قالت الناشطة الحقوقية التونسية، الدكتورة سلوى قيقة، عن القائد #عبد الله أوجلان# لقد تمكنت من اكتشاف زعيم فكري وسياسي، له نظرة شاملة أساسها تحقيق إنسانيّة الإنسان على وجه الأرض، يحقّ اعتباره فيلسوف العصر وأكدت أن أطروحات القائد أوجلان تمثل رؤية استراتيجية بالنسبة للمجتمع البشري من أجل تحقيق إنسانية الإنسان.
يعد القائد عبد الله أوجلان من المناضلين القلائل الذين يتخذون من حرية المرأة أساساً لنضالهم، مما جذب انتباه آلاف النساء حول العالم.
وإثر مؤامرة دولية أحيكت من قبل القوى المهيمنة في ال 9 من تشرين الأول عام 1998، اضطر القائد عبد الله أوجلان لمغادرة الشرق الأوسط من سوريا، واختطف في ال 15 شباط/ فبراير 1999 من قبل دولة الاحتلال التركي، وتم احتجازه في جزيرة إمرالي، وسط البحر وفي ظروف صحية مزرية، وبين أربعة جدران، وسط فرض عزلة مشددة ومنع ذويه ومحاميه من اللقاء به.
وحول أطروحات القائد أوجلان التي طرحها خلال مرافعاته، أجرت وكالتنا حواراً مع عضوة مجلس المرأة والأمن والسلام بالاتحاد الإفريقي والناشطة الحقوقية، الدكتورة سلوى قيقة.
حيث أكدت سلوى قيقة أن: القائد الكردي أوجلان يرفض المرأة التي ترى نفسها كسلعة، لذلك نادى في إطار الثورة الاجتماعيّة والثورة النسائية بتغيير العقليات من خلال القضاء على ما تم إكسابه للرجولة من خصائص بالية من قبل النظام الذكوري المستبد الذي تحوّل إلى بلاء على رأس البشرية.
نص الحوار كالتالي:
*كمناضلة في مجال حقوق المرأة والمساواة هل لكم اطلاع على أفكار القائد عبد الله أوجلان؟
لم تكن القضيّة الكرديّة من القضايا المتداولة والمطروحة في تونس إلاّ من قِبَل المختصين في المجال التاريخي.
وباعتباري مناضلة في مجال حقوق النساء والمساواة، كان احتضان تونس للمنتدى الاجتماعي العالمي في 2013، فرصة للتعرّف على مجموعة من المناضلات الكرديات اللواتي حضرن أشغال المنتدى.
وباستمرار التواصل بيننا، تواترت الدعوات إلى عديد اللقاءات التي نظمت في ديار بكر وأورفا والسليمانية، وكان لي شرف التعرّف على شخصيات مرموقة من الكرديات من أمثال البرلمانية والرئيسة السابقة لبلدية ديار بكر، كلتان كشاناك التي لا تزال منذ 2016، تقبع في سجون أردوغان بسبب مواقفها السياسية وأفكارها التقدّمية الحداثية.
لقاءات مكّنتني من اكتشاف ما كان مغموراً من نضالات الكرد في سبيل الحريّة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة، ومكّنتني من فهم ما يكمن خلف الشجاعة النضالية في مواقف النساء الكرديات والرؤية التي تدعم هذه المواقف المتميّزة بقوّة الإرادة، وذلك ضمن محيط إقليمي لا يزال فيه وضع النساء يرزح تحت وطأة أعراف وتقاليد وقوانين لم تتجاوز بعدُ قضايا تعدّد الزوجات وزواج القاصرات وختان البنات ومختلف أصناف العنف والاستعباد.
لا شكّ أنّ الرؤية المحدّدة بدقّة هي أساس النجاح على الميدان، وإنّ هذه الرؤية التي تقضي على التشتّت الفكري وتوحّد الصفوف قد صمّمها القائد الكردي عبد الله أوجلان.
لقد مكّنتني اللقاءات المشتركة في الاتجاهين بين المناضلات الكرديات والتونسيات من اكتشاف فلسفة المنظّر عبد الله أوجلان، وتمكّنت من مطالعة بعض كتاباته منها: مانيفستو الحضارة الديمقراطية، أزمة المدنية وحلّ الحضارة الديمقراطية في الشرق الأوسط.
وكان لي في 2016، شرف المشاركة في ملتقى بمدينة السليمانية حول موضوع السلام والاستقرار في الشرق الأوسط في فكر عبد الله أوجلان، هكذا تمكّنت من اكتشاف زعيم فكري وسياسي، له نظرة شاملة أساسها تحقيق إنسانيّة الإنسان على وجه الأرض، يحقّ اعتباره فيلسوف العصر، وفّقه في عقد الصلة بين الفكر والواقع.
*يؤكد القائد أوجلان أن حرية المجتمع يكمن في تحرير المرأة ونيلها كامل حقوقها المشروعة، وأن بناء أي مجتمع حر لا يتم إلا عبر حرية المرأة، كيف ترون هذه التقييمات؟
من الواضح أنّ عبد الله أوجلان مرّ في مختلف أطوار حياته بتجارب نضاليّة متنوّعة، وهذا أمر طبيعي في مسار حياته، بين مرحلتي الشباب والكهولة، قبل أن يستقرّ موقفه ويختار التوجّه الاشتراكي الديمقراطي الذي يقوم على نظرة إنسانيّة شاملة ترفع الكائن البشري إلى المنزلة الإنسانيّة وتحقّق المساواة والحرية لكل إنسان.
ولتحقيق هذا الهدف نراه يطرح تصوّراً لتحرر المرأة، سمّاه باللغة الكردية jineoloji ، (جنولوجي) ويعني علم المرأة، لكن هل يتسنّى تحقيق الديمقراطيّة الحقيقيّة والمساواة الفعليّة في مجتمعات ذكوريّة ذات عقليات أبويّة راسخة، رغم مساحيق التبجّح بالحريّة حتى في المجتمعات الغربية الرأسماليّة التي تتاجر بأجساد النساء في الإشهار لبيع السلع وربح المال؟
المرأة السلعة يرفضها أوجلان، لذلك ننادي في إطار الثورة الاجتماعيّة والثورة النسائية بتغيير العقليات، من خلال القضاء على ما تم إكسابه للرجولة من خصائص بالية من قبل النظام الذكوري المستبد الذي تحوّل إلى بلاء على رأس البشرية.
ففي المجتمعات التي تهان فيها النساء ويتعرّضن يومياً للعنف والاستغلال والحرمان من أبسط الحقوق هل يمكن الحديث فيه عن جيل حر ورجال أحرار؟
وكشرط أساسي من شروط التحرر وإقامة علاقة متكافئة بين المرأة والرجل، لا بدّ من تهذيب وتربية الذات وفق قيم الحرية والمساواة وتحرير الذات من كل آثار الذهنية البالية، وانعكاسها على التصرفات والعلاقات اليومية.
ففي مقابل الأيديولوجيات الفكرية والدينية التي جعلت الفلاسفة القدامى والأنبياء يعتبرون المرأة هي الفرع والرجل هو الأساس والجوهر، لا بدّ من استراتيجية لدمقرطة العائلة التي ترسّخ في ذهنها أنّ حوّاء ولدت من ضلع آدم أو أنّ أثينا ابنة الإله زوس قد ولدت من جبهته بحيث وصل الأمر إلى درجة أنّ المرأة أيضاً باتت تؤمن بأنها أقل شأناً من الرجل، لتتحول هذه الرؤية إلى عقيدة مع الزمن.
وإذا كانت أطروحة عبد الله أوجلان تمثّل ثورة فكرية بالنسبة إلى المجتمع الكردي، فهي رؤية استراتيجية بالنسبة إلى المجتمع البشري في كلّ أنحاء العالم، من أجل تحقيق إنسانية الإنسان.
*شهد الشرق الأوسط حراكاً جماهيرياً عقب اندلاع الثورة التونسية، إلا أن معظم تلك الثورات لم تحقق الأهداف المرجوة، وبالنظر إلى ثورة شمال وشرق سوريا التي انتهجت ثورة مغايرة على مبدأ مشروع الأمة الديمقراطية التي طرحها القائد عبد الله أوجلان، والتي ترتكز على مبدأ المساواة، وتمكنت المرأة من خلالها نيل دورها الريادي في قيادة المجتمع بشكل مشترك، كيف تقيمون ذلك؟
من المهمّ في إطار تحديد المفاهيم، أن نذكّر بأنّ ما يسمّى الثورة التونسيّة، لم يكن إلاّ انتفاضة شعبيّة ضدّ الدكتاتورية كان شعارها: شغل. حريّة. كرامة وطنيّة.
وهل يمكن الحديث عن ثورة دون رؤية استراتيجية واضحة وخطّة تنفيذيّة على المدى القريب والمتوسط والبعيد في إطار خطّة ثورية وقيادة تحظى بثقة الجماهير وقادرة على توجيههم؟ وفي هذا الإطار، تجدر المقارنة بين الثورة التونسية وثورة شمال شرق سوريا التي انتهجت سبلاً مغايرة وفق توجّه محدّد ورؤية فلسفيّة واضحة: فلسفة الأمّة الديمقراطيّة التي مثلت حصيلة سنوات طويلة من البحث والتنظير لضبط معالم المجتمع الذي أصبح يرنو إليه المجتمع الكردي في مختلف المناطق الكردية.
إنّ غياب الرؤية الثورية في الانتفاضة التونسية، لم يسمح للقوى الديمقراطية الحداثية بتجميع القوى بصفة فاعلة لوضع أسس قوية لنظام ديمقراطي حداثي، وقد تمكّن أعداء الحريّة والديمقراطية والمساواة من جماعة الإسلام السياسي، من السيطرة على دواليب السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية.
وها نحن نرزح تحت أعباء مخلفات العشرية السوداء التي سيطر فيها الإسلام السياسي، ولا زال التشتّت قائماً بين مختلف الأطراف الديمقراطية، نظراً لغياب الرؤية.
ولا يخفى أنّ الإمبريالية العالمية قد لعبت دوراً أساسيّاً في تحديد هذا الوضع من خلال فرض الإسلام السياسي على المشهد.
وعلى الرغم من ضبابية الأوضاع وغياب الرؤية الشاملة للثورة التونسية، فإنّ الحركة النسائية في تونس، سعت طيلة العشرية السابقة إلى تضافر الجهود ورصّ الصفوف من أجل التصدّي لكل محاولات المس من الحقوق المكتسبة والسعي إلى تطويرها في اتجاه ضمان الحقوق الدستورية ومنها الحقوق الفعلية، فكانت قوّة اقتراح وقوّة ضغط لتحقيق أهداف الحرية والديمقراطية والمساواة الفعلية والكرامة الإنسانيّة.
عشرات الآلاف من النساء تظاهرن في الشوارع وساندهنّ عدد كبير من الرجال الديمقراطيين، لكن تبقى فلسفة الثورة وقيادة الثورة وبرنامج الثورة غير محدّدة بصفة شاملة، ولنا فيما تحقّق في فلسفة الثورة النسائية الكردية مثال معتبر وفي تبادل مختلف التجارب والخبرات ما يسمح بتكوين قوّة إقليمية وعالمية قادرة على بناء مجتمعات المواطنة والمساواة في بلداننا.
*يعد القائد أوجلان من المناضلين القلائل في العالم الذين يتخذون من حرية المرأة أساساً لنضالهم، اعتقال القائد أوجلان عبر مؤامرة دولية شاركت فيها العديد من الدول العالمية والإقليمية، وهو معتقل منذ عام 1999، وإلى الآن ضمن سجن انفرادي، ويتم تطبيق إجراءات تعسفية بحقه، كيف تفسرون هذه الإجراءات؟
من الواضح من خلال ما ذكرته سابقاً، أنّ مصالح القوى الرأسمالية الإمبريالية تتضارب مع قوى التحرّر في العالم، وما فرض الإسلام السياسي في تونس وتسليط الدواعش على منطقة الشرق الأوسط إلا مثال على ذلك.
وإذا كان أوجلان يجمع بين نظرة فلسفيّة مجتمعيّة نيّرة هدفها حرية الفرد وحرية المجتمع من ناحية ومشروع سياسي عملي يسعى إلى تغيير الواقع من ناحية أخرى، فهو من منطلق المنظور الرأسمالي الإمبريالي يمثّل خطراً على المصالح الغربية في مستواها الاقتصادي والسياسي.
مشروع عبد الله أوجلان يقوم على التوعية وتغيير العقليات وشحذ الهمم من أجل التغيير، وفي هذا التغيير فضح لعقلية الاستعباد التي يتصرّف بها الغرب مع البلدان التي ما أنفكّ يستغلّ ثرواتها الطبيعية والبشرية، وإذا ما عقدنا الصلة بين المجالات السياسية والمجتمعيّة والإنسانية، تطفو إلى السطح تجليات العقلية الأبويّة الذكورية السلطوية الراسخة في أعماق العقليات تجاه النساء كما تجاه البلدان المستضعفة.
وإذا كانت ميزة الفكر الأوجلاني تتمثّل في أنّ تحرّر الشرق الأوسط هو رهين تحرّر النساء فيه، تنضاف إلى معاداة القوى الرأسمالية لشخصه، معاداته من قِبَل القوى الرجعية الحاكمة في المنطقة، هذه العوامل تجعل فلسفة أوجلان تهديداً للمصالح الغربية من جهة وللعقليات الذكورية الرجعية من جهة أخرى، وتفسّر ما يعانيه منذ أكثر من 20 سنة في السجن الانفرادي وما يسلط عليه من إجراءات تعسفية.
إنّه لمن المؤسف أن يظلّ أوجلان المدافع عن إنسانية الإنسان، سجيناً سياسياً تنتهك إنسانيته، وهو الذي وسمه محامي الزعيم نيلسون منديلا السيّد عيسى موسى، بمنديلا الشرق الأوسط، وقد وسمه الفلسطينيون الذين حضروا لقاء السليمانية في 2016 بشقيق الزعيم ياسر عرفات لأنّه من ضحايا المخابرات الإسرائيليّة .
(ي م)
ANHA
[1]