر حيدر وإبراهيم صموئيل… إلخ، كلها تروي حكاية متعددة الصوت والملمح.
البعض لجأ إلى الاستعارة والبعض رأى في الكتابة وسيلة خلاص والبعض اكتشف المدينة العربية في وصفها سجناً وإلى آخره…
وسوريا هي الجُبلة الأكثر سواداً في هذا العالم العربي المريض. لذلك فالمسألة إذاً في حاجة إلى فهم جديد ومختلف. والمسألة برمّتها انكشفت منذ ليل الخامس من حزيران 1967. ففي هذا التاريخ الحزيراني كانت الهزيمة نكراء, ولكن الهزيمة كان يمكن تجاوزها, لولا أنها كشفت الغياب الأكبر في عالمنا العربي اليوم: إنه غياب المواطن العربي.
والسؤال هو لماذا يبقى المواطن العربي في الغياب؟ كيف تحوّلت هذه الأنظمة العربية المختلفة في كل شيء إلى ما يشبه النظام الواحد؟ الجمهوريات تمملكت, والملكيات ازدادت تمملكاً, ولا أظن الجناس الرائع بين التمملك والمماليك محض مصادفة لغوية, بل قد يكون مصادفة تاريخية أيضاً.
الحقيقة أن هذه الأنظمة القروسطية لم تبقِ من الهوية العربية سوى السجن بحيث لم تعد فكرة أن تكون مواطناً واردة في المخيلة السياسية لأي مواطن عربي. بلاد بلا مواطنين, وأوطان بلا حقوق, هذه هي الحقيقة التي اختبرها المواطن العربي وغير العربي الذي يعيش على امتداد هذه الجغرافيا في بيروت أو بغداد, في تونس والجزائر وليبيا والخليج ودمشق. حتى يبدو كأن العربي الحر الوحيد هو العربي الميت.
والسؤال الذي كان يطرحه سرَّاً كلّ مواطن يعيش تحت نير هذه الأنظمة العربية, لماذا نحن في السجن؟ فهذا السؤال هو الذي أشعل هذه النيران التي سمّيت بالربيع العربي.
•أحمد ديبو: شاعر وناقد سوري وكاتب لدى ملحق النّهار الثقافي [1]